بقلم: براك ربيد
بعد غياب استمر نحو سنة، عاد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى واشنطن. بعد ثماني سنوات كانت فيها كل زيارة للعاصمة الامريكية وكل لقاء مع الرئيس مقرونين بالمناكفات والتوتر والازمات، هذه الزيارة قد تكون مختلفة في جوهرها، اذا لم يكن من ناحية الجوهر السياسي ففي الشكل على الاقل، الاجواء والانطباع التي سيبقيها اللقاء لدى الرأي العام في اسرائيل وفي الولايات المتحدة.
رغم وجود عدد من المواضيع السياسية والامنية الثقيلة على جدول العمل، إلا أن نتنياهو يبحث صورة انتصار. وفي الوقت الحالي البيت الابيض تجند لمساعدته. مثلا، رئيس الحكومة سيقيم اثناء زيارته في فندق الاستقبال الرسمي “بلاير هاوس″، الذي اغلقت ابوابه في وجهه في السنوات الاخيرة – لأن المبنى كان قيد الترميم وبسبب العلاقة المتوترة مع صاحب البيت السابق الرئيس براك اوباما.
نتنياهو الذي لا يخفي سروره من التقدير والاحترام من قبل ترامب، شدد على نشر صور من “بلير هاوس″ على صفحات تويتر والفيس بوك.
جهود البيت الابيض في خلق الحد الاقصى من الانطباع الايجابي لا تتوقف هنا. يتوقع أن يتم استقبال نتنياهو في البيت الابيض بشكل استثنائي من خلال الحرس الرئاسي، ويتوقع أن يستقبله ترامب منذ لحظة خروجه من السيارة. وكلاهما سيقدمان تصريحات مشتركة أمام العدسات، ويتوقع أن يمدحا بعضهما البعض. وفي نهاية اللقاء سيقيم الرئيسان مؤتمرا صحافيا مشتركا.
هبط نتنياهو في واشنطن أمس في الصباح الباكر، ومباشرة الى الازمة الداخلية غير المسبوقة في البيت الابيض، في اعقاب استقالة مستشار الامن القومي الامريكي الجنرال مايك فلين. حيث كان الاخير مصدر اساسي في التحضير للقاء نتنياهو – ترامب، وهو الخط الاساسي في بلورة السياسة الامريكية تجاه ايران.
رئيس الموساد يوسي كوهين والقائم بأعمال مستشار الامن القومي يعقوب نيغل التقيا مرتين مع فلين منذ فوز ترامب في الانتخابات. جولة المحادثات الاولى كانت في بداية كانون الاول 2016 والجولة الثانية كانت في منتصف كانون الثاني قبل بضعة ايام من أداء ترامب ليمين القسم. في جولتي المحادثات تحدث كوهين ونيغل مع فلين في عدد من المواضيع الامنية والسياسية والاستراتيجية وأشركاه في التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية في مواضيع مثل السلاح النووي الايراني والحرب الاهلية السورية والقضية الفلسطينية.
أول أمس وفي يوم الجمعة الماضي كانت هناك جولة ثالثة من المحادثات بين نيغل وفلين لانهاء التحضيرات للقاء بين نتنياهو وترامب. وليس من الواضح بعد كيف ستؤثر استقالة فلين على اللقاء بين نتنياهو وترامب، لكن على خلفية الدور المركزي الذي لعبه في التحضير لقمة القادة وحاجة البيت الابيض الى التركيز على حل الازمة الناشئة، من شأنه أن يؤثر على اللقاء.
ركز نتنياهو ومستشاروه أمس على تحضيرات اللقاء مع ترامب. بعض النقاشات تمت أمس في السفارة الاسرائيلية في واشنطن، وليس في “بلير هاوس″، خشية من التنصت. ومثلما في اللقاء الاول مع رئيس الولايات المتحدة براك اوباما في أيار 2009، ايضا لقاءه الاول مع الرئيس ترامب سيكون الموضوع المركزي بالنسبة لنتنياهو هو ايران. نتنياهو لم يأت مع طلب أو اقتراح لالغاء الاتفاق النووي. فهو يعرف جيدا أن ترامب ليس هناك، ويعرف جيدا أن هذا لن يخدم المصالح الاسرائيلية. وأشار موظفون رفيعون في اسرائيل الى أن نتنياهو يريد فقط زيادة وتشديد الضغط على طهران.
في جلسة الكابنت في اسرائيل التي تمت في يوم الاحد توجه وزير الداخلية آريه درعي لنتنياهو واقترح عليه عدم التحدث عن المشروع النووي الايراني، لأن الرئيس الامريكي أصلا متشدد تجاه ايران. وقد رفض نتنياهو هذا الاقتراح بأدب، وقال إن الرئيس الايراني حسن روحاني، الذي يعتبر أن ترامب شخصا هاويا، والامين العام لحزب الله الذي يعتبره “غبيا” لا يعرفان الواقع الجديد. “إنهما يعرضا أنفسهما للخطر”، قال نتنياهو. “وأنه لا يجب التحرش بترامب”.
