"العثماني المريض" وأحلامه التوسعية.. أردوغان "يجلد" بغداد بـ"سارية" العلم التركي

آخر تحديث 2017-03-01 00:00:00 - المصدر: الزمان برس

أثارت زيارة رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني إلى تركيا في الأسبوع الجاري الكثير من الجدل حول أسبابها وما تضمنته لقاءاته بالمسؤولين الأتراك، لكن الأكثر إثارة للجدل والاستغراب هو رفع علم "إقليم شمال العراق" في المطار التركي "استقبالاً" للبارزاني!.

رفع علم إقليم كردستان في مطار "أتاتورك" بمدينة إسطنبول يعني بطبيعة الحال "اعترافاً رسمياً" بدولة كردستان وليس إقليم ضمن دولة، خاصة وأن المطار الذي شهد استقبال بارزاني له رمزية مهمة لدى الأتراك كونه يحمل اسم مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.

الجدل العراقي كان "خجولاً بشكل مخزي" حيث لم تنتقد هذه الزيارة سوى بضعة نواب من ائتلاف دولة القانون لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وهو انتقاد لا قيمة له كونه لا يأتي من باب الوطنية والحرص على سيادة العراق ووحدة أراضيه ومصالحه، بل أنه انتقاد مدفوع الثمن من "مختار العصر" في محاولة لتسقيط غريمه حيدر العبادي، أما الكتل الأخرى لم يصدر عنها أي انتقاد أو حتى تساؤل عن طبيعة الزيارة وما إذا كانت بموافقة أو حتى علم الحكومة الاتحادية كأضعف الإيمان.

في حين رأى الأتراك في رفع العلم الكردي "استفزازاً" لهم، بحيث أن رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت باخجلي، وجه "انتقادات لاذعة" لرفع علم كردستان قائلاً "من العار والخزي رفع علم البيشمركة في مطار أتاتورك، وهو إهانة للشعب التركي".

كذلك انتقدت المعارضة البرلمانية التركية الأمر، بحيث أن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، اضطر يوم أمس الثلاثاء، إلى تبرير ما حدث أمام البرلمان التركي قائلاً إنّ "رفع علم (إقليم شمال العراق)، في مطار أتاتورك بإسطنبول، جاء عملاً ببنود الدستور العراقي، الذي يعترف بالحكم الذاتي للإقليم وبعلمه وبرلمانه".

جاء ذلك في معرض رده على انتقادات المعارضة التركية، لرفع علم الإقليم في مطار إسطنبول أثناء زيارة رئيس الإقليم مسعود بارزاني إلى تركيا الأحد الماضي، خلال كلمة ألقاها يلدريم أمام الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية.

وأوضح يلدريم أنّ "رفع علم الإقليم ليس حدثاً جديداً ولا يمكن لأنقرة اتباع دبلوماسية جديدة في هذا الشأن، فالعالم يعترف بالحكم الذاتي للإقليم"، مؤكداً أن تركيا "تحترم وحدة الأراضي العراقية وتولي اهتماماً بالغاً ببنود الدستور العراقي، كما أن تركيا لا تعاني مشاكل مع أكراد العراق أو سوريا، الذين لم يتورطوا في الإرهاب".

ومن الجدير بالذكر هنا أن يلدريم لم يقل "إقليم كردستان" بل استخدم تسمية "إقليم شمال العراق" وهي نفس التسمية التي نقلتها عنه وكالة "الأناضول" التركية الرسمية والتي تعد ناطقة باسم الحكومات التركية بمختلف توجهاتها، وهو ما يوحي بأن تركيا لا تعترف بوجود "سياسي كردستاني مستقل" لكنها في الوقت نفسه استقبلت بارزاني استقبال "الرؤساء" وهو على ما يبدو "محاولة استفزازية" للحكومة الاتحادية ونوعاً من "الابتزاز" أو "التهديد" المبطن الذي مفاده "أننا يمكن أن نعترف بقيام الدولة الكردية ما لم تقدم لنا بغداد التنازلات المطلوبة"!.

كذلك قال يلدريم في كلمته أن "تركيا لا تعاني مشاكل مع أكراد العراق الذين لم يتورطوا بالإرهاب"، والحقيقة غير ذلك تماماً من المعروف والموثق تاريخياً أن كرد العراق هم أول من طالب وروج لفكرة "الدولة الكردية"، فضلاً عن أنهم كانوا من أكثر الشعوب تمرداً على الإمبراطورية العثمانية، كما أنهم أول من أسس حركة مسلحة سياسية للمطالبة بتحقيق حلمهم، فضلاً عن أنهم أول من نال "مكرمة" الحكم الذاتي ومن ثم الحكم "المستقل" منذ عام 1991 ولغاية الآن.

ما لا يستطيع يلدريم ومن سبقه ومن سيأتي بعده أن يخفوه هو أن تركيا ليست دولة صديقة للعراق منذ طرد العثمانيين من أراضيه وقيام الدولة العراقية المعاصرة، فمنذ العام 1920 وحتى الآن هناك فقرة في الميزانية السنوية التركية تنص على إيداع "ليرة واحدة لولاية الموصل"، وهذه الولاية المزعومة لا تقتصر على محافظة نينوى فقط بل أنها تضم محافظات نينوى وكركوك والسليمانية وأربيل ودهوك.

في عام 1991 وبعد أن "تقوت شوكة" كرد العراق وحصلوا على حماية دولية، اضطرت تركيا إلى "تضييق" مساحة ولاية الموصل لتقتصر على محافظتي نينوى وكركوك، وفي حينها قال رئيس الوزراء التركي تورغوت أوزال مخاطباً الجيش التركي "أنظروا إنني أقول حالما تطأ قوات التحالف الدولي الأراضي العراقية فلندخل نحن من الشمال ولنصل حتى الموصل وكركوك".

في 20 آب 2002 قبيل إسقاط نظام صدام، صرح وزير الدفاع التركي في حينها قائلاً إن "شمالي العراق يدخل ضمن الخارطة التاريخية لتركيا منذ العام 1920، وعلينا استعادته".

هذه النوايا التركية "الخبيثة" لن تنتهي ولن تقف عند حد، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحمل بإحياء الإمبراطورية العثمانية وهو يرى أن العراق بأكمله وليس ولاية الموصل فقط إقطاعية من إقطاعيات "الباب العالي" ولابد من استعادتها مهما كان الثمن.

السؤال هنا، هل ستستمر حكومات بغداد بهذا "الخنوع والخضوع" المذل لتركيا واحلامها التوسعية، وهل سنواصل دعم الاقتصاد التركي وتجارته بمليارات الدولارات ونجعل من بلدنا "مكباً" للنفايات التركية!؟.