التدريس بالتكنولوجيا: تيسير التعلّم وتطوير الكفاءات

آخر تحديث 2017-03-04 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

هذا الكتاب لا محيد عنه اليوم بالنسبة للمدرسين والمفتشين التربويين والمكونين بالنظر إلى تحديات المدرسة في الألفية الثالثة التي باتت زمنًا لثورةٍ تكنولوجيةٍ.

كتاب "التعليم بالتكنولوجيا"

قراءة: د. لحسن الكيري صدر هذا الكتاب بالفرنسية سنة 2007 عن منشورات جامعة كيبيك (كندا). أما مؤلفوه فهم على التوالي كرستيان ديبوفر وتيري كارسونتي ثم فاسيليس كوميس. ويتكون هذا الكتاب من 285 صفحة، كما يحتوي على سبعة فصول بالتمام والكمال وكل فصل يعالج مسائل يتراوح عددها بين ثلاثٍ وسبعٍ، بالإضافة إلى مقدمة وعرض وخاتمة ومسرد بيبليوغرافي. ويحاول هؤلاء الباحثون والأساتذة الجامعيون مراجعة تلك النظرة الكلاسيكية جداً التي كوّنها المربون في غالب الأحيان عن التكنولوجيات. إن تفكيرهم هنا يدخل في إطار حركة واسعة تبغي بصفة رئيسة مراجعة أهداف العملية التربوية. وفي هذا السياق الموسوم بالتجديد البيداغوجي الشامل، يسعى هؤلاء الباحثون إلى تبيان قيمة التكنولوجيات وقدرتها على المساهمة في تحقيق طموحات مدرسة اليوم التي لا تمتدح معرفة الوقائع والمبادئ فقط وإنما كذلك القدرة على بلوغ معرفتها بواسطة مورد معقول أو استنفار بعض المبادئ من أجل حل مشاكل حقيقية في سياقات ذات معنى. وإذ هي تتماهى مع وجهات نظر قد توصل إليها باحثون متميزون آخرون، فإن وجهة النظر هذه التي يقترحها هذا الكتاب تفسح المجال عريضا أمام التكنولوجيات كي تأخذ مكانها اللازم داخل السياقات الإنسانية.    ويبدو أن هذا الكتاب لا محيد عنه اليوم بالنسبة للمدرسين والمفتشين التربويين والمكونين بالنظر إلى أطروحته التي يدافع عنها وبالنظر إلى تحديات المدرسة في الألفية الثالثة التي باتت زمنًا لثورةٍ تكنولوجيةٍ ما فتئت فُتوحاتُها تدهشنا يوما بعد يوماً. وسنحاول في هذه الورقة أن نقف وقفة متأنية مع أهم النقاط التي يثيرها الفصل الخامس من هذا المؤلف على سبيل التمثيل فقط لا الحصر. لكن قبل ذلك، يَجْمُلُ بنا أن نقدم فكرة و لو في عُجالة عن مؤلفي هذا الكتاب و ذلك وفق الشكل التالي: نبذة عن مؤلفي الكتاب:  نقدم ها هنا فكرة مصغرة حول مؤلفي هذا الكتاب وهم على التوالي:1- كرستيان دي بوفر: أستاذ في جامعة مُون هِينُو في بلجيكا كما يدرس في جامعة بروكسيل الحرة. هو منشط لمركز بحثي تطويري متخصص في استعمالات التكنولوجيات في التربية. كما يشتغل بفضاء تعليمي رقمي متخصص في العلوم وتكنولوجيا التربية. يوزع وقته بين التدريس والبحث والاستشارة لدى مجموعة من المنظمات الدولية. 