أعطني ساعتك لادلك على الوقت: الدور السلبي والفساد “المستتر” لبعض الخبراء الأجانب في العالم الثالث

آخر تحديث 2017-02-16 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

مهند النابلسي

أذكر في ثمانينات القرن الماضي وأثناء تدشين خط اسمنت انتاجي جديد بناه اليابانيون، أن مدير الانتاج البريطاني “الغير متخصص” كان يوعز “باطفاء” الخط عندما تحدث المشاكل التقنية الكبيرة، علما بأن هذا الاجراء خطير وحرج نظرا لارتفاع درجة حرارة الفرن، مما قد يؤدي لاعوجاج “اسطوانة الفرن” الباهظة التكاليف، وكان احيانا يتهرب من اتخاذ القرارات الملائمة بمغادرة مكان العمل (والذهاب خلسة للنوم) خوفا من مواجهة “غضب” المهندس الياباني المعني بمتابعة التشغيل التجريبي!

هناك تعريف عالمي طريف للخبير الاجنبي او المستشار يقول: “انه الشخص الذي يستعير ساعتك ليخبرك عن الوقت”! وأستطيع أناؤكد من واقع خبراتي المتراكمة مع بعض المستشارين الأجانب والمحليين انه يمكن تحريف هذا  التعريف ليصبح: “انه الشخص الذي يأخذ ساعتك ثم يولي هاربا عندما تسأله عن الوقت”!…ان  أحد اكبر مساوىء وعيوب مفهوم “الجودة الشاملة”  يتلخص  في شموليته وتعبيراته الانشائية التي تسمح بادعاء الخبرة، وأذكر انه في نهاية دورة مكثفة حضرتها في طوكيو بعنوان “تحسين المنتجات الصناعية، اذكر ما قاله أحد كبار اساتذة الجودة الشاملة البرفسور “كانو” (صاحب نظرية كانو): “لا تحاولو فور عودتكم لبلادكم تطبيق تقنيات الجودة مباشرة  بل انتظروا  الاستعداد والوقت الملائم، لأن الفشل بالتطبيق قد يؤدي لاحباط واخفاق لا يرغبه احد”!…  وبالفعل لا توجد في الحقيقة “وصفة سحرية” تؤخذ من دكان “خبرة وادارة” ثم تنفذ حرفيا فتؤدي للنجاح، بل يكمن النجاح في كوادر الشركات العريقة التي بنت خبراتها الادارية والهندسية على مدى سنوات عديدة، وجمعت خلالها خبرات “ألمانية وبريطانية وفرنسية ويابانية”، ثم كونت كوادر متخصصة، ولا يجديهنا التطفل والادعاء والتسلق على أكتاف الآخرين، كما ان الصناعة تحديدا لا يجدي فيها الا الأفكار “الواقعية الميدانية” والتخصص المباشر، ولا تنفع فيها “الأفكارالمعلبة”، فحتى بعض المعادلات العلمية تتحول عند تطبيقها صناعيا لتصبح ذات “صيغة امبيرية”، نظرا لتداخل المعطيات وارتفاع درجة تعقيدها!

وكما بدأت مقالتي بمثال فسوف انهيه بمثالين معبرين حقيقين آخرين، فقد قامت نفس الشركة الاستشارية”البريطانية-السويسرية” بتعيين “عمال-فنيين” (بريطانيين) كمدراء ورديات مسؤولين عن المهندسين المحليين، وقد شهدت كيف قام أحدهم قصدا بالتسبب بحادث بتر في طرف أحد اصابع يده حتى يحظى رسميا باجازة مرضية طويلة “مدفوعة الأجر”! وقد كان يمكن الاستغناء كليا عندورهذه الشركةالاستشارية الأجنبية كليا (مع خبراءها الأدعياء) هنا لو سمح لليابانيين الصانعين الأصليين بتدريب كوادر الشركة المحليين سواء المهندسين او الفنيين بشكل مباشر ميداني، ولكن “منظومة الفساد والرشى” المهيمنة والمتداخلة  لم تكن لتسمح بذلك. أما المثال الآخرالمعبر فقد حدث معي شخصيا عندما تم اختياري وتدريبي (من قبل لافارج الفرنسية) بالعام 1999 لاصبح مديرا لمشروع “الدمج والاستحواذ” والذي سمي مجازا بمشروع “آفاق 2001″، وبالفعل فقد اخذنا الموضوع على محمل الجد وتم تشكيل خمس فرق عمل، وعملنا ليلا ونهارا ككوادرمحلية على بناء “أهداف جديدة” ذات بعد استراتيجي ضمن منهجية ما يسمى”ادارة التغيير”، وبعد أن حقق المشروع غايات جديدة “ثورية وفريدة” في كافة مفاصل الشركة “الاستراتيجية والتشغيلية” تم تقويضه وانهائه وبدون توضيح الأسباب تحقيقا لأجندات ومآرب خبيثة غامضة، علما بأن “جمعية الجودة الأمريكية” الذائعة الصيت والمصداقية عالميا، قد تبنت المشروع نجاحات عالميا ونشرت بالتعاون المباشر معي “ثلاث مقالات” محورية دالة في العام 2002، واعتبرته مرجعا عالميا هاما ناجحا في مجال “ادارة التغيير في صناعة الاسمنت”.

Mmman98@hotmail.com