بقلم: تسفي برئيل
المعركة على تحرير غرب الموصل التي أعلن عنها رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي في هذا الاسبوع موجهة ليس فقط لتحرير المدينة من احتلال الدولة الاسلامية الذي استمر سنتين ونصف. هذه هي المعركة التي ستحدث التحول في مكانة التنظيم في العراق وفي المنطقة كلها. عندما ستتحرر الموصل كليا من سيطرة الدولة الاسلامية سيضطر التنظيم الى اتخاذ قرار استراتيجي، يمكن أنه الاهم في تاريخه وهو التركز في مناطق سيطرته في شمال شرق سوريا أو توزيع قواته في دول عربية اخرى والعودة الى طريقة عمل القاعدة. هذه الطريقة التي تعتمد على وجود فروع وخلايا والتنازل عن استراتيجية احتلال المناطق.
حسب الاحصائيات الجديدة من العراق يبدو أن قوات التنظيم في الموصل تبلغ 2.500 مقاتل مقابل احصائيات سابقة تحدثت عن 5 آلاف الى 7 آلاف مقاتل. ويبدو أن التقديرات السابقة كانت خاطئة بسبب الصعوبات الاستخبارية، لكن يحتمل أن الدولة الاسلامية قد قلصت العدد ونقلت جزء من قواتها الى سوريا. وفي نفس الوقت انسحب الكثير من المقاتلين، خصوصا العراقيين، حيث خلعوا الزي العسكري وأخفوا سلاحهم وتحولوا الى مواطنين عاديين.
التوقع الآن هو أن الحرب في غرب الموصل ستستمر اسابيع طويلة اذا لم يكن أشهر. هذه ساحة مدنية صعبة: حوالي 750 ألف مواطن يعيشون في الموصل باكتظاظ في احياء وأزقة كثيرة. هذه المعطيات تصعب على ادارة الحرب الجوية أو القصف المدفعي، وتصعب ايضا على حركة المدرعات هناك.
الاستراتيجية العراقية التي تم تنسيقها مع الجيش الامريكي بنيت على ادخال القوات البرية الكبيرة وابعاد التنظيم الى الاحياء التي يسهل قصفهم فيها جوا. التناسب البري في الحرب بين القوات المهاجمة والقوات التي تتعرض للهجوم يكون في العادة 5: 1، وفي الموصل يسعى الجيش العراقي الى الوصول لنسبة 20: 1. واذا كان عدد مقاتلي داعش يبلغ 2000 فان القوات العراقية قد تبلغ 40 – 50 ألف مقاتل. وللجيش العراقي الذي يعمل بالتعاون مع المليشيات المحلية لا توجد صعوبة في الوصول الى هذا التفوق العددي وكذلك المظلة الجوية التي ستكون تحت تصرفه، غير محدودة. ولكن السؤال هو ما هي طبيعة الحرب التي سيفرضها داعش على هذه القوات.
في شرق الموصل الذي تم تحريره في الشهر الماضي كان مستوى المقاومة ضئيل نسبيا، لكن المعركة في هذا الجزء من المدينة تحتاج الى ثلاثة اشهر حتى التحرير. ويتبين من التقارير في المواقع المدنية في الانترنت أن التنظيم استعد جيدا للجزء الثاني من المعركة. فقد أنشأ حواجز اسمنتية عالية وزرع مئات العبوات الناسفة ووزع القناصة في المفترقات الحيوية وتوجد له صواريخ كتف مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات. والخشية هي من استخدام المدنيين في المدينة كدرع بشري يتسبب في عدد غير مسبوق من الضحايا في اوساط المدنيين.
هناك امكانية أخرى، في المقابل، وهي أن لا يحارب داعش حتى الرصاصة الاخيرة، ويبدأ بسحب قواته في مراحل متقدمة من المعركة. ومن اجل حدوث ذلك بدأ الجيش العراقي في استخدام الحرب النفسية التي تشمل بث الراديو والتلفزيون، وقام بنشر صور جثث مقاتلي داعش في الشوارع، ونشر معلومات عن عدد القوات الكبيرة التي ستدخل الى المدينة. ولكن ليس من الواضح ما الذي سيختاره قادة داعش.
الحرب الحقيقية في المدينة لم تبدأ بعد، لكن على مشارفها الجنوبية والشمالية حقق الجيش العراقي اهداف استراتيجية هامة. وحسب تصريحات قادة عراقيين بارزين، يتوقع أن يدخل الجيش خلال اسبوع. ولكن كلما اقترب موعد الحسم العسكري كلما زاد الخوف من اليوم التالي.
السكان في غربي المدينة يخافون مما حدث في شرقي المدينة، حيث زادت حالات اعتداء الجنود على المواطنين. وهنا تقارير عن تصفية حسابات مع المشبوهين بتعاونهم مع داعش. كثير من المواطنين يحاولون الهرب من غرب الموصل، لكنهم يخافون من العودة الى شرق المدينة بسبب سلوك المليشيات وجنود الوحدات الخاصة.
القائد الشيعي الانفصالي، مقتدى الصدر، نشر في هذا الاسبوع خطته لاستقرار الوضع في الموصل بعد تحريرها، وبهذا فهو يجبر الحكومة العراقية على البدء من فحص مستقبل المدينة والدولة بشكل عام. من خلال 29 بند يؤكد على الحاجة الى الحفاظ على وحدة الدولة والمصالحة الوطنية بين أبناء جميع الطوائف وفرض القانون والنظام من قبل الدولة وليس من قبل المليشيات المحلية، ويطالب بمغادرة القوات الاجنبية بعد المعركة، ليس فقط القوات الامريكية، بل أيضا القوات الايرانية وغيرها. ويطالب بأجهزة دولية تراقب اعادة اعمار المدينة وتجند الاموال لذلك.
هذه الوثيقة الهامة تقترح ايضا تشكيل وفد من رؤساء القبائل كي ينتقل من جنوب العراق الى الموصل من اجل التقريب بين الطوائف. ويطلب الصدر من المليشيات الشيعية التي تعمل تحت إمرة ايران الاندماج في الجيش العراقي النظامي لمنع وجود أكثر من جيش في الدولة.
اذا كانت اعادة السيطرة على الموصل ستحدد مصير الدولة الاسلامية فان الطريقة التي ستدار بها المدينة بعد الحرب ستحدد المستقبل السياسي للعراق. وحتى الآن لم يتم صياغة خطة توضح ترتيبات الاعمار ومصادر التمويل، وتقاسم السيطرة على المدينة ايضا.
خلافا لسوريا التي تستطيع روسيا فيها أن تفرض النظام، فان مواجهة هذه الاسئلة في العراق ملقاة على الحكومة التي تعبر عن الوحدة والتصميم في الحرب ضد داعش. ولكنها لم تنجح بعد في كسب ثقة السنة.
هآرتس 23/2/2017