2- تيري كارسونتي: أستاذ في جامعة مونتريال في كندا. متخصص في تكنولوجيا التعليم ومنخرط في مشروع كندي وطني يبغي جعل كندا واحدة من أهم البلدان في مجال البحث العلمي والتنمية. وهو جامع بين التكوينين الأدبي واللساني خاصة ما يتعلق باللسانيات التطبيقية. وقد حصل على مجموعة من جوائز الامتياز الوطنية والإقليمية عن أبحاثه العلمية المتميزة. ونذكر من بينها هنا على سبيل التمثيل لا الحصر: - جائزة "تكريم" من حكومة كيبيك.- جائزة PEDAGOGICA – RESCOL للتجديد التربوي المرتكز على تكنولوجيا الإعلام و الاتصال الحديثة.- جائزة لجنة تحكيم MERLOT 2009 عن مشروع حول التكنولوجيات في التربية بإفريقيا. - جائزة الامتياز في التصميم البيداغوجي من الجمعية الكندية للتعليم عن بعد.- جائزة الامتياز والتجديد لسنة 2011 من الجمعية الكندية للدراسات العليا. 3- فاسيليس كوميس: أستاذ جامعي يوناني مؤهل في علوم التربية ومتخصص بالضبط في تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التربية. يدرس في جامعة براتاس. هذا وقد حصل على الدكتوراه سنة 1993 في ديداكتيك الإعلاميات من جامعة باريس السابعة. ويدرس عدة مواد أهمها: الاستعمالات التربوية لتكنولوجيا الإعلام والاتصال وديداكتيك الإعلاميات والتطبيقات الإعلامية في التربية ومنهجية البحث في التربية وتكوين الأساتذة في التدريس بتكنولوجيا الإعلام والاتصال. له بعض الكتب الفردية والجماعية كما نشر عدة أبحاث في مجلات محكمة، تدور غالبيتها حول علوم التربية وبخاصة ما اتصل بإدماج تقنيات الإعلام والاتصال الحديثة في التدريس. هذا وقد أشرف على حوالي عشرة أطاريح جامعية وحاضر في جامعات دولية كالسوربون ومونتريال على سبيل المثال لا الحصر.    ويبدو من خلال الاطلاع على السير العلمية الخاصة بهؤلاء الباحثين أن الأمر لا يتعلق بأساتذة جامعيين على الورق فقط كما هو الشأن في العديد من الجامعات العربية ولكن نجد أنفسنا أمام باحثين حقيقين مجدين ومكافحين ومنافحين عن التجديد والتميز والأصالة في البحث. ويجب علينا أن نحتذي بهم إذا أردنا أن نجعل البحث العلمي الأكاديمي العربي يسير بطريقة صحيحة وبإيقاع معقول.    


