شوقية عروق منصور: المرأة التي تتكلم بالإشارة والمرأة التي تكتب بحبر بولها

آخر تحديث 2017-02-22 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

شوقية عروق منصور

قال الشاعر أبو نواس

(مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام

إنما السالم من الجم فاه بلجام )

يخرج الشاعر ” أبو نواس ” من عباءة التعب والتجربة الحياتية بين القصور وأسواق العامة ومخالطة الطبقات ، ليرمي  على الأرض هذا البيت من الشعر، وفيه يلخص قوله أن الانسان الصامت أفضل من الانسان المتكلم ، وحتى يعيش الانسان سليماً في المجتمع عليه أن يضع اللجام على فمه .

 جميعنا نعرف الكلام هوية الانسان ، والحنجرة وطن الحياة والوجود الإنساني ، ومن يحاول قطعها أو قصها أو إخفاء معالمها أو خنق نبراتها  ، كأنه يعلن العصيان على الصوت الذي يحمل بصمة الشخص ويعبر من خلال حباله الى عالم النطق .

على مر التاريخ شكل الكلام حالة الفرح والاحتجاج ، حالة الجفاف والهطول ، حالة الحب والكره ، وغيرها من الحالات الضرورية للعيش ،  لذلك عرفت الأنظمة السياسية أن الكلام سلالم متحركة قد توصل الى الزلازل والبراكين  وإيقاظ الموتى ونزعهم عن كراسيهم  المتحجرة ، لذلك عقدت الصفقات المضمونة للوصول الى الأهداف عن طريق الرقابة بوجوهها الملونة .

في أجواء نقيق الضفادع العربية  ، هناك من يهجم على الكلام ويمنعه من التجول ، لأن الكلام قد يفتح مغاليق الوعي ويدخل في المناطق المحظورة سياسياً ، وعندما  تنظر الضفادع  حولها لا تجد سوى المرأة كي تلفها بالنقيق ، فهي الضعيفة والضلع المكسور وكلامها قد يرسم العورات ، لأن الرجل هو صاحب السلطة والصولجان ، هو صاحب القول والقرار ، هو القوة وهي الضعف الذي يستند عليه ليبرز تفوقه .

اقوال و فتاوى دينية كثيرة تسللت الى جسد المرأة الذي تحول على مر التاريخ الى خريطة جغرافية لسلب الحقوق وتقاطعات الحرمان  وبنت سلاسل جبلية لكي تقف أمام طموحها ، وحواجز لإخماد الحياة في شرايينها .

صور كثيرة انتشرت للمرأة العربية ، في جميع المجالات ، الا في المجال السياسي ، بقي حكراً للرجل الذي يتزعم قبائل القرارات ، وهو الذي يدير دفات الدولة ، والمرأة لا شيء لها ، عليها التنفيذ والطأطأة وفرش ابتسامة الرضى .

حتى وصل الأمر الى بعض من يطالب بمنعها من الكلام ، لأن صوت المرأة عورة حسب رأيه ،  وبذلك تكتمل سياسة تضييق الخناق ، هي السياسة المفروضة  لتشويه شخصية المرأة ، ووضعها في خانة الشلل .

  مؤخراً ظهرت فتوى  سعودية تطالب  باجبار البنات والبنين على  تعلم لغة الإشارة ، لأن ممنوع سماع  صوت المرأة ، فالصوت عورة ، وعند اضطرارها للحديث عليها استعمال لغة الإشارة !! .

على وقع المطالبة بلغة الإشارة ، نكتشف أن المرأة العربية فعلاً هي تعيش في لغة الإشارة ، حيث لا نسمع صوتها ، في ظل الدم والقتل والتهجير وخراب الأوطان  ، هي تعانق الخوف دون صوت ، صوتها يسبح في بحيرات الدموع والقلق والتشريد ، والصراخ المفجوع نتيجة الموت المجاني والقتل المباح  ، لا صوت لها الا الصراخ عند هدم البيوت ومصادرة الأراضي وتوديع الجثامين . لا صوت لها ، الا للنواح .

على وقع المطالبة بلغة الإشارة ، نكتشف المرأة العربية تعيش في الظل ، في ظل الرجل العربي  المكسور ، المحطم لكن  يكابر ويرمي كسوره على المرأة متخذاً من انحناءها قوة الوقوف .

لقد تحولت المرأة العربية في السنوات الأخيرة الى شهوة عابرة ،  الى جسد يفضح عقلية المجتمعات التي تنظر الى نصفه الآخر باحتقار ، لم نسمع ونقرأ أي بيان عربي  يستنكر بيع النساء في أسواق النخاسة ، وجميع الأسواق التي تاجرت بالمرأة ، حتى ذلك المدعو ” عمار حسين ” الذي خرج بالصوت والصورة مفتخراً أنه اغتصب 200 امرأة يزيدية في العراق ، غير الذي قتلهم من الرجال ، لقد مر الخبر في وسائل الاعلام مرور الإعلان عن وجبة طعام  ، لم يسأل احدهم ماذا جرى لهؤلاء النسوة ؟

نشعر أن عصر التوحش قد انتهك كل شيء . وأن الصمت في العالم العربي يستحق نصباً تذكارياً .

في بولندا اكتشفوا رسائل كتبت إبان الاحتلال النازي لبولندا ، في أحد معسكرات الموت بين عامي 1943- 1944 ، وقد تم سجن 74 امرأة  كن عرضة للتجارب العلمية  من قبل العلماء الالمان ، وقد استطاعت بعض النسوة كتابة رسائلهن قبل قتلهن ، عن طريق غمس بولهن بمادة عرفن طريقها من المختبر ،  والكتابة بقشة ، كتبن  رسائل واستطاعوا تسريبها  الى العالم ، وقد تم عرضها مؤخراً في أحد المتاحف حيث كتبن عن  قصص عذابهن  في المعسكر .

هل سيأتي اليوم الذي يفرض على أفواه النساء  العربيات أقفال ، أو أحزمة العفة الصوتية .