"عالَم أوحَد: تطــوّر التعاون الـدوليّ" لمؤلّفه غيـِّــوم ديفــان

آخر تحديث 2017-01-25 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

يُزعزِع غيـِّــوم ديفــان الأفكار السائدة عن التعاون الدّولي، ليخلصَ إلى أنّه كلّمـا كانت نشاطات التعاون الدوليّ عـديدة، ومتنوّعة، وكثيفة، تقلَّصت فُرص النزاعات المسـلَّحة.

"عالَم أوحَد: تطــوّر التعاون الـدوليّ" لمؤلّفه غيـِّــوم ديفــان

صدر حديثاً عن مؤسّسة الفكر العربيّ كتاب "عالَم أوحَد: تطــوّر التعاون الـدولي" لمؤلّفه غيـِّــوم ديفــان وهو ترجمة عن الفرنسية للكتاب الصادر عن منشورات المـركز الوطني الفرنسي للبحث العلميّ (CNRS).كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت الحروب في العالم وأرَّخت لها، ودرست دوافعها وانعكاساتها الاقتصادية، والديموغرافية، والإتنولوجية، والسوسيولوجية وغيرها، انطلاقاً من قناعة راسخة بأنّ تاريخ البشريّة برمّته هو تاريخ صراعاتٍ مسلّحة. ومن أبرز  الكتب الكلاسيكيّة في هذا الإطار كتابا "الحرب (1969) و"سوسيولوجيا الحروب" (1970) لجاستون بوتول الذي راجع فيهما تاريخ فكرة الحرب، مُستعيداً أبرز النظريات المتعلّقة بها، والأحكام التي صدرت في صددها في الأساطير والأديان والمذاهب الفلسفية، وصولاً إلى المذاهب الأخلاقية والتشريعية والنظريات السوسيولوجية، وما ذلك إلّا للتشديد على فكرة أنّ الحرب ظاهرة طبيعية في حياة الشعوب.وفي عصرنا الراهن انكبّت الدراسات على محاولة فهم الطبيعة المتغيّرة للحروب الحاليّة، نذكر منها كتاب "الحروب القديمة والجديدة "للباحثة السياسيّة الأميركيّة مـاري كـالدو(1999) ، وكتاب "الحروب الجديدة"  (2003) للباحث السياسي الألماني هيرفرايد مونكلر، وكتاب الباحث الأميركيّ المختصّ في العلاقات الدوليّة يشوع غولدشـتاي ، "كسب الحرب على الحرب" (2011)..إلخ. وهذه الكتب كلّها تُجمِع على أنّ أُطر الحرب الكلاسيكيّة، التي كان قد حدّدها المؤرّخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه "في الحرب" الصادر العام 1832، قد انتهت إلى غير رجعة.وهكـذا، لم تأخذ موضوعة السلام الأهمّية نفسها التي احتلّتها موضوعة الحروب في العالم. من هنا جاء هذا الكتاب "عالم أوحد: تطــوّر التعاون الـدوليّ" ليُعيد النظر في الرأي السائد بأنّ التعاون الدولي ما هو إلّا إيمان ساذج بعالمٍ مثاليّ. ففي كتابه هذا، والذي قام بترجمته الأستاذ نصير مروّة، يحاول ديفان تبيان أنّ التعاون المذكور يلعب دوراً أساسياً في سيرورة السلام وفي مسار إحلاله، حتّى ولو جاء ذلك بطيئاً وغـير منتظم في هـذا العالم الذي يفتقر إلى الكمال.تفاؤل غير ساذجلقد جاء الكتاب إذن ليذكّرنا بأنّ الكلام على الحرب يفترض الكلام على السلم، تماماً ككلامنا على الليل والنهار، والموت والحياة، واليأس والأمل... وغيرها من سنن الحياة وتناقضاتها. غير أنّ السـلام بالنسبة إلى غيـِّــوم ديفــان لا يشــكّل مجرّد لحظة. وما أغفله كثرٌ، وبخاصّة في ميدان العلاقات الدّولية-وتحديداً في زمننا الراهن المتميّز بكونه زمن "جبروت التقنيّة"- هو بنية السلام هذا وأطره وسيروراته. من هنا تركيزه على هذا البُعد المنسيّ تقريباً، أي على " جملة ســيرورات التعاون ومســـاراته التي تحـوِّل العلاقـات الدوليّة، في محاولة تأطير علاقـات القوّة ومـوازين القوى، وتحكيم العقل والتعقّل فيها، وتجاوزها. إنّها حركة الديناميّة التعاونيّة بين الدّول وبين المجتمعات التي غدت المنسيّ الأكبر الذي أغفله تاريخ العلاقات الدوليّة".