أثر تكنولوجيا الإعلام والاتصال على التدريس


"التعليم والتعلم في الوسط المدرسي"       يلقي هذا الفصل الضوء على تكنولوجيا الإعلام والاتصال في العملية التعليمية التعلمية. بمعنى أدق يسعى هذا الفصل إلى التدليل على الإمكانيات الهائلة التي تُتيحها هذه التقنيات في تجويد أداء المدرس والمتعلم سواء بسواء في العملية التعليمية التعلمية إذا ما نحن أحسنا توظيفها. وقد تناول هؤلاء الباحثون في البداية صعوبة إدخال هذه التقنيات الجديدة إلى الوسط المدرسي خاصة فيما يتعلق بمؤسسات التعليم الابتدائي والثانوي ودورها في تطوير الكفايات والرفع من جودة التعلمات وتحسين أداء الأساتذة و ذلك بالاعتماد على مجموعة من الأبحاث الميدانية التي أُجريت في هذا الصدد. 1-تحدي إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الوسط المدرسي   يسجل الباحثون هنا على أن عملية إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في عالم التربية لا تزال تتسم بالاحتشام رغم أن هذا العالم التربوي يدخل في صميم رهانات اقتصاد المعرفة كما سبق أن شدد على ذلك باحثون آخرون. هذا مع العلم أن المجتمع اليوم بات مشبعاً بهذه التكنولوجيات إلى حد التخمة وبخاصة في المجتمعات المتقدمة. بل حتى الأساتذة الجدد لا يوظفون كفاية هذه التقنيات سواء في أميركا الشمالية أو أوروبا. ويُعزي المؤلفون السبب في كل هذا إلى ضَعف تكوين المدرسين في هذا الباب ثم تلك المقاومات التي يبديها بعضهم والناتجة عن غياب الثقة في نجاعة التقنية في العملية التدريسية. ويشدد أصحاب هذا المؤلف على حتمية توفير جميع الظروف والشروط اللوجيستيكية لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الفصول الدراسية لأنه من غير المعقول في نظرهم أن تبقى المدرسة معزولة عن التحولات الرقمية التي تَغْلِي في المجتمع وإلا لن تؤدي المدرسة رسالتها التربوية كما ينبغي. 2- أثر تكنولوجيا الإعلام والتواصل على تطوير الكفايات   يُذكّر المؤلفون ها هنا ببعض الدراسات الحديثة التي بينت بما لا يترك مجالاً للشك فضائل تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة في تطوير كفايات المتعلمين باستمرار. ومن المجالات التي تتبين فيها هذه الفضائل ما يتصل بجانب كفاية التواصل الكتابي. ولا نتعجب ما دامت الأبحاث قد بينت أن هذه التقنيات تساعد المتعلمين على تطوير مستواهم التعبيري الكتابي بصورة ملحوظة وتدقيق وتجويد إنتاجاتهم ونصوصهم باذلين مجهوداً أقل. إنها تساعدهم على التفاعل أكثر والإبداع  والتعاون وتجذبهم وتُشوقهم من أجل مواصلة المهمات التي تناط بهم من دون كلل ولا ملل ولا تعب ولا نصب.أما المجال الثاني الذي لُوحظت فيه نجاعة توظيف تكنولوجيا الإعلام والاتصال فهو مجال تعلّم الرياضيات والعلوم بصفة عامة وحل المشكلات المتصلة بذلك. ونلمس ذلك في تطوير مهارات الحساب وحل المسائل لأن المتعلم لا يجد صعوبة كبيرة في حل المسائل المعقدة ومعاينة التجارب دونما الحاجة إلى إعادة إنتاجها. ويبقى للأستاذ دائماً دورٌ جوهري في تحقق فعالية هذه التقنيات وذلك باستخدامها بطريقة فُضلى. ويضيف الباحثون مجالاً آخر أبانت فيه تكنولوجيا الاتصال والإعلام عن جدواها ويتعلق بسهولة بحث المتعلم عن المعلومة والولوج إليها    ولا يخفى على أحد ما للمعلومات اليوم من قيمة إذ يعيش الناس اليوم ما يسمى بمجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة كذلك. أما المجال الرابع الذي أثبتت فيه هذه التقنيات جدواها فهو ذاك المتصل بتسهيل التعلم بالنسبة للمتعلمين الذين يعانون من صعوبات في التعلّم ما دامت تُشجعهم وتُحفزهم على بذل مجهود أكبر من أجل تطوير مستواهم وجعلهم منتبهين ويقظين وغير خائفين أثناء إنجاز المهمات التي تُوكل إليهم. هذا من دون أن ننسى إشارة المؤلفين إلى مجالات أخرى أثبتت فيها هذه التقنيات دورها الإيجابي والفعال. 3- النقاش حول تكنولوجيا الإعلام والاتصال والتعلّم   يشير المؤلفون هنا إلى النقاش الدائر في الأوساط الاجتماعية والتربوية والسياسية والاقتصادية في أميركا الشمالية بصفة خاصة وفي باقي دول العالم بصفة عامة حول إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الأوساط المدرسية. ويسجل المؤلفون في هذا المضمار التوجه العام نحو التمكين لها في هذا السياق ما دامت فضائلها وإيجابياتُها مشهودة ومذكورة غير منكورة، وذلك على الرغم من بعض المخاوف والمقاومات التي ما فتئت تُبديها بعضُ الأطراف المتحفظة هنا وهناك.فمن إيجابياتها نذكر المرونة واليُسر والتشويق والاقتصاد والإثارة والدقة والتحفيز والتقاسم والتعاون وغيرها كثير.أما سلبياتها فكثيرٌ هم الباحثون والدارسون الذين أفاضوا فيها بحيث يذكر المؤلفون هنا حوالي 355 دراسة منجزة في هذا الباب. ومن بين هذه الدراسات نكتفي بالإشارة إلى واحدة من أهم دراسات الباحث التربوي كلارك الذي ينتهي فيها إلى أنه لا فرق في تطوير معارف المتعلّمين وتعلّماتهم  بين درس يقدمه أستاذ يستعين بتكنولوجيا الاتصال والإعلام وأستاذ آخر لا يستعين بها.  


