في اليوم الذي كان الرئيس الأميركي الجديد يوقّع فيه قراراً بمنع رعايا دولٍ اسلامية من الدخول الى بلده، ويشنّ جيشه غارةً في عمق اليمن قَتَل فيها، كعادته، عشرات المدنيين (وخسر جندياً على الأقل، وطوافّة من نوع «اوسبراي» تحطّمت على الأرض اثناء هبوطها، ثمّ قصفتها الطائرات الأميركية)، كان دونالد ترامب يتّصل بالملك السعودي لـ»يؤكّد على الصداقة المديدة والشراكة الاستراتيجية» بين الحكومتين.
صورة أرشيفية للمعارك في اليمن
خلال الاتّصال الهاتفي، أوعز الرئيس الأميركي إلى ملك السعودية بجملة أوامر، وافق عليها جميعاً بحسب بيان البيت الأبيض، منها «إقامة مناطق آمنة في اليمن وسوريا» (أي وصفة للاحتلال والتقسيم معاً)، و»محاربة الإرهاب الإسلامي المتطرّف». «خادم الحرمين الشريفين» أدلى بدلوه مرّةً واحدة خلال المحادثة، وذلك ليقدّم «دعوةً» لترامب لكي «يساعد على بناء مستقبلٍ جديدٍ… لشعب المملكة العربية السعودية وشعوب المنطقة» (يمكننا أن نعتبر، اذاً، أنّنا وأولادنا في أيدٍ أمينة).
على المقلب الآخر من الأمور ما زال اليمنيّون، في كلّ يومٍ، يواجهون غزواً يقوده الرّجلان أعلاه، وخلفهما جمعٌ من مشايخ الخليج وأقوياء العالم. حرب اليمن، على عكس ما يروّج الكثيرون، ليست «حرب نفوذٍ أجنبي» على أرض اليمن، بل هي أوضح حالة لاجتماع طغاة أجانبٍ على بلدٍ بهدف غزوه وإخضاعه. هنا لا «حرب أهلية تحوّلت الى تدخّل خارجي»، بل غزوٌ أجنبي استغل الانقسامات الدّاخلية واشترى الولاءات. اجتمع الكلّ على اليمن، بشكلٍ أو بآخر، من اميركا الى روسيا وكندا ــــ جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي «الليبرالي» و»الانساني» سيبيع السّعودية أسلحةً بأكثر من عشرين مليار دولار، لتعويض مدرّعاتها التي يحرقها اليمنيّون كلّ يوم.
حتّى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية رضخت لتهديدات السعودية واتّفقت على عدم «إحراجها» وهي تدمّر بلداً بأكمله (بما في ذلك حين يقصف الطيران السعودي مراكزها ومكاتبها). في الحملة القائمة حالياً على الساحل الغربي لليمن، شمال باب المندب، تُجنّد الأساطيل البحرية والجويّة، وتُكترى القواعد والمعسكرات في جيبوتي وساحل افريقيا لخدمة الغزو والإنزالات، وتشارك في القتال ــــ الى جانب الجنود الخليجيين ــــ تشكيلةٌ من وحدات المرتزقة (بالمعنى الحرفي للكلمة) تضمّ آلافاً من كلّ الجنسيّات، من السودان الى استراليا. ليس من المبالغة القول بأنّ اليمن يواجه العالم وحيداً، وحملة الصّمت التي تشنّ عليه تكاد توازي الحملة العسكريّة؛ والأكيد هو أنّ اليمن ــــ بعد ما يقارب السنتين من بدء الغزو ــــ ما زال صامداً وينتصر.
بوارج تحترق
الحرب والأخلاق