هل سيوسع الصدر "هوة الخلاف" بين حوزتي النجف وقم؟

آخر تحديث 2017-02-27 00:00:00 - المصدر: زوراء

العراق/ بغداد

مع استمرار حركة التظاهرات المطالبة بالإصلاح في بغداد، تتوسع الخلافات السياسية بين رجال الدين المهتمين بالشأن العراقي في كل من مدينتي النجف العراقية وقم الإيرانية.

فمن جهة، مقتدى الصدر في دعمه حركة التظاهرات التي أشعلت الخلافات الشيعية - الشيعية بشكل كبير، وقد كان آخرها تلك التي انطلقت في 17 شباط الجاري في بغداد ومحافظات جنوبية، وقد سبقتها تظاهرة "دامية" في 11 شباط أدّت إلى مقتل خمسة متظاهرين وإصابة 320 شخصاً في العاصمة.

ومن جهة أخرى، صدرت فتاوى من قبل رجال دين شيعة مقيمين في قم تحرم التظاهرات وتعتبرها مؤدية لـ"فوضى مدمّرة"، فقد صرّح المرجع الديني العراقي كمال الحيدري، المقيم في إيران، بموقفه المعارض للتظاهرات خلال دروسه الدينية في 16 شباط، قائلاً "موقفي الديني والسياسي هو أنّ الإصلاح للمؤسّسات لا يتمّ من خلال التوسّل بالشارع، فالإصلاح يجب أن يتمّ من خلال المؤسّسات الدستوريّة والقانونيّة".

وقد سبق أن أفتى رجال دين بارزين آخرين في قم، من المقربين من النظام الإيراني، بحرمة المشاركة في التظاهرات، واعتبروها "تضعف النظام في العراق"، ومنهم المرجع محمد مهدي الآصفي، وكاظم الحائري وهو المرجع الديني للتيار الصدري وقد تتلمذ على يديه زعيم التيار مقتدى الصدر.

لكن التيار الصدري رد على الحيدري بشدّة، متّهماً إياه بـ"عدم الإنصاف والحياديّة، وعدم الاضطلاع في الشأن العراقيّ"، حيث شن "صالح محمد العراقي"، وهو شخص يدير صفحة على موقع "فيسبوك" يقول أتباع التيار الصدري أن "الصدر نفسه يديرها"، هجوماً لاذعاً على الحيدري، واصفاً إيّاه بـ"عدم امتلاك الصلاحية في إبداء الرأي في شأن التظاهرات ومطالبات الإصلاح، وعدم امتلاك الخبرة والإنصاف في ذلك".

وقال: "إذا أحببت أن تعطي رأياً في موضوع معيّن أيّاً كان، فلا بدّ أن تكون منصفاً، وقريباً من الحدث، وألّا تكون معتزلاً مجتمعاً ما وتتدخّل في تفاصيله، فتكون في قم وتتدخّل في شؤون النجف".

وهذا مؤشّر واضح على أنّ الخلاف المتصاعد بين الصدر والحيدري يندرج ضمن سياق اختلاف الرؤية بين مدرستي النجف وقم بشكل عامّ، وقد نشأ الخلاف من الأساس حول علاقة الدين بالحكم منذ أن تصدّر بعض المراجع الشيعة في قم الثورة الإيرانيّة ضدّ الشاه، وانطوت في شكل معمّق وبكلّ التفاصيل في الشؤون السياسيّة في البلد، بينما احتفظت النجف بمسافة واضحة مع السياسة والحكم حتّى بعد عام 2003.

وقد فتح ذلك جدلاً حادّاً بين مدرستي النجف وقم، حيث تمثّل الأولى الرؤية التقليديّة الشيعيّة المعارضة لمشاركة رجال الدين في الحكم، والثانية تمثّل الرؤية الحديثة المؤيّدة لنظرية "ولاية الفقيه".

وقد بدأ الجدل يتطوّر تدريجيّاً مع تطوّر الوضع السياسيّ غير المستقرّ في العراق، ويتوسّع الجدل الآن ليشمل مواضيع سياسيّة تفصيليّة، في ما يرتبط بالشأن السياسيّ العراقيّ.

