بعد انتهاء الحرب في لبنان وتوقيع اتفاق الطائف في السعودية عاد الهدوء إلى البلاد وبدأت مرحلة إعادة الإعمار مع تولّي الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومات منذ العام 1992 وحتى العام 2004 .
شكلت هيئة التنسيق النقابية ظاهرة فريدة في العمل النقابي بعد الحرب اللبنانية
عرفت الحركة النقابية في لبنان تقلّبات كثيرة لعلّ أبرزها انقسام الاتحاد العمالي العام عام 1997 وصدور قرارات حكومية تمنع التظاهر، وشهدت مناطق لبنانية عدّة مواجهات بين العمال والقوى الأمنية لا سيما في بيروت وصيدا جنوب البلاد.وبعد سنوات على المتغيّرات السياسية في البلاد بدأ نجم الاتحاد العمالي العام بالأفول، لتتصدّر هيئة التنسيق النقابية واجهة الحركة المطلبية لا سيما في العامين 2013 و2014 ، متّكئة على الحراك المدني الذي شغل البلاد بعد تفاقم أزمة النفايات وإخفاق الحكومة برئاسة تمّام سلام في اجتراح الحلول لها.إسقاط حكومة عمر كرامي لم تمض فترة طويلة على استعادة الهدوء في لبنان بعد تمكّن الحكومة بمساعدة دمشق من إنهاء ما سمّته بيروت حال التمرّد التي قادها رئيس الحكومة الانتقالية العماد ميشال عون، حتى بدأت أزمة اقتصادية خانقة تُرخي بظلالها على المشهد اللبناني مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، وتهاوي سعر الليرة اللبنانية إلى حدود قياسية ما هدّد مستقبل مئات آلاف اللبنانيين من ذوي الدخل المحدود، وقبل انتصاف العام 1992 كانت التظاهرات العمالية تحكم المشهد، ولعلّ أبرزها تلك التي نظّمها الاتحاد العمالي العام في أيار / مايو عام 1992 والتي أدّت إلى استقالة حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي بعد أن تدهورت الأوضاع الإقتصادية وتدني سعر صرف العملة الوطنية ( وصل سعر الدولار الأميركي إلى عتبة 3000 ليرة لبنانية)، وعن تلك التظاهرات يروي النقابي المُخضرم أديب بو حبيب للميادين نت أن زيارة للاتحاد العمالي العام إلى دمشق سبقت التحرّكات ، ويقول: " توجّه وفد من الاتحاد برئاسة أنطوان بشارة إلى مقرّ الاتحاد السوري وجرى البحث في الأوضاع النقابية في البلدين من دون أن يتم التطرّق إلى أي موضوع جدّي".وبعد فترة قصيرة فوجىء المجتمعون بوصول نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام ، وبعد اعتذاره بسبب التأخّر في الحضور قال: "هذا الإضراب الذي تعدّونه ليس له معنى ويجب أن يُلغى. وإذا كان موجّهاً ضدّ الحكومة فإنها باقية حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، لذلك من الأفضل إلغاؤه خصوصاً وأنه يأتي نتيجة أوامر من السفارات الأجنبية "، ويتابع بو حبيب :" أجابه أمين سرّ الاتحاد حبيب زيدان قائلاً :"وصلتنا الرسالة"، فقال خدّام: "لو كنت أريد توجيه رسائل لكنت أرسلتها مع خفير من الجيش السوري".هنا تدخّل بشارة: "لا أحد من الاتحاد له علاقة بالسفارات وإذا كانت لديك لائحة بأسماء مَن يتعاملون مع السفارات فأرجو يا سيادة النائب أن تزوّدنا بها". فنفى خدام وجود أيّ اسم لديه. بقي السجال دائراً بين قيادة الاتحاد العمالي وبين خدام حتى الثالثة فجراً من دون أية نتيجة.