لقد كشفت المقابلة التي أجراها صائب عريقات التوازن الجديد بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. فقوة الفلسطينيين هي موضوع نابع من الدعم الأميركي. فالمعركة ضد إسرائيل، التي يقفون على رأسها، ازدادت قوة بتشجيع من أوباما إلى أن وصلت إلى ذروتها في قرار مجلس الأمن ضد إسرائيل. إلا أن هذه الانجازات قد تلاشت في اللحظة التي غادر فيها أوباما البيت الأبيض.
المقابلة التي أجراها عريقات مع الـ "نيوزويك" كشفت التوازن الجديد بين إسرائيل وبين الفلسطينيين
كان رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق، باراك أوباما، يرى أن الفلسطينيين يشكلون الموضوع الأهم في الشرق الأوسط. إذ كان الزعيم الأجنبي الأول الذي تحدث معه أوباما في يومه الأول في البيت الأبيض هو رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن. إلا أن الوضع هو عكس ذلك عندما نتحدث عن ترامب. ففي الحديث الذي أجراه المسؤول في السلطة الفلسطينية، صائب عريقات، مع الـ "نيوزويك" اشتكى بأنه منذ أن أدى ترامب يمين القسم لم تقم أية جهة في الإدارة الأميركية (الجديدة) بالاتصال مع الفلسطينيين. وليس فقط أنهم لم يقوموا بالاتصال مع الفلسطينيين وحسب، بل أنهم لم يردوا على طلباتهم (للاتصال بهم). وقال عريقات: "لقد أرسلنا لهم العديد من الرسائل، وهم حتى لم يكلفوا أنفسهم عناء الرد علينا". لم يكن هذا مفاجئاً. فخلال الحملة الانتخابية، وبعدها، قال مستشارو ترامب في لقاءات مغلقة إنهم لا يرون في الفلسطينيين، أو في السلطة الفلسطينية، لاعباً أساسياً. وتساءلوا: لماذا نتحدث معهم؟ هم مشكلة إسرائيل، وليسوا مشكلتنا. لقد كشفت المقابلة التي أجراها عريقات التوازن الجديد بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. فقوة الفلسطينيين هي موضوع نابع من الدعم الأميركي. فالمعركة ضد إسرائيل، التي يقفون على رأسها، ازدادت قوة بتشجيع من أوباما إلى أن وصلت إلى ذروتها في قرار مجلس الأمن ضد إسرائيل. إلا أن هذه الانجازات قد تلاشت في اللحظة التي غادر فيها أوباما البيت الأبيض. صحيح أن التقرير في الـ "نيوزويك" قد ذكر القرار بوصفه رداً على قرار الحكومة (الإسرائيلية) بمنح تراخيص للبناء الإسرائيلي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، إلا أنه أعاد التذكير أيضاً بأن الإدارة الجديدة لم ترد بالمرة على هذا الإعلان الإسرائيلي. وبكلمات أخرى فإن الـ "نيوزويك"، وكذلك السلطة الفلسطينية، يدركان أن قرار الأمم المتحدة لم يعد مناسباً. كما أن السلطة الفلسطينية لم تعد مناسبة أيضاً. والأمر القائم الآن هو أن ترامب يرى في إسرائيل حليفاً، وثروة (إستراتيجية) ينوي استغلالها من أجل تحقيق هدفه في المنطقة: الانتصار في الحرب ضد القوى الإسلامية الجهادية. وقد تحدث ترامب في حملته الانتخابية، وفي خطاب القسم، عن نيته محو داعش من على وجه الأرض. وهو كذلك عاد وكرر أن الاتفاق النووي مع إيران سيء، وأن طهران تقوم بانتهاكه بشكل دائم. وهو قد حذر أيضاً من صعود إيران في المنطقة. إلا أنه، عندما سُئل عن الطريقة التي ينوي فيها معالجة هذه المشاكل، رفض ترامب إعطاء أية تفاصيل وقال: "لن أكشف خططي للعدو". إلا أننا بدأنا نرى، في الأيام الأخيرة، الخطوط العامة لسياسته.
