جنيف ـ (أ ف ب) – الاناضول: انتهت جولة المفاوضات السورية في جنيف وبعد ثمانية ايام من الاجتماعات، من الانتهاء من دون تحقيق اي خرق يذكر، اذ ركزت على بحث جدول أعمال يؤسس لجولات أخرى لم يتم الاتفاق عليه بعد بسبب الهوة الواسعة بين الحكومة والمعارضة.
واعلن وفد الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة مساء الجمعة انتهاء الجولة الحالية من محادثات جنيف السورية بـ”ايجابية” اكثر من السابق بعد ثمانية ايام من اجتماعات مكثفة للوفد الحكومي والوفود المعارضة مع مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا.
وقال رئيس وفد المعارضة في جنيف “هذا هو اليوم الاخير للمفاوضات للاسف الاخير”، مضيفا “رغم اننا نعود دون نتائج واضحة في يدينا لكن اقول ان هذه المرة كانت ايجابية اكثر” من السابق.
ويرى كل من الطرفين انه حقق تقدما وإن بسيطا في هذه الجولة. بالنسبة للمعارضة، تناول البحث خلال لقاءاتها مع مبعوث الامم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا الانتقال السياسي، وهو الموضوع الابرز في نظرها على طريق ايجاد الحل لنزاع مستمر منذ حوالى ست سنوات تسبب بمقتل أكثر من 310 آلاف شخص.
بالنسبة للحكومة السورية، بات موضوع مكافحة الارهاب محورا اساسيا في مواضيع البحث.
لكن ما يراه الطرفان تقدما هو في الواقع ما اصطدمت به جولات التفاوض السابقة. فلطالما طالب النظام بإعطاء الاولوية للارهاب، معتبرا ان القضاء عليه ينهي النزاع، لكن النظام يدرج معظم أطراف المعارضة في خانة “الارهابيين”. بينما تطالب المعارضة بحصر الكلام في المرحلة الانتقالية التي يفترض استبعاد أي دور فيها للرئيس بشار الاسد.
وقدّم دي ميستورا، اليوم الجمعة، مقترحات تتضمن 12 مادّة بينها مقترح “إدارة ذاتية”.
ولم يشر دي ميستورا في مقترحاته إلى قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالإدارة الانتقالية، إلاّ أنه تطرق إلى ما أسماه بـ “الإدارة الذاتية على المستوى المحلي”.
كما تتضمن المقترحات الجديدة، أفكاراً وآراء حول المحادثات الجارية منذ الخميس الماضي، في مدينة جنيف بسويسرا.
وورد في وثيقة المقترحات، التي حصلت عليها الأناضول، أن “الشعب السوري فقط هو الجهة المخولة بتقرير مستقبل البلاد، اختيار نظامها السياسي والاقتصادي، والاجتماعي، بطريقة بعيدة عن الضغوط الخارجية، ومن خلال الوسائل الديمقراطية وصناديق الاقتراع″.
وأكّد المبعوث الأممي في وثيقته على “حماية مبدأ المواطنة في سوريا، والتعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، والوحدة الوطنية، والاعتراف بالتنوع الثقافي للمجتمع السوري”، مشددًا على أن “الدولة السورية لن تكون طائفية، بل ديمقراطية تستند إلى أسس ومبادئ الإدارة الشاملة والخاضعة للمساءلة”.
ولم يقدم دي ميستورا، هذه المرة، أية إشارة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الصادر بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015 والمتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية، والذي طالما شكّل مظلة لمحادثات جنيف والمباحثات بين أطراف الأزمة السورية بشكل عام.
ويطالب القرار 2254، جميع الأطراف بالتوقف الفوري عن شن أي هجمات ضد أهداف مدنية، ويحث جميع الدول الأعضاء (في مجلس الأمن) على دعم الجهود المبذولة لتحقيق وقف إطلاق النار، ويطلب من الأمم المتحدة أن تجمع بين الطرفين للدخول في مفاوضات رسمية أوائل يناير/ كانون الثاني 2016، باستثناء المجموعات “الإرهابية” (داعش والنصرة)، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، في غضون 18 شهراً، بهدف إجراء تحول سياسي.
ورأت مصادر مشاركة في المحادثات، أن عدم تضمين الوثيقة مسائل من قبيل المرحلة الانتقالية وإعداد دستور جديد، يندرج في إطار دي ميستورا لـ “الخروج عن أرضية قرارات مجلس الأمن”.
كما قدّم المبعوث الأممي في وثيقته، مقاربة جديدة تقترح بحث مسائل التفاوض الثلاث (الحوكمة، الدستور، الانتخابات) بشكل متزامن، في وقت كان قرار مجلس الأمن ينص على تشكيل حكومة انتقالية أولاً، تقوم لاحقاً بتولي بحث مسألتي الدستور والانتخابات.
– لغز “الإدارة الذاتية”
وورد في الوثيقة عبارة أن الدولة السورية هي “دولة ملتزمة بالحفاظ على الوحدة الوطنية، والتمثيل العادل للمكونات المحلية، وممارسة الإدارة الذاتية على مستوى البلاد والمنطقة والمستوى المحلي”.
ومع ذلك، فإن الوثيقة لا تشرح المقصود بعبارة “المكونات المحلية”، فيما استخدمت عبارة “الإدارة الذاتية على المستوى المحلي”، بدلًا من عبارة “الإدارة الذاتية”.