عاد وفد الاتحاد العمالي إلى بيروت وقرّر المضي في تنفيذ الإضراب والاعتصامات في المناطق كافة وبشكل متدحرج، إلى أن أضطر رئيس الحكومة عمر كرامي إلى تقديم استقالة حكومته في منتصف أيار / مايو عام 1992 ليتولّى رشيد الصلح رئاسة حكومة انتقالية سبقت انضمام رفيق الحريري إلى نادي رؤساء الحكومات في لبنان.بعد سنوات من تلك التظاهرات المثيرة شعرت الحكومة برئاسة الحريري وبالتحالف مع معظم الطبقة السياسية أنه آن الأوان لتقويض الحركة النقابية، ونفّذت صبيحة 24 نيسان / أبريل عام 1997 الخطوة و الأبرز عبر شق صفوف الاتحاد العمالي العام وإبعاد اليسار عن قيادته، وإيصال رئيس للاتحاد العمالي موالياً للسلطة، ما دفع النقابات اليسارية إلى تأليف اتحاد برئاسة إلياس أبو رزق في موازاة الاتحاد الموالي للسلطة، ولكن حال الانقسام لم تدم طويلاً ، ففي العام 1998 عاد أبو رزق إلى رئاسة الاتحاد ولكن ذلك كان وفق معادلة مهادنة حكومات الحريري، واستمرت المهادنة لسنوات ولم تحقّق الحركة النقابية أية إنجازات تذكرعدا زيادة الحد الأدنى للأجور في خريف العام 2008 .هيئة التنسيق : طليعة الحركة النقابيةغاب الاتحاد العمالي العام عن ساحة الحراك المدني وكذلك عن تحرّكات هيئة التنسيق النقابية التي شكل أساتذة التعليم الرسمي والخاص عمودها الفقري، ونظّمت التظاهرات للمطالبة بتصحيح الأجور أو ما يعرف في لبنان بسلسلة الرتب والرواتب ، ونجحت الهيئة في حشد عشرات ألوف المتظاهرين في تحركاتها التي عمّت شوارع العاصمة بيروت لا سيما في العامين 2013 و2014 ، ولكن الحكومة لم تعر اهتماماً لتلك التحركات وظلّت على مواقفها الرافضة تصحيح الأجور ولا تزال السلسلة معلقة حتى اليوم على الرغم من مجاهرة معظم القوى السياسية بدعم المطالب النقابية.رئيس رابطة التعليم الخاص نعمة محفوض يؤكّد للميادين نت أن هيئة التنسيق أتت لسد فراغ كان من المفروض أن يملأه الاتحاد العمالي العام ، ولكن بعد أن وضعت الوصاية يدها على الحركة النقابية أمعنت في تقويض هذه الحركة ومن هنا كان دور هيئة التنسيق وإن كانت رفعت مطلباً واحداً وهو رفع الرواتب والاجور، يومها تركنا الاتحاد العمالي ومذاك الحين رفعت الهيئة مطلباً لجميع العمال والموظفين وليس فقط للأستاذة، ولكن في الوقت عينه أضحى العبء كبيراً على الهيئة وعلى الرغم من تحقيق مطلبنا بإضافة 4 درجات ونصف الدرجة إلا أن المطلب الكبير هو إقرار سلسلة الرتب والرواتب "، ويضيف:" الطبقة السياسية رفضت مطلبنا ولم تقرّ السلسّة حتى اليوم".ويعترف محفوض أن خلافات بدأت في الظهور بين أقطاب هيئة التنسيق، ولذلك وصلنا إلى نتائج سلبية، ويحمّل محفوض الطبقة السياسية قاطبة المسؤولية بعدم إقرار حقوق الأساتذة والمعلمين والعسكريين.إذن واقع الحركة العمالية في لبنان ليس على ما يرام ، فالانقسامات الواضحة بين مكوّنات الاتحادات العمالية عدا عن انضمام معظم القوى السياسية إلى الحكومة الحالية قد يزيد من فترة السبات التي يعيشها الاتحاد العمالي العام، علماً أن التربة خصبة للتحرّكات النقابية لا سيما أن مثالاً واحداً يكفي للدلالة على عمق الأزمة الاقتصادية في لبنان، ويكمن في أن الحد الأدنى للأجور أي 450 دولاراً لا يكفي بدل إيجار شقة متواضعة في العاصمة بيروت.