تحذير رسمي
ترامب: إيران تسيطر بقوة على أجزاء واسعة من العراق
في يوم الأربعاء كتب ترامب تغريدة في تويتر قال فيها: "إن إيران تسيطر بقوة على أجزاء واسعة من العراق، حتى بعد أن أهدرت الولايات المتحدة الأميركية هناك ثلاثة تريليونات دولار". وقد جاءت هذه الأقوال بعد أن عُلم أن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي قد عين قاسم الأعرجي، المقرب من النظام في طهران، وزيراً للداخلية في حكومته. وخلال فترة ولاية أوباما تمّ إرسال قوات أميركية إلى العراق بهدف إدارة المعركة المحدودة ضد داعش، وأُقيمت قواعد إلى جانب قوات الحرس الثوري الإيراني. وقد حذر عسكريون أميركيون من أن التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في العراق يعرّض الأميركيين للخطر ويقوي من سيطرة إيران على قوات الجيش العراقي. إلا أن أوباما لم يقتنع. ويبدو أن تغريدة ترامب قد وضعت حداً لهذا الوضع. وقد تعزز هذا الانطباع مع دخول مستشار ترامب للأمن القومي، مايكل فلين، إلى قاعة الصحفيين في البيت الأبيض خلال مؤتمر صحفي روتيني وبعث برسالة قصيرة إلى إيران. وجاء إعلان فلين هذا بعد أن أطلقت إيران صاروخاً تجريبياً باليستياً متوسط المدى، وبعد أن قامت قوات تابعة للحوثيين في اليمن، التي تعمل بتوجيه من إيران، بمهاجمة سفينة سعودية في مضيق باب المندب الواصل بين البحر الأحمر وخليج عدن. لقد قال فلين إن إيران هي عامل عدم استقرار إقليمي، وإنها تنتهك قرار مجلس الأمن 2231 الذي أرسى الاتفاق النووي. وأضاف فلين إن هذه العمليات تشكل تهديداً على الولايات المتحدة الأميركية وعلى حفائها: "لم ترد إدارة أوباما بالشكل الكافي على العمليات الشريرة التي تقوم بها طهران، وبشكل خاص نقل منظومات الأسلحة ودعم الإرهاب وانتهاكات أخرى للقواعد الدولية". وقال أيضاً: "إن إدارة ترامب تدين هذه النشاطات من جانب إيران، والتي تقوض الأمن والازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، وتعرض حياة الأمريكيين للخطر.. وبدلاً من تقديم الشكر للولايات المتحدة الأميركية على الاتفاقات تشعر إيران بأنها تزداد قوة". وأنهى فلين إعلانه بتهديد بسيط: "الصحيح اليوم هو أننا نحذر إيران بشكل رسمي". وفي موازاة ذلك بدأ الأسطول الأميركي هذا الأسبوع بمناورات عسكرية في الخليج بمشاركة أسلحة البحرية التابعة لكل من المملكة العربية السعودية وبريطانيا وأستراليا وفرنسا ودول أخرى. وفي إطار هذه المناورة عزز الأمريكيون قوتهم البحرية في الخليج بشكل كبير. ويمكن الافتراض أنه بالإضافة إلى النشاط العلني للأسطول الأمريكي، ينشط الأمريكيون أيضاً داخل إيران وذلك بهدف دعم قوات المعارضة ضد النظام. وكان هذا أيضاً موضوع الرسالة الاستثنائية التي بعث بها نتنياهو للشعب الإيراني في اليوم التالي لأداء ترامب ليمين القسم. وقد ميز نتنياهو خلال أقواله بين الشعب الإيراني وبين النظام. وقال نتنياهو: "لقد فكرت في الآونة الأخيرة في أنني قد تحدثت كثيراً عن النظام الإيراني، إلا أنني لم اتحدث بشكل كافٍ عن الشعب الإيراني، أو بشكل أدق، إلى الشعب الإيراني". وذكر نتنياهو في أقواله الثورة الخضراء في عام 2009 التي تم قمعها بوحشية على يد النظام. وفي موازاة نشر شريط الفيديو قال نتنياهو إنه لا ينوي القيام بعمليات بدون التنسيق مع ترامب. وهو ما يعني أن الرسالة إلى الشعب الإيراني كانت منسقة مع الرئيس (ترامب). وقبل أسبوع من أداء ترامب ليمين القسم، استغل أعضاء المعارضة جنازة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني من أجل التظاهر ضد النظام. وتمت مقاطعة مراسم العزاء التي أقامها النظام بصراخ عشرات آلاف المتظاهرين الذين هتفوا ضده، وضد الحرب في سوريا وضد روسيا، حليفة طهران.
