القرار الذي أصدره الكنيست الإسرائيلي مساء الاثنين ويشرع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة ليس تهديدا للفلسطينيين، وانما ادانة أيضا للمجتمع الدولي الذي خدعهم، ودفع بهم الى الاعتراف بإسرائيل على اكثر من 80 بالمئة من ارض فلسطين التاريخية، مقابل دولة هلامية، بلا أي سيادة على الجزء المتبقي، ثم تخلى عنهم كليا في مواجهة الضباع الإسرائيلية.
ان هذا القرار الذي تم اقراره في قراءة ثالثة ونهائية من قبل نواب الكنيست، هو بمثابة “رصاصة الرحمة” على حل الدولتين، ودفن اتفاقية أوسلو التي وضعت اسسه الهشة، ويلغي السلطة الفلسطينية، ويحول قوات الامن الفلسطينية الى قوات عميلة رسميا لحماية الاستيطان والمستوطنين.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال في مؤتمر صحافي في باريس، ان هذا القرار يشكل عدوانا على الشعب الفلسطيني، وسيقوم بمقاومته امام المنظمات الدولية، وهدد الدكتور صائب عريقات بأن السلطة ستسحب الاعتراف بدولة إسرائيل فور صدور قرار آخر بنقل السفارة الامريكية، او أي سفارة أخرى، الى القدس المحتلة.
الترجمة العملية لهذه التصريحات للرئيس عباس والدكتور عريقات هي “صفر” وتهديدات جوفاء، وكلام بلا أي معنى، سمعنا مثله كثيرا منذ توقيع اتفاق اوسلو قبل 23 عاما، وسط زفة إعلامية وسياسية وجوائز نوبل، وعناق ومصافحات امام الكاميرات.
إقرار التشريع امس تم في القراءة الثالثة له في الكنيست، أي ان هناك قراءتين سابقتين، والسؤال الذي نطرحه هنا هو اين كان الرئيس عباس ومستشاريه، وأركان سلطته وسفراؤه اثناء تلك القراءتين؟ نياما في المقاطعة، او منشغلين في لعب النرد؟ لماذا لم يتم تنظيم مظاهرات احتجاج في كل انحاء الضفة الغربية على الأقل؟ وشن حملة دبلوماسية في جميع العواصم العالمية؟
المؤتمر الأخير الذي عقده الرئيس عباس لحركة “فتح” وفصل فيه من فصل، وعين من يريد في اللجنة المركزية في انتخابات شكلية، وقال فيه ان المؤتمر تبنى “المقاومة الشعبية” لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي واجراءاته القمعية وممارساته الاستيطانية، نسأل الرئيس عباس، وكل المحيطين به، اين هذه المقاومة؟، ولماذا لم تتصدى للاستيطان وسرقة الأراضي، طوال الفترة الماضية التي جرى اثناؤها مناقشة هذا القوانين؟ ام انها ستنطلق في العالم الآخر، في دار الخلود.
سمعنا مليون مرة عن توجه السلطة الفلسطينية للانضمام الى المنظمات الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية على وجه الخصوص، لمطاردة المجرمين الإسرائيليين، ورأينا الرئيس عباس يوقع اوراق الانضمام لنفاجأ اليوم ان هذه الأوراق لم يتم تقديمها على الاطلاق، وانها كانت مسرحية معدة سلفا من اجل تضليل الشعب الفلسطيني.
نشك ان يقدم الرئيس عباس على الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، مثلما نشك أيضا ان يسحب الاعتراف بإسرائيل في حال نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، وكل ما يقال في هذا الصدد هو “جعجعة دون طحن”، وسنكون اكثر الفرحين والمحتفلين في حال اثبت الرئيس عباس اننا على خطأ.
“راي اليوم”