وقد أشار موظفون رفيعو المستوى في اسرائيل الى أن نتنياهو سيتحدث مع ترامب حول زيادة تشدد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بخصوص تطبيق الاتفاق النووي، واستخدام الادوات الموجودة في الاتفاق لزيادة الرقابة على ايران، الادوات التي لم تستخدم. وايضا فرض عقوبات اخرى ضد ايران بسبب نشاطها التآمري في المنطقة ودعمها للمنظمات الارهابية. ولكن الأمر الاهم هو أن نتنياهو سيرغب في الحديث مع ترامب عن اليوم التالي للاتفاق، وعن السياسة الامريكية والاسرائيلية تجاه ايران بعد 8 – 10 سنوات.
إن موقف نتنياهو وموقف ترامب بخصوص ايران متقاربان أكثر من اوباما، ورغم ذلك فان اسرائيل بالنسبة للرئيس الامريكي الجديد هي لاعب ثانوي في موضوع ايران مقارنة مع باقي القوى العظمى التي وقعت على الاتفاق النووي، وعلى رأسها روسيا. مثل اوباما في لقائه الاول مع رئيس الحكومة نتنياهو، فان ترامب ايضا يريد أن يسمع منه عن افكاره حول عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية، وفيما يتعلق بالبناء في المستوطنات.
في جلسة الكابنت في يوم الاحد أوضح نتنياهو أنه ليس في نيته طرح برنامج العمل الخاص برئيس البيت اليهودي، لأن فكرته حول ضم المستوطنات أو الغاء خطاب بار ايلان وحل الدولتين لن تدخل الى الغرفة البيضوية. ومع مرور الوقت منذ دخول ترامب الى البيت الابيض تبين أن رموز الادارة الجديدة، وعلى رأسها وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية ريكس تلرسون، تؤيد الحفاظ على السياسة الامريكية المؤيدة لحل الدولتين. واذا كان الجنرال ديفيد بتراوس هو الذي سيستبدل الجنرال مايك فلين، فان هذا التوجه سيستمر، ولكن بشكل أكثر قوة.
نتنياهو سيرغب في التوصل الى التنسيق مع البيت الابيض، سواء حول البناء في المستوطنات أو حول طريقة التقدم مع الفلسطينيين. وقد أرسل نتنياهو والى واشنطن في يوم الاحد مبعوثه الخاص المحامي اسحق مولخو للالتقاء مع مستشار الرئيس ترامب، غارد كوشنر، الذي يتوقع أن يتابع الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني. وللالتقاء ايضا مع وزير الخارجية تلرسون الذي يتوقع أن يكون له دور مركزي في أي خطوة من اجل تحريك العملية السلمية.
موظفون رفيعو المستوى في اسرائيل اشاروا الى أن نتنياهو يأمل في تجنيد ترامب لمبادرة سلام اقليمية يكون فيها الفلسطينيون جزءً من خطوة أوسع. وقد حاول نتنياهو فعل ذلك مع الادارة السابقة في العام 2016، إلا أن الرئيس اوباما لم يعتقد أن رئيس الحكومة الاسرائيلية يمكن أن يكون شريكا في أي عملية سياسية. وزير الخارجية جون كيري من ناحيته كان متحمسا أكثر لفكرة نتنياهو، لكنه فضل أن تكون هناك قناة اخرى منافسة.
نتنياهو كان يرغب في أن يساعده ترامب في تجنيد دول مثل السعودية والامارات، وليس فقط مصر والاردن. وعقد قمة السلام الاقليمية يمكن أن تكون فكرة تخدم نتنياهو وترامب الذي يمكنه تحقيق انجاز سياسي دولي حقيقي. وقد بدأ ترامب ومستشاروه الآن يتعلمون الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني لبلورة سياسة، لكن الانطباع من لقاء كوشنر وشخصيات اخرى في الادارة الجديدة كان أنهم أحبوا هذه الفكرة ويريدون تجربتها.
على طول الرحلة الى الولايات المتحدة لم يتحدث نتنياهو مع مرافقيه في الطائرة. وفي المطار العسكري قرب واشنطن قال نتنياهو للقناة الثانية إن لديه “توقعات جيدة فقط” من لقائه مع ترامب. هذه الليلة حسب التوقيت الاسرائيلي، بعد انتهاء اللقاء، سنكتشف اذا كانت هذه التوقعات قد تحققت.
هآرتس 15/2/2017