القاهرة/ مراسلون / الأناضول
على أعتاب كنيسة مصرية شمال شرقي مصر، دخلت سيدة في العقد الرابع من عمرها، يبدو على ملامحها القلق، وتمسك في يدها أطفالها الخمسة، وبجوارها زوج تبدو عليه أوجاع المرض، بعد سفر طال لساعات من العريش التي شهدت مؤخرا حوادث قتل لمسيحيين.
وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، قتل 6 مسيحيين على يد مسلحين مجهولين بسيناء في 5 حوادث متفرقة كان آخرها أمس الخميس، بحسب مصادر متطابقة، بالتزامن مع بث تسجيل مصور منسوب لتنظيم "داعش" الإرهابي، تم بثه الأحد الماضي، تضمن تهديداً باستهداف المسيحيين داخل مصر.
السيدة المسيحية التي نطقت بخوف وتعب اسمها الأول "عايدة"، تحكي لمراسل الأناضول، أنها غادرت هي وزوجها المريض بتليف كبدي، وعشرات من الأسر المسيحية من العريش ومدن أخرى بسيناء خوفا من الاعتداءات الأخيرة.
وتستدرك سريعاً وهي تحمل حقيبة ملابس دخلت بها للكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية "لم يصلنا تهديد. لكن جيد أننا خرجنا"
في قاعة الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية، تدور الأحاديث بين الأسر عن تخوفها من نشر وسائل الإعلام لصورها أو أسمائها؛ خشية أن تصلهم تهديدات.
وأشارت تلك الأسر إلى أن الأحداث في سيناء مقلقة.
مصدر كنسي بالكنيسة نفسها قال للأناضول مفضلاً عدم الإفصاح عن اسمه "تلقينا من مساء أمس الخميس اتصالات هاتفية، تحمل استغاثات من أسر مسيحية تعبر عن خوفها من الانتظار بمنازلهم في سيناء بعد حالات القتل الأخيرة ويسألون عن مدى إمكانية استقبال الكنيسة لهم".
وأضاف "بالفعل تمت الموافقة وتم تشكيل لجان سريعة لاستقبال الأسر النازحة ومايزال الأمر مستمرا".
ووفق المعلومات الأولية التي حصل عليها مراسل الأناضول، فحتى مساء اليوم الجمعة وصلت 40 أسرة مسيحية متوسط عدد أفراد كل منها بين ثلاثة إلى سبعة، لمكانين هما الكنيسة الإنجيلية بمحافظة الإسماعيلية، و أخرى أرذثوكسية تعرف باسم الأنبا بيشوي بالمحافظة ذاتها.
وأشار إلى أنه "تم استقبال الأسر بقاعات الكنيستين، قبل تسجيل بياناتهم، وتسكينهم في منازل تتبع الكنيسة أو الحكومة"، لافتا إلى بدء ظهور مبادرات شعبية بصورة متزايدة من مسلمين ومسحيين بتقديم مواد إعاشة وملابس للنازحين.
ومساء اليوم الجمعة، أعربت الكنيسة المصرية، عن إدانتها لحوادث استهداف مسيحيين بسيناء، واعتبرتها اعتداءات "إرهابية".
وأشارت في بيان صادر عنها إلى أنها "في تواصل مستمر مع المسؤولين حسب مواقعهم ومع الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، ومع المحليات (جهات حكومية) لتدارك الموقف والتخفيف من آثار هذه الاعتداءات"، دون تفاصيل.
ومن سيناء، قال مصدر أمني للأناضول مفضلا عدم ذكر اسمه كونه غير مخول له التصريح لوسائل الإعلام إن " الأسر القبطية تنزح بشكل سري خارج سيناء خوفا من استهدافهم من قبل المسلحين، حيث يستقلون سياراتهم الخاصة والأجرة متجهين إلى القنطرة (مدينة على قناة السويس الفاصلة بين شبه جزيرة سيناء وباقي الأراضي المصرية)، تاركين ممتلكاتهم في حماية رجال الأمن لحين عودتهم"، دون إشارة لأعدادهم أو القرارات التي ستتخذ لتضمن عودتهم.
ومن القاهرة، ذكر مصدر أمني مسؤول بوزارة الداخلية، للأناضول، مفضلاً هو الآخر عدم ذكر اسمه للسبب ذاته، أن "الداخلية والجيش دفعا بتعزيزات أمنية وأرتال من العربات المدرعة إلى شمال سيناء لفرض السيطرة الامنية وطمأنة المسيحين بعد تكرار وقائع الاعتداء عليهم".
وأوضح أنه "بالتنسيق مع الجيش تم تشكيل فرق أمنية من الأمن الوطنى والأمن العام ومباحث شمال سيناء بالتعاون مع القوات الخاصة لجمع معلومات عن مرتكبى جرائم الاعتداء على الأقباط وملاحقتهم".
ولفت إلى أن التحريات ترجح أن المتهمين تابعين لتنظيم "داعش" الإرهابي.
تلك الحوادث الأخيرة التي لحقت بمسيحيي سيناء، كانت مثار حديث واسع اليوم الجمعة بمصر من أبرزه، دعوة المعارض أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط في تدوينة بموقع التواصل "فيسبوك" بـ"العمل على وقف نزف الدماء في سيناء"
واعتبر المحامي و الحقوقي اليساري البارز، خالد علي، في تدوينة عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن "تهديد داعش الإرهابي للمسيحيين، والتوسع فى عمليات استهدافهم بالعريش لتهجيرهم منها قسرياً، هو استهداف لكل أبناء هذا الوطن" .
وفي تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال الحقوقي البارز نجاد البرعي: "على الدولة أن تراجع استراتيجيتها لمكافحة داعش في سيناء بشكل عام، وفي العريش وما حولها بشكل خاص، يجب إعادة المسيحيين إلى منازلهم وحمايتهم".
ولم تعلق السلطات المصرية بشكل رسمي عن تقارير نزوح مسيحيين بسيناء أو إجراءاتها المتوقعة لتلافي ذلك، ولم يتسن الحصول على تعليق رسمي حتى الساعة 17:45 ت.غ.
ويتواجد تنظيم "داعش" في مصر عبر ذراعه جماعة "ولاية سيناء"، التي بايعته في نوفمبر/تشرين ثان 2014، وتنشط في محافظة شمال سيناء بشكل أساسي، مستهدفة شخصيات ومواقع شرطية وعسكرية.
كما تبني "داعش"، تفجير الكنيسة البطرسية شرقي القاهرة في ديسمبر/كانون أول الماضي، والذي أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، وذلك بعد أشهر من تبنيه حادث اغتيال القس روفائيل موسى كاهن كنيسة مارجرجس في العريش بسيناء.