حسبة جهنم غادرت الايسر .. والموصل بانتظار حريتها لتنسى "القفص والستاركس"

آخر تحديث 2017-01-29 00:00:00 - المصدر: المدى برس

حسبة جهنم غادرت الايسر .. والموصل بانتظار حريتها لتنسى "القفص والستاركس"

الكاتب: AB ,TG
المحرر: AB ,BK
2017/01/29 13:27
عدد القراءات: 112

المدى برس / نينوى

 أرعب "ديوان الحسبة" بسيف التنكيل وسوط الغرامات الموصليين بقوانين "تعسفية" أحصت أنفاسهم ولم يسلم منها كبير أو صغير على مدى أكثر من عامين، لتمثل أداة بطش ومصدر تمويل للتنظيم اصطبغت بـ"الدين" وانطوت على فضائع وانتهاكات تكشفت بوضوح بعد تحرير شرق المدينة.

وفي حين يستنشق أبناء ايسر الموصل نسائم التحرير بعد أن انجلى عهد شرطة داعش، يأملون بمستقبل من الهدوء والاستقرار مغاير لعقد "الحرية المنغصة" الذي توسط "قفص" الانضباط العسكري في عهد النظام البائد و"ستاركس" حسبة داعش، بانتظار ازاحة الظلام عن المدينة القديمة لتبوح هي الأخرى بما اقترفه التنظيم بحقها.

زبانية جهنم

ويقول الباحث والأكاديمي غسان الحمداني، إن "ديوان الحسبة هو جهاز أمني شرطوي إداري أسسه داعش بعد احتلال الموصل، مهمته إصدار التعليمات التي تحدد ملامح حركة الناس وطريقة حياتهم، حيث ترصدها بلا انقطاع من خلال عناصرها المنتشرين كزبانية جهنم بوجوههم الكالحة وأخلاقهم الفجة وسمعتهم السيئة وزيهم المعروف الذي ينفر منه أهل الموصل محاولين اجتناب شر مرتديه، خشية تلفيق التهم ضدهم".

ويضيف الحمداني، أن "صفة عناصرها الأساس تتمثل بالتلصص على الناس والبحث عن أي مخالفة لتعليمات التنظيم، فكان على اهالي المدينة العيش بحذر وخوف، حيث كل صوت مسموع وكل حركة مرصودة"، مبينا أن "داعش صادر كل شيء يعبر عن الحياة في الموصل، فمثلما صادروا حرية التعبير والصحافة والفكر وعقد الاجتماعات والتجمعات، صادروا حتى حرية المظهر والأزياء".

بذلك الزي المختلف عن زي بقية عناصر التنظيم كانت "الحسبة" تثير رعب المواطنين ولا يسلم المارة رجالا ونساء من الحساب ضمن قوانين تعسفية اضطرت الموصليين لعدم الخروج من منازلهم مخافة الاستهداف، حيث تطول من لم ترتد نقابا كاملا ومن شك التنظيم بمتاجرته أو تدخينه للسجائر والمتخلفين عن أوقات الصلاة، ولا تستثني حتى مواكب الزفاف.

محاكم التنظيم أو "الرجم"

ويقول المواطن الموصلي عثمان عبد الله، إن "قراري بالزواج كاد يودي بحياتي بعد أن جازفت بعقد قراني على احدى قريباتي من خلال رجل دين لم يرتبط بتنظيم داعش في محاولة لتجنب مراجعة محاكم التنظيم، الا أن ذلك لم يجر كما يرام بعد أن أوقف موكب زفافنا البسيط عناصر الحسبة مطالبين بعقد الزواج".

فرحة زفاف عبد الله كادت تتحول الى فاجعة بعد أن علم عناصر الحسبة بأن عقد القران تم خارج محاكم التنظيم، فثار حنقهم مهددين باعتقال رجل الدين الذي تجرأ وعقد قرانهما دون علم التنظيم، و"رجم" العروسين باعتبار عدم مصادقة التنظيم على وثائق ارتباط الموصوليين قد يحيله الى "زنا"، قبل أن تخفف تلك الاحكام بتدخل الاهل والاقارب وتنتهي عند ابطال الزفاف والتوقيع على تعهد بمراجعة محاكم التنظيم لاستئنافه لاحقا.

ويؤكد المواطن الموصلي، أنه وعلى الرغم من ايفائه بتعهده وعقد قرانه تحت ظل داعش فأنه لم يسلم من الغرامة المالية بلغت 50 الف دينار بعد أن أوقف عناصر الحسبة موكب زفافه مجددا مسجلين مخالفات تمثلت بارتدائه ربطة عنق وساعة باليد اليسرى.

أداة "بطش" ومصدر تمويل

وكعادة أنظمة القمع والطغاة فأن التنظيم سلط "المجرمين" على مصائر الموصليين وجعلهم "زبانية شريعته" ليضمن التنكيل بهم حتى من دون سبب حقيقي أو مخالفة في معظم الاحيان لـ"ارضاء عقد النقص".

ويقول الناشط المدني جمال مصطفى، إن ذلك "ينطبق على عناصر الحسبة في الموصل، حيث كانوا يدققون النظر في كل امرأة تدخل مكانا عاما كسوق أو مستشفى، لاكتشاف أي مخالفة لتعليماتهم أو ابتداعها بحجة عدم ارتداء جوارب أو قفازات أو غطاء للوجه"، مبينا أن "الغطاء على وجوه النساء كان مفروضا حتى في الاماكن المظلمة وهو ماكان يؤدي غالبا الى سقوطهن أو تعثرهن في الشوارع والاسواق".