بالعودة إلى المجال العسكري
صحيح أن الإستراتيجية الشاملة لترامب قد بدأت بالتبلور، إلا أنه لا يمكن مواجهة النظام بدون (الدخول في) مواجهة موازية مع سوريا، ومع حزب الله، ومع روسيا. ففي مواجهة روسيا يقوم ترامب بتمرير رسائل متناقضة: فهو يقوم بالتقرب منها عن طريق أقواله ضد حلف شمال الأطلسي/ الناتو (تمدد حلف شمال الأطلسي باتجاه الشرق كان يُنظر إليه من قبل روسيا على أنه تهديداً إستراتيجياً لها)، وهو يتحدث عن احتمال إلغاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على روسيا في أعقاب ضم القرم وحرب الاستنزاف التي تخوضها ضد أوكرانيا، وهو من جهة ثانية عارض إرسال ممثل له لمحادثات وقف إطلاق النار في سوريا والتي جرت في موسكو. بالإضافة إلى ذلك أعلن ترامب أنه معني بإقامة مناطق آمنة في سوريا يستطيع أن يقيم اللاجئون فيها بأمان، وقال إنه معني بالتعاون مع روسيا في الحرب بضد داعش. وبما أنه من الواضح أن الإدارة الأميركية لن تواصل التعاون مع القوات الإيرانية فإن معنى ذلك أن خطة ترامب هي ضرب أسفين بين روسيا وإيران في سوريا وفي العراق. وسيقوم الأميركيون، في أية صفقة محتملة، بالتعاون مع روسيا ضد داعش وضد المنظمات الجهادية السنية الأخرى. وفي مقابل ذلك فإن الروس سيقومون بتقليص تعاونهم مع إيران ومع حلفائها في حزب الله، وبشكل عام. وسيحصل الروس على موافقة أميركية لإقامة قواعد في سوريا والإلغاء العقوبات الاقتصادية. كما سيحصل الأمريكيون على طرد قوات إيران وحزب الله من سوريا، وتقويض استقرار النظام في طهران. وهذا يعيدنا إلى إسرائيل. لقد قال الخبير الإستراتيجي الصيني القديم، سون تزو (551 – 496 ق.م / المترجم) إن أفضل طريق للانتصار في الحرب هي أن تشل عدوك. فقد امتنعت إسرائيل، إلى الآن، عن مهاجمة صواريخ حزب الله وحماس ليس لأنها لا تستطيع تدميرها، وليس بسبب تأييد الأوروبيين والإعلام الغربي لهما، بل لأن الأمريكيين كانوا يؤيدونهما. والآن، وبعد أن كف الأمريكيون عن تاييدهما فإن التهديد قد انتقل إلى المجال العسكري. لا تشغل إدارة ترامب نفسها بتعداد الوحدات السكنية التي تبنيها إسرائيل في القدس، أو في تل أبيب أو في عامونا. وهي لا يهمهما كيف، أو حتى إذا ما قمنا بتحسين العلاقات مع السلطة الفلسطينية أصلاً، طالما أن خطواتنا تقويهم في الطريق إلى النصر في الحرب ضد المنظمات الجهادية الإسلامية. ترجمة: مرعي حطيني