ويتمتّع الحيدري بدعم كامل من قبل النظام الإيرانيّ، حيث أتاحت له قناة "الكوثر" الإيرانيّة الناطقة باللغة العربيّة برنامجاً ثابتاً له لأكثر من عقد من الزمن لنقد المواقف العقائديّة، وما يرتبط بها من الشؤون السياسيّة، وقد هيّأ ذلك شهرة ونفوذاً واسعاً للحيدري بين الشيعة العرب، وخصوصاً في العراق.

وقد أتاح ذلك كلّه الفرصة للحيدري ليوسّع من دائرة نفوذه بين العراقيين على وجه خاصّ، وهو ينشر أسبوعيّاً محاضرات مكثّفة ومتنوّعة في مجالات العقيدة والفقه والتصوّف الشيعيّ، إضافة إلى التطرّق إلى آرائه السياسيّة.

وقد حاول الحيدري مرّات عدّة منذ عام 2003 أن يكسب حضوراً في حوزة النجف، ولكن لم يوفّق بسبب الموقف المعارض له في الجوّ التقليديّ المسيطر على الحوزة هناك، ويعرف الحيدري بموقفه المعارض للمدرسة التقليديّة النجفيّة، ودعائمها الأساسيّين مثل المرجع الراحل أبو القاسم الخوئي، والمرجع الأعلى علي السيستاني، ويرجع محور الخلاف الرئيسيّ بينهما، إلى انتماء الحيدري إلى مدرسة "ولاية الفقيه" الإيرانيّة والتي تعارضها النجف بشكل واضح.

ومن جانب التيّار الصدري، فهناك تذبذب وعدم استقرار في الانتماء إلى أيّ من النجف وقم، فمن جهّة، يعدّ التيّار الصدريّ من نتاج الرؤية الشيعيّة الأصوليّة المعارضة للمدرسة التقليديّة في النجف، ولذلك فقد دخل والد مقتدى الصدر، المرجع الراحل محمّد الصدر في صراع مرير وطويل مع زعيم حوزة النجف السيستاني ومن حوله من مراجع النجف.

واحتفظ مقتدى الصدر بعد مقتل والده في عام 1999 بالمسافة مع السيستاني، فانتقل إلى مرجعيّة كاظم الحائري في مدينة قم والذي كان يوفّر له الغطاء الشرعيّ للمقاومة ضدّ القوّات الأميركيّة في أيّام نشاط "جيش المهدي" التابع إليه.

ولكن سرعان ما أبعدت الخلافات السياسيّة بين الصدر والحائري، حيث كان الحائري يمثّل الموقف الإيرانيّ الرسميّ بكلّ حذافيره، ولكنّ الصدر كان في ودّه أن يحتفظ بشيء من الاستقلاليّة في المواقف.

وأدّى ذلك إلى انتقال الصدر للحيدري، فقد جرى بينمها لقاء رسميّ في آب 2013 بواسطة مدير مكتب الصدر في قم آنذاك الشيخ محمود الجياشي والذي يعدّ من التلاميذ البارزين للحيدري أيضاً.

وقد صرّح مكتب الصدر بعد اللقاء بأنّ "الجانبين تباحثا في القضايا العامّة في المنطقة والعراق على وجه الخصوص"، مبيّناً أنّه "تمّ الاتّفاق على تنسيق المواقف بينهما مستقبلاً".

والآن تجعل الخلافات السياسيّة بينهما الصدر في حاجة إلى ترتيب أوراقه من جديد كي لا يخسر من شعبيّته إثر رفع الغطاء الشرعيّ عنه.

وأخيراً، ما يحدث كلّه يعدّ مؤشّرات على الخلافات الدينيّة والسياسيّة الواسعة التي ستعصف بالمجتمع العراقيّ بعد وفاة المرجع الأعلى علي السيستاني، الذي يعدّ الراعي الأكبر والأهمّ للعمليّة السياسيّة في العراق بعد عام 2003.