والتقى دي ميستورا الجمعة الوفود الاربعة المشاركة في جولة المفاوضات السورية الحالية التي بدأت في 23 شباط/فبراير، والممثلة للحكومة ولاربع جهات معارضة، ابرزها وفد الهيئة العليا للمفاوضات برئاسة نصر الحريري.
وذكرت مصادر مواكبة للمفاوضات ان دي ميستورا، وبعد اجتماعات رسمية في مقر الامم المتحدة الخميس، واصل مباحثاته غير الرسمية مع الاطراف المشاركة حتى وقت متأخر من الليلة الماضية.
وبعد لقاء جمع دي ميستورا صباح الجمعة بوفد منصة القاهرة المعارضة التي تضم عددا من الشخصيات المعارضة والمستقلة بينهم المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية جهاد المقدسي، قال الاخير ان دي ميستورا “لم يتوقع اي اختراقات ولا نحن توقعنا، لكن نعتقد أنه نجح في الحفاظ على الزخم السياسي لهذا المسار”.
وأضاف “اذا أنهى (دي ميستورا) الجانب الاجرائي …، الجولة القادمة التي اعتقد ستكون قريبة، سيكون الخط فيها مفتوحا لانجاز تقدم سياسي”.
وتتوقع مصادر مطلعة على المفاوضات ان تحدد جولة جديدة خلال بضعة اسابيع.
ولم ينجح المبعوث الدولي حتى الآن في عقد جلسة تفاوض مباشر واحدة. ولم تلتق الوفود وجها لوجه الا في الجلسة الافتتاحية التي اقتصرت على كلمة القاها دي ميستورا وقال فيها انه لا يتوقع خرقا ولا معجزات.
وكان عضو الوفد المعارضة منذر ماخوس قال هذا الاسبوع “لا نزال هنا. هذا بحد ذاته إنجاز″.
وصرح رئيس وفد الحكومة الى جنيف بشار الجعفري الخميس بعد لقاء مع دي ميستورا في مقر الامم المتحدة ان النقاش تناول “مسألة مكافحة الارهاب كسلة على قدم المساواة مع بقية السلات”.
واتهم الجعفري وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لاطياف واسعة من المعارضة السياسية والعسكرية، بأخذ مفاوضات جنيف “رهينة” لرفضها اضافة الارهاب على جدول الاعمال.
وبعد حوالى ساعة من تصريحات الجعفري، خرج وفد الهيئة العليا للمفاوضات من لقاء مع دي ميستورا ليعلن بلسان الحريري ان الاجتماع تركز لليوم الثالث على “الانتقال السياسي، وهذه النقاشات تتطور اكثر كل يوم”.
وتعتبر المعارضة ان موضوع مكافحة الارهاب “لا يحتاج الى مفاوضات”.
وتتهم النظام السوري بـ”المماطلة”، عبر طلبه إضافة مكافحة الارهاب الى العناوين الثلاثة التي اقترحها المبعوث الدولي، على ان تبحث بالتوازي، وهي: الحكم والدستور والانتخابات، التي تشكل محاور العملية الانتقالية.
وبحسب مصادر في وفد الهيئة العليا للمفاوضات، فان الهيئة لا تريد بحث العناوين الثلاثة التي طرحها دي ميستورا بالتوازي، بل تفضل البدء بالانتقال السياسي اولا والتقدم في هذا الملف قبل بحث الدستور والانتخابات.
اما في ما يتعلق باضافة الارهاب، فتقول المصادر ان قبول الهيئة العليا للمفاوضات بإضافة الارهاب مرتبط باقترانه ببحث جرائم الحرب والبراميل المتفجرة التي يحملون النظام مسؤوليتها.
اما منصة القاهرة فلا مانع لديها باضافة الارهاب الى جدول الاعمال.
وقال المقدسي “ليس لدينا مانع طالما البيان الاجرائي الذي وضعه السيد دي ميستورا واضح وهو التقدم بالتوازي بين السلل”.
ويشارك مبعوثون من دول عدة، على رأسها الولايات المتحدة وروسيا، بالاضافة الى قطر وتركيا وفرنسا، في المحادثات مع الوفود بعيدا عن الاعلام وقاعات الاجتماعات الرسمية.
– الدور الروسي –
وتعول الهيئة العليا للمفاوضات على ضغوط روسية على دمشق من أجل الدفع قدما بالعملية السياسية.
وقال مصدر مقرب من وفد المعارضة لفرانس برس “كل شيء فعليا في يد الروس″.
والتقى وفد الحكومة السورية برئاسة الجعفري صباح الجمعة نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف ومجموعة من المسؤولين الروس، وفق ما ذكرت وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا”، في لقاء هو الثاني المعلن بين الطرفين الاسبوع الحالي.
وانضمت موسكو الى حليفتها دمشق بالمطالبة بإضافة الارهاب الى جدول اعمال المفاوضات، وشككت وزارة الخارجية الروسية الخميس بقدرة المعارضة السورية على التفاوض مع الحكومة.
والى جانب المباحثات الجارية مع دي ميستورا، اجرت وفود المعارضة اجتماعات هامشية ثنائية في مساعي للتوصل الى رؤية تتيح لهم إن نجحوا في تحقيقها، التفاوض مع النظام ضمن وفد واحد.