القاهرة تحتفي بالشاعر موسى حوامدة.. قفزَ على الذات الشعرية واتخذت تجربته أنساقًا إبداعية مختلفة

آخر تحديث 2017-02-27 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

القاهرة- أحمد نبيل خضر

استضافت مجلة “أدب ونقد” المصرية، الشاعر الفلسطيني موسى حوامدة، في لقاء مفتوح حول تجربته الشعرية.

أدار الأمسية الشاعر عيد عبد الحليم، رئيس تحرير “أدب ونقد”، الذي أكد أن موسى حوامدة صاحب التجربة المثمرة والمتميزة في الحياة وفي الشعر.

وافتتح عبد الحليم الأمسية قائلًا: “ولد في مدينة الخليل الفلسطينية التي قدمت تضحيات كبيرة، وهو ذلك الفتى الذي تربى ونشأ في تلك المدينة، وتشرب النضال منذ طفولته، إذ سجن وهو في المدرسة في الخليل، ثم سجن وهو في الجامعة في الأردن”.

رئيس تحرير “أدب ونقد” أضاف: “تأثر حوامدة في بداياته بالقضية الفلسطينية، ويظهر ذلك جليًا خلال مجموعته الشعرية الأولى “شغب”، التي حملت الرؤيا والموقف وإن كان فيها نوع من التجريد، ولكن اختلفت تجربته فيما بعد، فهو لا يتوقف عند مرحلة معينة، فهناك قفز على الذات الشعرية عنده، فنجد أنه يمتلك خطابًا مختلفًا في كل مجموعة جديدة، وتتخذ التجربة أنساقًا إبداعية مختلفة، تعقب ذلك خطوة جديدة في تجربته الشعرية نحو نص أكثر انفتاحًا”.

كما أنه رأى: “حوامدة تعامل مع اللغة بشكل ماهر، فقد وظفها توظيفًا مناسبًا، وهو ما منح شعره انسيابية في التلقي أيضًا، فهو لا يستعمل الغريب والألفاظ البعيدة عن الواقع، لغته لغة بسيطة ولكنها بساطة الدربة والحنكة وهو يتعامل مع النص الشعري ليس بمنطق التجريب المطلق الذي ربما يأخذ الشعرية إلى الفضفضة لكنه يعتمد على لغة التكثيف والمجاز، وهو صاحب لغة مرنة سلسلة”.

وطلب عبد الحليم أن يقدم ضيف “أدب ونقد” المكونات والروافد التي صبت في نهر إبداعه وتجربته، فقال حوامدة: “حرصت على تلبية دعوة “أدب ونقد”، لذكرى الصديق الراحل حلمي سالم، ولما تمثله هذه المجلة والتجمع من رنين وجداني لدى كل المثقفين العرب”.

وعن تجربته قال حوامدة: “عشت طفولة مختلفة في قرية مليئة بالمحاجر، وتجمع بين حرفة الرعي والزراعة وشيء من المدينة، فكانت الأشياء مختلطة فيها، وكانت دائمًا مسرحًا للعمليات الفدائية، عشت في وطن متناثر مهدم، ورأيت بلدتي تهدم أكثر من مرة وتتحول إلى ركام، وكنت أحس بالعجز، وأتساءل كيف يمكن إعادة بناء هذه القرية التي تم تدميرها، كنت -دائمًا- أحاول تعويض ذلك بالخيال، وبالصدفة وقع بين يدي كتاب “ألف ليلة وليلة”، الذي فجر خيالي ودفعني لإعادة قراءته وحفظ بعض أشعاره وقصصه وحياته، وفي المدرسة كنت أحفظ القصائد بسرعة، وقلدت قصيدة أبي تمام في فتح عمورية”.

وهنا يقول: “لم أكن أفهم ما هو الشعر ولا يعنيني، كان كل همي ترديد اسم فلسطين، ورفع الحمل الثقيل عنها، ووجدت أن الكتابة قد تكون بديلًا ورفضًا للعجز، ومن هنا بدأت كتابة الشعر، لكي تكون فلسطين حاضرة معي”.

