أجرت حركة حماس انتخابات داخلية في غاية التعقيد منهجياً وذلك بهدف تجديد الدم في قيادة الحركة في قطاع غزّة. وهي معقّدة بسبب حرص حماس الأمني على عناصرها وقياداتها، وهو حرص ناجم عن تربّص الأعداء بها ومحاولاتهم المتواصلة للنيل منها. إنه حرص ضروري وحيوي وتفرضه مقتضيات الحماية الأمنية التي يجب أن تتمسّك بها كل الفصائل الفلسطينية المقاومة.
أتت الانتخابات بالسيّد يحيى السنوار رئيساً لمكتب الحركة في غزّة، وبالدكتور خليل الحية نائباً له
أتت الانتخابات بالسيّد يحيى السنوار رئيساً لمكتب الحركة في غزّة، وبالدكتور خليل الحية نائباً له. ومن المعروف أن السنوار أسير مُحرّر، وهو من المجاهدين الصابرين القابضين على الجمر الذين يرون أن المقاومة هي عنوان القوة الفلسطينية ويجب تدعيمها وتمكينها لكي تمتلك قوة ردع في مواجهة العدو الصهيوني. هو ليس ضدّ المقاربات السياسية ولا ضدّ الانفتاح على العالم، لكنه يرى أن كل الجهود السياسية والدبلوماسية لا قيمة لها من دون مقاومة مسلّحة تسندها. ولا يقلّ نائبه عنه في التحمّس للمقاومة المسلحة، ويرى الحية أن الحقوق الوطنية الفلسطينية ضائعة من دون مقاومة، والقوة وحدها هي التي تجلب الاحترام في هذا العالم.
انتخاب السنوار لا يشكّل انقلاباً داخل الحركة، ولكن لا بدّ أنه تمخّض عن توافق. من الجدير ذكره أن انتخابات حماس لا تتم بعيداً عن التوافقات الداخلية والرغبة في ضخّ دماء جديدة في أوصال الحركة. مجالس الحركة وقادتها يثمنّون التجديد، ويرون أنه من المفروض تغيير الأشخاص القائمين على شؤون الحركة من أجل تجديد شباب الحركة، لكنهم يرون أنه من الضروري ألا يسبّب التجديد أي نوع من الشروخ داخل الحركة. ولهذا أرى أن انتخاب السنوار كان متزاوجاً مع توافق حول رئيس المكتب السياسي المقبل والذي سيكون بديلاً لخالد مشعل. أي أن الانتخابات الداخلية عملت على الاستجابة لضغوط الجناح العسكري للحركة الذي لم يكن راضياً تماماً عن أداء القادة السياسيين. فيما إذا ترأس إسماعيل هنية الحركة، وهو الأدرى بشؤون الحركة السياسية والعسكرية، فإنه سيكون قادراً على التعامل بسلاسة مع السنوار والحية ما يمكّن من وحدة الحركة والاستجابة لمختلف التوجّهات داخلها.
نظراً للترتيب الجديد لقيادة الحركة، ستكون هناك انعكاسات على الساحتين الفلسطينية والإقليمية من حيث السياسات المقبلة. ونستطيع حصر هذه الانعكاسات تبعاً للدول أو الكيانات االمعنية وهي بالتحديد مصر وإيران وسوريا والكيان الصهيوني. بالنسبة للكيان الصهيوني، سيكون هناك تركيز حمساوي بالمزيد على التدريب والتنظيم والتسليح، وهذا ما سيدفع الحركة لتحسين علاقاتها مع طهران إذ لا توجد دولة في المنطقة تجرؤ أو ترغب في دعم المقاومة الفلسطينية مالياً وتسليحياً وعلمياً غير إيران. وما دام تركيز الحركة سيكون على القدرات العسكرية فإن إيران هي العنوان. وسيحسب الكيان الصهيوني حساباً للمفاوضات بشأن تبادل الأسرى. السنوار وبحكم كونه أسيراً مُحرّراً سيكون أكثر تشدّداً في المفاوضات غير المباشرة بشأن التبادل وسيطلب ثمناً كبيراً. أي أن المفاوضات ستكون شاقّة ، وسيجد الوسيط صعوبة كبيرة في التوصّل لاتفاق.
إيران سترحّب بمزيد من التقارب مع المقاومة الفلسطينية في غزّة بخاصة مع حركة حماس. علاقتها مع الجهاد الإسلامي وطيدة وقوية، لكن الشأن السوري تسبّب في إسفين ليس بسيطاً في العلاقات الإيرانية الحمساوية. إيران معنية بتقوية محور المقاومة، وعودة التنسيق مع حركة حماس يفتح باباً جديداً لتعزيز المقاومة في مواجهة الكيان الصهيوني. وسينعكس هذا سلباً على العلاقات مع السلطة الفلسطينية لأن حماس ستجد نفسها في وضع أفضل ميدانياً ما يعزّز موقفها الفلسطيني الداخلي أمام سلطة الحكم الذاتي.
ومن حيث أن إيران مهتمة بعودة العلاقات الطيّبة مع حركة حماس، فهي ستسعى أيضاً نحو جبر الكسر الذي حصل في العلاقات الحمساوية السورية. تنظر إيران إلى محور المقاومة ككل متكامل متعاون في مواجهة كل المؤامرات التي تُحاك ضدّ المنطقة وضدّ القضية الفلسطينية، ولا تستطيع تشكيل محور صلب في الوقت الذي تبقى فيه حماس خارج المحور، أو تبقى علاقات حماس مع سوريا ومع حزب الله متوتّرة. ولهذا من المتوقّع أن تبدأ مرحلة جديدة من العلاقات التعاونية مع سوريا وحزب الله. وقد سمعنا مؤخراً تصريح الدكتور الزهّار حول ضرورة تحسين العلاقات مع سوريا.
أما بالنسبة لمصر، السنوار لن يسعى إلى توتير العلاقات معها على الرغم من أنها تعترف بالكيان الصهيوني، بل هو سيسعى إلى المحافظة على العلاقات الطيّبة معها لما في ذلك من منافع للطرفين الفلسطيني والمصري. لكنه سيسعى إلى تخفيف ضغط مصر على حماس لإعطاء السلطة الفلسطينية دوراً أكبر في الشؤون الداخلية لقطاع غزّة. السنوار لا يكنّ الكثير من الاحترام لسلطة رام الله، وهو سيعمل على خفض سقف دورها في غزّة ما أمكن. من المُحتمل أن تبقى هذه المسألة نقطة خلاف مع مصر، لكنها لن تشكّل نقطة شقاق.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً