نتنياهو يكره الإسرائيليين

آخر تحديث 2017-01-15 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

أرتور فنكلشتاين من الولايات المتحدة الأمريكية، كشف السر لنتنياهو: يهودي، لا إسرائيلي. وهو قد قال له: هناك في إسرائيل سؤال واحد فقط – "ماذا تشعر بنفسك أكثر، إسرائيلي أم يهودي؟" وواصل بعد ذلك قائلاً: إذا كان الجواب "إسرائيلي" – فهذا يعني أن الشخص الذي يقف أمامك هو يساري، أما إذا كان الرد "يهودي" – فهذا يعني الشخص يميني. هذه هي كل القصة، هكذا قال فنكلشتاين.

نتنياهو يكره الإسرائيليين. ليس اليهود، بل الإسرائيليين

هذا الفهم هو الذي شكل الإشارة للبدء بحملة التدمير. لقد فهم نتنياهو وأدرك أنه إذا ما قام بإزالة الهوية الإسرائيلية عن إسرائيل فإنه سيضمن حكم اليمين. وسيضمن حكمه. وقد عقد نتنياهو العزم في أعماقه على أن يحول حكمه، وإسرائيل، إلى (مملكة) يهودا.إن نتنياهو يكره إسرائيل. أي أنه يكره الرداء (الثوب) الإسرائيلي الذي تم إلباسه للأساس اليهودي. ومن وجهة نظره فإن هذا الرداء يخفي حقيقة رئيسية وهي أن إسرائيل إنما وجدت لتكون يهودية فقط. وهي قد أقيمت لهم (لليهود) حتى تكون ملاذاً من الأغيار – إذ أن والده كان قد حدثه عن محاكم التفتيش. أما المحرقة والمذابح فهو قد قرأ عنها لوحده.كما أن نتنياهو قد أدرك جيداً من هم الحلفاء الذين سيخرج معهم في حملته هذه: الصهيونية الدينية واليهود الشرقيون. بالنسبة للصهيونية الدينية الأمر سهل جداً، فرداء اليهودية عندهم يتفوق بشكل طبيعي على رداء الإسرائيلية. وهم سيشكلون "الوقود الأيديولوجي" الذي سيشغّل ماكينة التدمير. وهم سيفعلون هذا الأمر برغبة كاملة، وبدون إبداء أية شكوك، والله الموفق لنا جميعاً. أما بالنسبة لليهود الشرقيين فهم قضية مختلفة: فالتعالي والعنصرية اللتان كانت تمارسهما المؤسسة الرسمية بزعامة "مباي" ضدهم دفعتا غالبيتهم باتجاه الليكود بزعامة مناحيم بيغن ("أنتم أخوتنا"). إلا أن نتنياهو لم يكتفِ بذلك. فهو يعرف جيداً أن مشاعر الظلم والتمييز قد تشفى بمرور الزمن. وهو يعرف أيضاً أين تكمن نقطة الضعف عند اليهود الشرقيين: في نظرة اليهودي – الأوروبي الذي ينظر إليهم كعرب. وهي النظرة التي تدفعهم إلى تعزيز وتقوية الجوانب اليهودية – في داخلهم وتجاه البيئة المحيطة بهم وذلك حتى يثبتوا أنهم ليسوا كذلك، ليسوا عرباً.لقد أدرك نتنياهو أن مهمته هي إعادة تذكير الشرقيين بشكل متكرر بأن المظهر الخارجي لا يزال قائماً. وهو يحاول، بطبيعة الحال، أن يخفي الآلية، إلا أن آثار ذلك كانت تظهر بين الفنية والأخرى. فقد كشف ماني نفتالي أن سارا نتنياهو قد صرخت به قائلة: نحن أوروبيون. نحن لطفاء، ولا نأكل كثيراً مثلكم أنتم المغاربة". ونشر ناحوم بارنيّاع في "يديعوت أحرونوت" محادثة قال فيها نتنياهو لموشيه كحلون: "إنك لن تحصل على أصوات الناخبين الشرقيين أبداً، أنا فقط أعرف كيف أحصل عليها. أنا أعرف من يكرهون: هم يكرهون العرب. وأنا أعرف كيف أوفر لهم هذه البضاعة".