موقع الحرة
وصل إلى اليابان عام 2007، ولم يكن يتكلم لغة أهلها، أو يعرف ما يخبئ له القدر. كان حلمه أن يعمل طبيبا في هذا البلد الآسيوي، ولم يخطر على باله أن يكون العربي الوحيد الذي يمارس مهنة الطب في العاصمة طوكيو.
داعبت صور هذا البلد الآسوية ذي الشمس المشرقة مخيلة الطفل المصري أسامة إبراهيم عندما كان يمارس لعبة الكاراتيه، مدفوعا بالفضول لمعرفة كل شيء عن منشأ هذه اللعبة.
يقول إبراهيم "34 عاما"، لموقع "الحرة" "كنت شغوفا باستكشاف تحد جديد، وكنت أتمنى دائما أن أذهب إلى اليابان، هذه الدولة التي نهضت من تحت الركام بعد الحرب العالمية الثانية. لكن بدا الوصول إليها مستحيلا للوهلة الأولى".
ترسخت قناعة إبراهيم بهذا الحلم بعد التحاقه بكلية الطب في جامعة الإسكندرية وسفره إلى إيطاليا حيث قابل أطباء يابانيين خلال برنامج تبادل طلابي، ليقرر بعد ذلك السفر إلى اليابان في زيارة سياحية لتقصي إمكانية البقاء والعمل هناك.
"منذ الساعة الأولى" يتابع إبراهيم، "أحببت هذا البلد وانبهرت بإنجازاته وبالنظام والدقة التي تسير بها الحياة هناك".
سافر الشاب المصري إلى اليابان مرة أخرى لدراسة الدكتوراة، ومنذ الأيام الأولى أدرك أن العائق الأكبر أمام أي أجنبي في اليابان هو اللغة، وأنه لن يستطيع تحقيق حلم العمل هناك إلا بعد تجاوز هذا العائق.
حاول في البداية الذهاب إلى مدرسة ليلية لتعلم اللغة اليابانية، لكن عمله ودراسته كانا يستهلكان اليوم بأكلمه، "فكرت في الذهاب إلى إدارة الحي التي تقدم دروسا في اللغة على يد متطوعين كبار في السن".
وهناك قابل إبراهيم متطوعة يابانية تدعى يونيدا، "70 عاما"، وكان لها الفضل في تعليمه اللغة اليابانية. يقول إبراهيم " تقابلنا لساعات طويلة وكنا نتحدث عبر الإنترنت ونقرأ الصحف اليابانية معا.. لقد اشترت جهاز كمبيوتر لأول مرة للتواصل معي".
ولا تسمح وزارة الصحة اليابانية لأي أجنبي بدخول امتحانات مزاولة المهنة إلا بعد اجتياز امتحانات متقدمة جدا في اللغة، وهو السبب الأبرز الذي لا يجعل الأطباء العرب يفكرون في السفر إلى اليابان.
لم تكن سنوات إبراهيم الأولى في طوكيو سهلة، بالإضافة إلى تعلم اللغة، كان يهيئ نفسه للحصول على تصريح العمل طبيبا، بالإضافة إلى عبء دراسة الدكتوراة في قسم طب العيون بجامعة كيئو.
ولتوفير نفقات الدكتوراة التي بلغت 10 آلاف دولار سنويا، حصل إبراهيم على منح دراسية، وعمل إلى جانب دراسته مذيعا ومراسلا صحافيا ومترجما ومدرسا للغات.
لا تبرر في اليابان
بمرور الوقت، بذل إبراهيم مجهودا للتأقلم مع الطريقة التي يفكر ويعمل بها اليابانيون. "عندما طلب مني أستاذي في الجامعة القيام بأحد المهام التي لم أكلمها بسبب وجود مشكلة ما، حاولت تقديم مبررات لعدم قيامي بالمهمة، لكنه لم يرحب بذلك".
كان يتوقع الأستاذ الياباني أن يبذل الشاب المصري جهدا أكبر وأن يحاول حل المشكلة بجميع الطرق أولا، قبل أن يلجأ إلى التبرير "والهدف هو أن يحاول الشخص التغلب على المشاكل بنفسه".
يقول إبراهيم: "في أوساط العمل الصارمة لا يوجد من يشرح جميع التفاصيل أو يساعدك على حل نفس المشكلة أكثر من مرة.. الأمر متعب في البداية لكنه يعزز لديك الاعتماد على النفس".
الطبيب الوحيد
بعد حصوله على الدكتوراة واجتياز اختبارات وزارة الصحة كافة، تحقق حلم إبراهيم وعمل طبيبا في مستشفى جامعة طوكيو.
وعلى الرغم من تخصصه في مجال طب العيون، كان يتوجب عليه أن يعمل في عدة أقسام في المستشفى، من بينها قسم الطوارئ.
وحاول إبراهيم أن يبحث عن أطباء عرب آخرين في العاصمة اليابانية لكي يتبادل الخبرات معهم، إلا أنه لم يجد طبيبا عربيا واحدا يمارس المهنة في المدينة غيره.
يقول إبراهيم: "يوجد في طوكيو أطباء عرب يمارسون البحث العلمي، لكن لا يوجد من يمارس المهنة مع المرضى، إذ إن ذلك يستلزم الحصول على تصريح.. من المؤكد أنه لا يوجد أحد في طوكيو إذ إن عدد الأطباء العرب في اليابان بأكملها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة".
طبيب مصري ومرضى يابانيون
المرضى اليابانيون معتادون على أعلى مستويات من الخدمة الطبية، الأمر الذي شكل قلقا لإبراهيم في بداية عمله، "إذا تأخر القطار بضع دقائق عن موعده، يعتذر العاملون بالمحطة للركاب ويقدمون لهم تفسيرا للتأخير.. المواطن الياباني ينتظر جودة الخدمة ذاتها من الطبيب".
ولأن وجود أطباء أجانب في اليابان نادر في الغالب، فإن المرضى اليابانيين يندهشون عند رؤية إبراهيم للوهلة الأولى، ويظنون أنه ولد لأم يابانية أو لأب ياباني.
يقول الطبيب المصري "في البداية يخجلون من سؤالي عن بلدي وكيفية عملي في اليابان، ومع مرور الوقت يشعرون بالثقة، بل إن بعضهم قال لي إنه يفضل التعامل معي على التعامل مع أطباء يابانيين، وهو أمر يشعرني بالسعادة".
ولعل عمل إبراهيم في جامعة طوكيو العريقة يسهل تقبل المرضى له.
يتعامل إبراهيم غالبا مع مرضى يابانيين، وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض المرضى الأوروبيين والعرب يجدون راحة في التعامل معه كونه يتحدث العربية والإنجليزية.
ويعتقد أنه مع تنظيم اليابان للألعاب الأوليمبية عام 2020 ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الأطباء الأجانب القادرين على التعامل مع جنسيات مختلفة.
خاص بـ"موقع الحرة".