وأضاف حوامدة: “سجنت وأنا في الصف الأول الثانوي بعد حرب 1973، بعدما رميت حجارة على الجيش الإسرائيلي، لم أعرف الخوف منذ طفولتي. كان أبي ينهرني فتركت البيت وتعرفت على بعض أعضاء في الحزب الشيوعي. وقد شاركت في المظاهرات منذ وفاة جمال عبد الناصر كنت الفتى الذي يرفعونه ليهتف بالشعارات المناسبة، وبصوت عال ومسموع، وفي مدرسة الحسين بن علي في الخليل اندفعنا لضرب الجنود الإسرائيليين، بعد أن كسر الجيش المصري والسوري هيبة الجيش الذي لا يقهر”.

    كانوا أول من بدأ برمي الحجارة عليهم، وحاصرهم بعض جنودهم: “وحاول بعضنا أسر جندي إسرائيلي خلال المواجهة، وأطلقوا النار علينا، وأصيب زميلي وسقط على الأرض، وتابعنا التظاهر في الشارع، حتى تم تطويق المدرسة واعتقالنا، وأنا في هذه السن الصغيرة كنت دون السادسة عشرة، وعقدوا لي محاكمة في الفجر، وجاءوا بالشهود، وحكموا على بالسجن ولأني كنت في أقل من السن القانوني قرروا استبدال مدة الحبس بالغرامة، لكنها كانت باهظة في ذلك الوقت، إذ حكموا علي بدفع 750 ليرة، حين كانت الليرة تساوي دينارًا أردنيًا أي ما يقارب الثلاثة دولارات”.

“نجحت في الثانوية وحصلت على المرتبة الأولى على مستوى المحافظة، رغم كل المطاردات ومشاركتي في النشاطات اليومية، وعند اختبار الدراسة الجامعية، كان عندي خياران للدراسة الجامعية إما الدراسة في مصر أو الاتحاد السوفيتي ولكن أبي رحمه الله أصر أن أدرس في الأردن، كي يكون من السهل عليه القدوم إلى عمان، ورؤيتي، وفي عام 1978 وفي حرب جنوب لبنان تطوعت للذهاب إلى لبنان وقمنا باعتصام مطول في كلية الطب حتى وافقت الجامعة على إحضار باصات لنقلنا إلى لبنان، لكنها كانت خطة من المخابرات لتفريقنا خارج الجامعة، وتهديدنا بالذهاب إلى بيوتنا دون سؤال”، قالها موسى.

وأضاف حوامدة: “لما قام السادات بزيارة القدس انطلقت مظاهرات حاشدة تعارض كامب ديفيد وتطالب باتحاد للطلبة واستمرت أكثر من أسبوعين أقلقت الحكومة الأردنية والتي قامت باعتقال عدد من قيادات الطلبة وفصلهم، وقد دخلت الزنزانة مدة 3 أشهر وتم فصلي من الجامعة، عامًا كاملًا، وبقيت تحت الملاحقة والمنع من العمل والسفر حتى عام 1989م، وربما حتى اليوم”.

وعن دخوله إلى عالم الشعر، قال موسى حوامدة: القصائد الأولى كانت قصائد وطنية، كنت أؤمن في تلك الفترة أن الشعر هو مقاومة، لم أكن مهتمًا بالشكل الجمالي، وفي أوقات نسيت حتى الشعر بسبب صعوبات الحياة، لكني خلال دراستي الجامعية، اخترت اللغة العربية، وكنت أحب الشعر الجاهلي، ودرست الأدب العربي الحديث، وفي مكتبة الجامعة الأردنية اكتشفت بلند الحيدري فصرت أتناول ديوانه الصادر عن دار العودة، وأقرأه في قاعة المكتبة، بمتعة غريبة، أحسست أن الكلمات التي يستعملها طازجة وسلسلة، وأحببته كثيرًا، ثم صرت أقرأ لنازك الملائكة وفدوى طوقان، وصرت أكتب شعرًا، وتجمعت لدي بعض القصائد، وكنت أقرأ ملحق الدستور الثقافي كل يوم جمعة، وصرت أرسل للجريدة عبر البريد، وأجدهم ينشرون ما أرسل”.