هكذا بالضبط "وفر البضاعة": قام بشيطنة العرب في إسرائيل. ولم يكن هدف ذلك فقط دفع العرب للشعور بأنهم لا ينتمون إلى الدولة بل أيضاً من أجل دفع الشرقيين للتذكر، وعدم النسيان، بأنهم ما لم يشحذوا بشكل دائم سماتهم اليهودية فإننا قد نتشوش ونعتقد أيضاً أنكم لا تنتمون إلينا. وقد أجبر نتنياهو اليهود الشرقيين على نزع رداء الإسرائيلية الخارجي وإظهار يهوديتهم. و "الحاشية" – بكل رموزها وعنصريتها – يجب أن نفهمها كنتيجة ضرورية لهذه العملية. وتوسع "الحاشية" لتشمل لاهافا (شرقي + متدين) يجب أن نفهمه كتجسيد رمزي لتحالف التدمير الذي حاكه نتنياهو. (لاهافا: منظمة صهيونية يمينية متطرفة تُعنى بمنع احتكاك اليهود بالفلسطينيين خصوصا منع الزواج المختلط. ويصفها البعض بشرطة الآداب اليهودية / المترجم). نتنياهو يكره الإسرائيليين. ليس اليهود، بل الإسرائيليين. وهو يكره كل هؤلاء الذين يشعرون بالراحة لإضافة طبقات أخرى للهوية على الهيكل (الجسد) اليهودي. والمهمة التاريخية لنتنياهو هي إزالة الطبقات الأخرى. وعملياً، تفكيك (الهوية) الإسرائيلية.لذلك عندما التقى نتنياهو بالحاخام كدوري في عام 1997 وهمس في أذنه أنهم في اليسار "نسوا كيف يكونوا يهوداً" – هو قد عمل بالضبط وفق الخطة: البدء بتطبيق معادلة الدمار المطلق. من الآن سيتم تحويل كل تفصيل من تفاصيل الواقع، واختزاله، إلى الثنائية يهودي / إسرائيلي. وحتى لا يتم كشف الأساس العنصري الذي تستند إليه، سيقوم باستخدام رموز، أخرى: يميني / يساري.وبكلمات أخرى: لقد تم تقسيم الحياة في إسرائيل في ظل نتنياهو إلى جزيئات (جسيمات صغيرة)، وتم إجبار كل واحد من هذه الجزئيات على المرور عبر موشور مشفّر: والشيفرة بسيطة جداً: يهودي = يميني = موالي = جيد. وفي المقابل: إسرائيلي = يساري = خائن = سيء. ولا يوجد هناك أي سبيل للإفلات من هذا المنشار، إلا إذا كنا لا نقبل بقواعده. إلاّ أن هذه القواعد غير معروفة أبداً. وهي تُطبَّق طيلة الوقت في الخفاء. عند مستشاري الانتخابات الذين يقومون بتحليل الوعي، وعند مسؤولي الدولة المنشغلين بنظرية المؤامرات. أما البشر أنفسهم، المواطنين، فهم مجرد بيادق على لوحة الشطرنج. يتم تحريكهم في جهة إلى أخرى، ويخضعون للتلاعب العاطفي والفكري، وللتلاعب بالهوية.إن نتنياهو يكره إسرائيل. لا يكره (مملكة) يهودا، بل يكره إسرائيل. الإسرائيليون لم يدركوا بعد هذا الأمر. وهم لا زالوا يتحدثون بلغته (نتنياهو). وكل كلمة يقولونها تزيل المزيد من طبقات (الهوية) الإسرائيلية. وعندما يدركون ذلك، من المحتمل أن تكون إسرائيل قد أصبحت غير موجودة. على الأقل ليس وفق المفاهيم التي يريدها الإسرائيليون.وإذا كان لا يزال لدى نتنياهو بقية من رأفة وبقية من منطق وبقية من رحمه، وإذا كان لا يزال لدى نتنياهو بعض من ذاكرة الطفولة في إسرائيل، وذاكرة أيام الشباب في الجيش، وإذا كان لا يزال لدى نتنياهو في زاوية خفية ما، في أعماق نفسه، مشاعر الإسرائيلي النقي بدون أي سم، وعواطف لا يشوبها جنون العظمة والتفوق والشعور بالذنب – عليه أن يريحنا من سيطرته ومن عذاباته. نعم، بيبي، لقد نجحت في إركاع المشروع الصهيوني على ركبتيه. نعم، لقد نجحت في تدمير أحلام عدد كبير من الناس على مدى أجيال. الآن، امنحنا الفرصة حتى نعيش. ليس فقط كيهود، بل كإسرائيليين. امنحنا الفرصة لنكون طبيعيين. أوقف حملة التدمير.  ترجمة: مرعي حطيني

المصدر: هآرتس