4-أثر تكنولوجيا الإعلام والاتصال على التدريس

أثر التكنولوجيا على التعليم


4-أثر تكنولوجيا الإعلام والاتصال على التدريس   حاول المؤلفون في هذا المحور تمحيص قيمة تكنولوجيا الإعلام والاتصال وأثرها على فعل التدريس وكيفية حدوث ذلك. وقد استطاعوا إلى ذلك سبيلاً من خلال فحصهم لمجموعة من الدراسات والأبحاث سواء النظرية أو الميدانية التي أنجزها باحثون كثيرون في دول كثيرة من العالم. فبحسب المؤلفين يبدو أن الثورة الرقمية التي يعيشها العالم اليوم ستجعل تكنولوجيا الإعلام والاتصال تُعدِّلُ لا محالة وبعمق مَهَامَّ المكون وتنظيم التدريس وتَصَوُّرَ التعلّم بل بما في ذلك تلك الأساليب التي يرتهن إليها المتعلم لتملك المعرفة.    وجدير بالذكر أن المؤلفين يرون أن الأجيال الجديدة من المتمدرسين والذين تربوا في فضاء رقمي ستكون لهم كلمتهم في الدفع بأساتذتهم إلى تجديد خبراتهم الرقمية وجعلها تواكب آخر التطورات من أجل أن يفهموا ويتفهموا في ذات الآن احتياجات هذه الأجيال الصاعدة. ويبدو أن هذا الأمر يتماشى مع منطق التعلّم وليس التعليم والذي رفعته المدرسة الحديثة كشعار وعنوان دالٍ عليها. وبالتالي فإن موسوعية الأستاذ وحيازته لسلطة المعرفة قد أَمْسَتْ في خبر كان إذ بواسطة بضع نقرات زِرٍّ يستطيع المتعلّم أن يأتي بمعارف حول موضوع ما في درس ما كالتاريخ أفضل وأجود من تلك التي يَحُوزُهَا أستاذُه. لقد بات دور المعلم منحصراً في التيسير والمساعدة على كيفية توظيف التقنيات والأساليب من أجل الوصول إلى الحقائق والوقائع والخبرات بدل تلقينها ونقلها إليهم. وهذا تغيرٌ كبيرٌ في السيرورة التدريسية إِذْ لم يكن مُشَغَّلًا في النماذج البيداغوجية المتبعة سابقاً في المدارس.   ويسجل المؤلفون أن هناك ثلاث معيقات كبرى تعرقل عملية إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الوسط المدرسي وهي: التجهيزات، البرانم والدعم التقني. بل إن البعض يرى أن هناك صعوبات ومعيقات أخرى تأتي من ضعف التكوين الأساس للمدرّس وغياب المساعدة التقنية وعدم كفاية التحفز الذاتي وغياب دعم الإدارة وعدم تلاؤم البنيات التحتية المدرسية وغياب أثر التكوينات المستمرة التي يتلقاها المدرسون والتي لا تستجيب لحاجياتهم الذاتية، فما هي بالتقنية المحضة ولا البيداغوجية الخالصة، وغيرها كثيرٌ.   ويختم المؤلفون هذا المحور بالتشديد على ضرورة انخراط المدرسين في تفعيل تكنولوجيات الإعلام والتواصل في الفضاءات المدرسية، مشيرين إلى أنها يجب أن تصبح روتينًا أو طقساً يومياً لهؤلاء المدرسين كما يجب أن يثقوا في إمكانياتها البيداغوجية في العملية التعليمية التعلمية، وإلا  ستبقى المدرسة متخلفة عن التدافع والغليان التكنولوجي الذي أمسى يَعْتَمِلُ داخل المجتمع الحداثي المعاصر الذي ننعته بمجتمع الإعلام ومجتمع عصر الصورة. كيفية تحسين الوضع من أجل إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في المدرسة    في نهاية هذا الفصل يختم المؤلفون حديثهم حول مسألة إدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في الوسط المدرسي بمفارقة بادية للعيان ومثيرة للجدل في وقت واحد، وهي أنه كلما توغلت التكنولوجيات الحديثة في صلب المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتجارياً، كلما لمسنا تحفظاً للمدرسة أو إهمالاً أو احتشاماً إزاء هذه التكنولوجيات. ويبدو أن المدرسة غير واعية بقيمة الفائدة التي يمكن أن تجنيها لنفسها إن هي وظفت بطريقة رشيدة تلكم التكنولوجيات. لكن، في نفس الوقت، يُنبّه هؤلاء إلى أن ربط المدرسة بالرقميات من عتاد وتجهيزات وفضاءات غير كفيل بجني الثمار الموعودة بسرعة، كما يعتقد عامة الناس. بل إن الأمر يتعلق ها هنا بسيرورة تأخذ وقتاً من أجل أن تنضج ويتم استدخالُها كفكرة مُجدِّدَةٍ من طرف كل المتدخلين في المجال التربوي. *عنوان الكتاب الأصلي في اللغة الفرنسية«Enseigner avec les techlogies: Favoriser les apprentissages, développer les compétences»، د. لحسن الكيري كاتب ومترجم وباحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية - الدار البيضاء -المغرب.

المصدر: الميادين نت