ويرى مصطفى، أن "الحسبة كانت أحد أذرع بطش داعش بالمدينة ومصادر تمويله حيث سيف التنكيل أو سوط الغرامات المالية إذ يقاد المخالف بأي ذريعة إلى سيارة غالباً ما تكون من نوع (هيونداي ستاركس) ليقع تحت رحمة قضاة التنظيم المتعالين والمزاجيين ويواجه عقوبات جلد تصل الى 100 جلدة وغرامات مالية".

لكن تلك العقوبات لم تكن شيئا مقارنة بالعقوبات السادية للتنظيم كقطع اليد بداعي السرقة أو القتل بقطع الرأس بالسيف أو الذبح بالسكين أو الإلقاء من شاهق، في حين يمارس عناصر الحسبة الذين كان أغلبهم من العراقيين أقسى أنواع التعذيب لاجبار المعتقل على الاعتراف أمام قضاة عراقيين وعرب.

اتاوات وأفلام "اباحية"

من جانبه يتذكر التاجر غسان ذنون الأيام الـ86 التي قضاها في سجون "الحسبة" التابعة لتنظيم (داعش) الإرهابي في الموصل، بتهمة بيع السجائر، حيث اعتقل بكمين للتنظيم بعد أن كان يورد السجائر سرا الى الموصل، وعانى التعذيب والاهانة قبل أن يتودد الى عناصر التنظيم من خلال الرشوة والأفلام الاباحية لتجنب أذاهم.

ويقول ذنون، أن "التنظيم اعتقله وصادر 350 صندوق سجائر كان قد حاول ادخالها للموصل بواسطة شاحنتين، ليتعرض لأبشع أنواع التعذيب خلال ايام الاعتقال الأولى قبل أن ينصحه أحد عناصر الحسبة بدفع الرشوة للتنظيم لتجنب التعذيب والاهانة"، مبينا أن "التبرع الى ديوان الحسبة كان السبيل لتجنب التعذيب والذي تم من خلال أحد أفراد اسرته، قبل أن يفرج عنه التنظيم مقابل 50 الف دولار".

ويضيف ذنون، أن "مدة عقوبته التي بلغت 86 يوما خلقت نوعا من الثقة بينه وبين عناصر الحسبة المسؤولين عن سجنه حيث باحوا له بحقيقة أهداف التنظيم من مداهمة المنازل والتي تتمثل بسرقة الاموال ونهب المصوغات الذهبية والاجهزة الكهربائية، فضلا عن ابداء رغبتهم بالحصول على أفلام اباحية"، مؤكدا أن "عناصر الحسبة كانوا يصادرون صناديق السجائر من التجار بعد تغريمهم ثم يصورونها، ويحرقون بعضها قبل أن يبيعوا معضمها الى تاجر آخر".

وكانت القوات المشتركة قد عثرت قبل أيام وبعد تحرير احد مناطق الموصل، على وثائق في أحد مقرات داعش، تتضمن عقوبات بحق عناصره بعد ادانتهم بممارسة علاقات غير شرعية جمعتهم بعناصر التنظيم من النساء وأعمال لا أخلاقية وتحرش بالاطفال.

الموصل بين "القفص والستاركس"

ويرى الموصليون مدينتهم بين عهدين من القمع توسطهما نحو عقد من الحرية "المنغصة" حيث واجه شبابها أقفاص الانضباط العسكري و"ستاركس" حسبة داعش قبل أن يستنشقوا رائحة الحرية على أمل تحرير ما تبقى من المدينة خلال الأيام المقبلة.

ويقول المواطن يونس علي، إن "ثمانينات وتسعينات القرن الماضي كانت كابوسا للشباب، حيث يتجنبون النزول للسوق أو مركز المدينة والمناطق العامة هربا من قفص الانضباط، وهو مكعب حديد مغلق بالكامل باستثناء فتحة صغيرة عند بابه تحمله سيارة عسكرية نوع (ايفا) تابعة لآمرية الانضباط العسكري، لا تتحرك الا وقد مُلئ قفصها بالمتخلفين عن الخدمة العسكرية او من لا يحمل هوية تعريفية"، مبينا أن "التعذيب والاهانة والتجويع هو مصير من يقاد الى سجن الانضباط، قبل أن يرحل لإحدى الوحدات العسكرية أو التجنيد أو مركز الشرطة".

ويضيف علي، أن "عهد قفص الانضباط قد ولى في نيسان 2003، ليشهد شباب المدينة نحو عقد من الحرية التي عكرها سوء الاوضاع الأمنية والصراعات السياسية، قبل أن ترهنهم مجددا سيارات حسبة داعش بعد حزيران من عام 2014، ليواجهوا مراكز احتجاز لم تختلف كثيرا عن سجون الانضباط بل فاقتها سادية ودموية في بعض الاحيان".

وفي حين يأمل الموصليون شرق المدينة بأن ينعموا بحرية لا ينغصها الموت والتهجير والصراعات السياسية بعد أن تنشقوا اخيرا عطر البنادق المحررة، تنتظر أحياء ساحل الأيمن بشوق كبير أن تروي هي الاخرى ظلم التنظيم كقصص باتت جزءا من الماضي وتنفث دخان السجائر علنا.