لقد أعاد المؤلّف الاعتبار إلى التعاون الدوليّ من حيث إنّه هـو مفتاح قراءة العلاقات الدوليّة المُعاصرة، متجاوزاً الاعتقاد السائد بأنّ "التعاون الدوليّ" هو تعبيرٌ على قـدرٍ من الضبابية والغموض، لكونه نُظر إليه بوصفه "ضرباً من الطوعيّة المُنظَّمة"، وفقاً لتعبير سكوت باريت، متيقّناً بأنّ " الاعتـراف بالآخـر، والعمل المنسَّق، والسعي إلى أهـدافٍ مشـتركة، هي الأشكال المختلفة والصُّور المتنوّعة للنشاطات التعاونيّة"؛ وأنّ هذه " لا تَسـتبعِد النّزاع مطلقاً، ولكنّها تسعى إلى احتوائه ضمن إطارٍ مقبول، أي داخل إطار منظّمة دولية، ومن ضمن قواعـد قانونية، وتفاوض". وقد تطلَّب منه ذلك رصد فكرة "التعاون" ودخولها مفرداتنا ومصطلحاتنا منذ النصف الأوّل من القرن التاسع عشـر، ليستخلص جوهرها. فتضمَّن "التعاون" بالنسبة إليه وضعيّة الترابط أو الارتهان المُتبادَل بين الفاعلين، بحيث لا يسـتطيع أيّ طرف منهم أن يبلغ أهـدافه، من دون أخـذ الآخـرين بعين الاعتبار، وذلك في إطارٍ من "التنسـيق والتعاون" اللذَيْن يفترضان  "إيجـاد حلٍّ مؤاتٍ ومُجـزٍ للجميع"، تكون مسـألة توزيع المغانم فيه قائمة على النحـو الأفضل بحسب المصالح المُشـتركة. وإذا كان ذلك ليس سـهل التحديد على الصعيد الدوليّ، إلّا أنّه لا يعني أنّه يشكّل "سديماً ضبابياً يعصى على التناول ويصعب على الإدراك".
بمثل هذه الموضوعيّة العلميّة، يُزعزِع غيـِّــوم ديفــان الأفكار السائدة عن التعاون الدّولي، ليخلصَ إلى أنّه " كلّمـا كانت نشاطات التعاون الدوليّ عـديدة، ومتنوّعة، وكثيفة، تقلَّصت فُرص النزاعات المسـلَّحة. التعاون يخـدم الأمن؛ بمـا في ذلك الأمن التقليدي بين الدّول، لأنّه يُعطيه بُعـداً جماعيّاً".فهـذا هـو الحـال مثلاً عنـدمـا أقرّ مجلس الأمن مراراً، منـذ سـنوات 1990، أنّ النزاعات الداخلية للدول يمكن أن تشـكِّل تهـديداً للسلام والأمن الدوليَّين (البوسنة، الصومال، روانـدا، ألبـانيـا، هايتي، جمهورية أفـريقيـا الوسطى، شاطئ العاج، السـودان، ليبيـا)؛ وفي هذه الحالة تُصبح التنمية الاقتصادية، والاسـتقرار السياسي، وحمـاية الأهالي المدنيّين، والإدارة الرشيدة أو التسيير الصالح للموارد الطبيعية، ومهمّات أخرى كثيرة سواها، مسـائل تنتمي إلى الأمن القومي كما تنتمي إلى الأمن الـدوليّ في الوقت عينه. وهكـذا، فإنّ أبعـاد الأمن، الداخلية والخارجية، تُصبح متضامنة في ما بينها. وقـد التزم مجلس الأمن السَّير في هـذا السبيل، وبات من الصعب عليه أن يعـود القهقرى إلى الوراء.والكتاب غنيّ بغير ذلك من الأمثلة والحِجج والبراهين التي تؤكّد أنّ التغيير على الصعيد الدّولي، وبالاستناد إلى تجارب التاريخ، لا بدّ أن يُطاول على نحو متـزامنٍ، وإن بنسبٍ متغيّرة، الفعاليّات والفاعلين في النظام الدوليّ، وعلاقاتهم، ونمـط "التسـوية" الذي يعتمدونه، والذي عادةً ما يكون نمط "التسوية" الغالِب الذي فَرَضته الظروف الموضوعيّة.

المصدر: الميادين نت