صار يذهب إلى رابطة الكتاب الأردنيين، ويحضر بعض الندوات والأمسيات: “وعرفني سكرتير الرابطة على خليل السواحري، وهو المحرر الثقافي في الدستور والذي لم أكن أعرفه من قبل ولا أعرف أنه هو المحرر الذي ينشر لي، وفيما بعد كان هو الذي طلب مني القدوم للجريدة لمقابلة محمود الشريف رئيس التحرير في ذلك الوقت، والذي عينني رئيسًا لقسم التدقيق والتصحيح اللغوي، قبل الحصول حتى على شهادة التخرج، عام 1982 قال لي سكرتير الرابطة إن هناك مسابقة في الرابطة لغير الأعضاء ونصحني أن أتقدم لها، وقدمت قصيدة منشورة كان عنوانها فراغات، وهي في مجموعتي الأولى، وفازت بالجائزة الأولى وكانت الجائزة عبارة عن 200 دينار أردني، لكن الدكتور عبد الرحمن ياغي كان رئيس الرابطة وبعد أن أعلن عن الفائزين بالجوائز اقترح تقديمها كتبرع إلى المقاومة الفلسطينية واللبنانية في جنوب لبنان، حيث كانت إسرائيل تشن عدوانها الواسع على لبنان، و(رضخت) للأمر ولم أتسلم المبلغ”.

بعد ذلك، نصحه أحدهم أن يطبع مجموعة شعرية تضم القصائد التي نشرتها الدستور: “وبدأت أطلب من الفنانين التشكيليين رسومات للغلاف، وتجمعت عندي عدة رسومات، واهتديت إلى مطبعة في المنطقة الحرة في الزرقاء، وطبعت المجموعة الأولى فيها، بعد أن أجزتها ووضعت لها رقم إيداع، كان ذلك عام 1988 وطبعت منها ثلاثة آلاف نسخة، وبدأ البعض يكتبون عنها دراسات ومقالات نقدية، وكانت المفاجأة أن الشاعر بلند الحيدري كتب عنها في مجلة المجلة”.

عام 1988 أصدر مجموعته الثانية، بعد عشرة سنوات، بسبب الحياة التي كان يعيشها، ثم صدرت “شجري أعلى” عام 1999، و”أسفار موسى” عام 2002، ومن “جهة البحر” 2004، ولاحقًا بدأ ينظر للشعر بطريقة مختلفة، إذ يقول: في “سلالتي الريح وعنواني المطر” التي كتبتها عام 2003، تلك السنة الكارثية حيث سقطت بغداد ومات أبي ثم أمي ومن قبل مات محمود الشريف الذي كان هو الأب الروحي لي في الأردن، حيث كان يحرص على إعادتي للدستور كلما خرجت منها، في تلك المجموعة وجدت أن الشعر أوسع من فكرة الوطن وحتى المقاومة”.

ثم قرأ مجموعة من قصائده ومنها قصيدة “حكمة الكولونيل”، وبعض قصائد “سلالتي الريح وعنواني المطر”، وبعض القصائد من مخطوط ديوانه الجديد.

واستقطع الباحث والناقد الأدبي مدحت صفوت، الوقت ليقول عن تجربة حوامدة: “اللا حسم يتجلى في قصائد موسى، وفيها أيضًا كتابة لا يقينية وإرجاء للمواقف، وتفسيره لذلك أنه ليس استثناءً لمجرد أنه شاعر فلسطيني، كما أن هناك يقين مؤقت داخل نصوصه، وتظل فلسطين في أعماله الشعرية حاضرة، وهو الذي تخلص من المباشرة والمنبرية حتى في التحدث عن القضية الفلسطينية”.

صفوت أضاف: “حوامدة شاعر له قاعدة تلقي في مصر، إذ نشر مجموعة من دواوينه في قصور الثقافة وهيئة الكتاب مثل “سلالتي الريح”، و”موتى يجرون السماء” الذى يحمل عنوان ميتافيزيقي، ويسود نصوصه قلق دائم، قلق على الإنسانية فى ظل التحولات التي تمر بها البشرية، فهو شاعر يعيش الشعر، والقصيدة عنده تجربة وليست تجريبًا، إذ تنبع من تجربة معاشة، فهو الآتي من الخليل، تلك المدينة التي لا ينام فيها جائع″.

وأكد الروائي صبحي موسي، على تعدد مراحل الكتابة عند حوامدة، قائلًا: “التجربة عنده مرت بـثلاث مراحل، مرحلة شعر المقاومة، ومرحلة تحويل القصيدة إلى تيار الأسئلة العميقة، وتعدد السؤال الوجودي من أنا؟، ومرحلة تناقض القضية، هنا أصبحت القضية داخل القصيدة تطرح أسئلة فلسفية على نقيض الأسئلة الفلسفية المعروفة. في ظني أن المرحلة الوسطى تظهر في ديوان “سلالتي الريح”، وتعتبر الأكثر انفتاحًا في تجربته”.