كونييتش (البوسنة والهرسك) (أ ف ب) - ينظر امير اليبيتس بحسرة الى ما تبقى من بحيرة يابلانيتسا التي يتولى مراقبة انشطة الصيد فيها، بعدما تحولت الى واد رمادي فارغ من المياه بسبب جفاف استثنائي تشهده البوسنة يضاف اليه سباق محموم على انتاج الكهرباء.
فعلى بعد بضعة كيلومترات من كونييتش في المكان الذي يتحول فيه نهر نيريتفا منذ اكثر من ستين عاما الى بحيرة اصطناعية، لم يتبق سوى مساحة واسعة من الرمل والطين يعبر فيها جدول مائي هزيل.
ومن المتوقع ان يعود منسوب المياه الى الارتفاع: فبعد فترة جفاف طويلة، ذاب الثلج على الجبال المجاورة ويسجل تساقط كميات كبيرة من الامطار.
غير أن الصيادين ومسؤولي المؤسسات البيئية يؤكدون ان الضرر وقع لافتين الى ان محمية لصيد الاسماك تضم "اكثر من مليوني" سمكة تعرضت "للخراب". وأصدرت السلطات 700 تصريح بالصيد في العام 2016 تشمل اسماكا مخصصة للاستهلاك الشخصي خصوصا السلمون المرقط والشبوط والفرخ.
ويحمل الصيادون مسؤولية الوضع للشركة الوطنية لانتاج الطاقة الكهربائية "الكتروبريفريدا بي اي اتش" (إي بي بي أي اتش) التي تدير السد ومحطة انتاج الطاقة الكهرمائية في يابلانيتسا على بعد ثلاثين كيلومترا جنوبا، والتي تؤكد انها تلتزم المعايير المرعية الاجراء.
وبحسب هرابرن كابيتش وهو مسؤول عن اتحاد محلي للصيادين فإن "مستوى المياه في البحيرة انخفض فجأة قبل حوالى اربعين يوما".
ويقول "كان يسجل باستمرار خلال الاعوام الماضية تراجع في مستوى المياه في البحيرة، غير ان الوضع لم يصل يوما الى هذا السوء. انها كارثة بيئية".
- نظام بيئي كامل مهدد -
ويؤكد ممثلون عن منظمات غير حكومية أن عددا من الاسماك علقت ودفنت في المستنقعات فيما انتقلت اخرى في اتجاه السد. وهم يخشون عدم عودة هذه الاسماك مجددا اذ ان الكائنات المجهرية التي تقتات عليها عانت ايضا من تبعات الجفاف.
ويقول امير فاريستسيتش من منظمة "زيليني - نيريتفا" (الخضر- نيريتفا) غير الحكومية ان الجفاف الحاصل يهدد "نظاما بيئيا كاملا"، مشيرا الى ان مستوى المياه في البحيرة يتراجع سنويا بواقع الثلث تقريبا لكن هذه المرة "لم يبق سوى خمسة في المئة" من التراكم الاقصى للمياه.
ويندد بما اعتبره "رغبة مفرطة" من جانب مسؤولي الشركة الوطنية للكهرباء في "تحويل كل ليتر من المياه الى كيلوواط، في هذه الفترة التي تسجل فيها اسعار استثنائية للكهرباء في السوق بسبب وضع سيء للمتساقطات في المنطقة".
هذا البلد الفقير في البلقان الذي تعاني صناعته وضعا متأزما، يملك ثروة هي مجاريه المائية. فهو من البلدان القليلة المصدرة للكهرباء في منطقة جنوب شرق اوروبا، ما در عليه 165 مليون يورو في العام 2016. وبحسب السلطات، لا تستغل البوسنة سوى 30 % من اجمالي طاقاتها الكهرمائية.
وتعزو شركة انتاج الطاقة الكهربائية من ناحيتها تراجع مستوى المياه في البحيرة الى "فترات جفاف استثنائية" بين ايلول/سبتمبر وكانون الثاني/يناير تلتها فترة تدن كبير في درجات الحرارة في كانون الثاني/يناير ما ادى الى زيادة استهلاك الكهرباء وبالتالي الحاجة الى تسريع الانتاج.
وجاء في بيان للشركة أنه "على رغم هذه الظروف، فراغ البحيرة من المياه حصل مع مراعاة القواعد وبهدف واحد، تلبية الحاجات".
- اوضاع قصوى -
وقد امرت السلطات بطلب من جمعية صيادين بإجراء تحقيق. وكلفت شركة الكهرباء الوطنية الاستاذ في كلية العلوم الطبيعية في ساراييفو سمير ديوغ اجراء دراسة بشأن الاضرار المحتملة.
هذا الاخصائي في علوم الاحياء الذي باشر مهمته، يعزو الوضع الى "جفاف شديد". ويقول لوكالة فرانس برس "انه مستوى غير مسبوق منذ ثلاثين عاما. هذا الوضع قد ينتج اثارا سلبية على صعيد التنوع الحيوي خصوصا على صعيد الاسماك وحيوانات اخرى ايضا".
ويؤكد أن "عالم المياه الحي يتمتع بقدرة على التكيف مع هذه الاوضاع القصوى" وأن الاسماك "ستعود اذا ما كانت حية".
وبالنسبة لزوران ماتيلياك ممثل الصندوق العالمي للطبيعة في البوسنة فإن الخطر يتخطى حدود يابلانيتسا، وهو يبدي قلقه ازاء مشاريع اقامة منشآت اخرى للطاقة الكهرمائية بينها "مئات المحطات الصغرى" في سائر انحاء البلاد.
ويشير ماتيلياك الى ان مشروعا واسعا تم اطلاقه في جنوب شرق البوسنة سيتطلب تحويل مسار حوالى 210 امتار مكعبة من المياه في الثانية بواسطة نظام انفاق، "اي اكثر على سبيل المثال من مستوى مياه نهر نيريتفا"، أحد اكبر خمسة انهر في البلاد.
وهذا المشروع الضخم ينذر بحصول "كارثة تامة" في محمية هوتوفو بلاتو الطبيعية التي تمثل ملاذا للطيور.