هاربون من معارك قوات النظام والجهاديين في شمال سوريا يحتمون تحت اشجار الزيتون

آخر تحديث 2017-03-05 00:00:00 - المصدر: فرانس 24

الخاروفية (سوريا) (أ ف ب) - تفترش جومانة الارض تحت اشجار زيتون معمرة وتعد وجبة ساخنة لعائلتها التي وجدت نفسها بين ليلة وضحاها تبيت داخل خيمة في حقل موحل، شانها شأن الاف العائلات التي فرت من مناطق الاشتباك بين قوات النظام والجهاديين في شمال سوريا.

تحت سماء ملبدة ووسط حرارة منخفضة، تخلط جومانة (25 عاماً) الارز مع البرغل، وهي المواد الوحيدة المتوافرة لديها، داخل قدر اشعلت تحته اغصان زيتون مبللة، تسببت بتصاعد دخان اسود كثيف.

وتقول الشابة التي تغطي راسها بوشاح بني لفرانس برس السبت "تركنا منازلنا ولم نحضر شيئاً معنا، لا غازا ولا خبزا واطفالنا جائعون. تركنا كل شيء هناك".

واضطرت جومانة مع زوجها وطفليها و16 فرداً من العائلة الى الفرار قبل اربعة ايام من قريتها التي يسيطر عليها الجهاديون في ريف مدينة دير حافر في ريف حلب الشرقي، خوفاً من القصف الكثيف الذي تنفذه قوات النظام السوري وحلفاؤها على المنطقة.

وبعد رحلة متعبة، وصلت العائلة الى اطراف قرية الخاروفية الواقعة على بعد 18 كيلومترا جنوب مدينة منبج، والتي تسيطر عليها فصائل كردية وعربية منضوية في اطار قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن.

وبدأت قوات النظام السوري بدعم روسي هجوماً في ريف حلب الشرقي منذ منتصف كانون الثاني/يناير وتمكنت من انتزاع اكثر من تسعين قرية من ايدي الجهاديين، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

ويتخلل الهجوم قصف مدفعي وغارات سورية كثيفة على مناطق سيطرة الجهاديين، ما دفع اكثر من ثلاثين الف مدني الى النزوح نحو المناطق المجاورة مع تقدم قوات النظام، بحسب المرصد.

وتقول جومانة "كان الدواعش يقصفون والطيران يقصف واولادنا خافوا كثيراً. بالكاد تمكنا من أن ننقذ ارواحنا".

ورغم وصولها الى مكان آمن، لا تشعر بالأمان في غياب ادنى المقومات الضرورية. وتقول بحزن وهي تنظر الى الاعلى "السماء ملبدة بالغيوم والطقس بارد. اذا امطرت ستتفاقم معاناتنا".

- استياء وتعب-

تجد عشرات العائلات النازحة الى اطراف قرية الخاروفية نفسها متروكة في العراء وسط ظروف انسانية ومعيشية صعبة، في غياب كامل لاي مساعدة من المنظمات الانسانية الدولية.

وشاهد مراسل فرانس برس السبت متطوعين من جمعيات محلية يوزعون ملابس شتوية على النازحين، فيما لا يملك عدد كبير من العائلات خيماً او فرشاً أو بطانيات، ويقيمون في العراء تحت الاشجار او يتشاركون الخيمة ذاتها.

ويتشارك طراد المزيد، رجل خمسيني يغطي راسه بكوفية بيضاء، الخيمة مع عائلة اخرى بعد نزوحه من قرية جب ابيض الواقعة على بعد نحو 45 كيلومترا من منبج.

ويقول لفرانس برس فيما اطفاله يلهون قربه وارجلهم ملطخة بالوحل "نحن عائلتان تحت هذه الخيمة" مضيفاً بحسرة "وضعنا سيء، ينقصنا مكان نقيم فيه، فهذه الخيمة هي المطبخ والحمام وكل شيء".

ويروي الرجل بدوره انه اتخذ قرار النزوح بعدما "سكن عناصر داعش بيننا ولم نعد نتحمل" مع كثافة الغارات والقصف.

على بعد امتار، تجلس احلام محمد (25 عاماً) التي وصلت قبل يومين من قرية مقتلة سيراً مع فتياتها الثلاث لتقيم داخل خيمة يسكنها اقاربها.

تتحدث الشابة من خلف وشاح اسود يلف وجهها من دون ان يخفي ملامح الحزن والانفعال الواضحين ايضا في نبرة صوتها. وتقول "تركنا منزلنا عند التاسعة مساء، بعدما اختبأ داعش في منزلنا وطردنا من قريتنا التي حولها الى منطقة عسكرية".

وتضيف "خفنا كثيراً من القصف.. وخرج الناس من القرية باعداد كبيرة".

وتمهد قوات النظام وفق المرصد هجومها على القرى تحت سيطرة الجهاديين بقصف مدفعي وغارات كثيفة، ما يدفع الجهاديين تحت وابل الغطاء الناري الى الانسحاب تدريجا من القرى، واحدة تلو اخرى.

ونقلت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" السبت ان "الجيش اعاد الامن والاستقرار الى 15 قرية وبلدة في ريف حلب الشمالي الشرقي" بعد طرد الجهاديين منها.

- "كابوس" -

لم تنته معاناة احلام مع نزوحها قبل يومين. ورغم نجاتها من الجهاديين، الا ان القلق يعتريها حيال مصير زوجها الذي بقي في القرية.

وتقول بحسرة "لا اعرف مصيره الآن.. اذا كان حياً اقول الحمدلله واذا كان ميتاً فليرحمه الله" مضيفة بتردد "لا أعرف ماذا سأفعل الآن".

تتنهد احلام قليلاً قبل ان تتابع "عشنا الحرب، الطائرات والمدفعية والدوشكا تقصف والمدنيون هم الضحايا. نريد فقط الاستقرار والعيش بأمان. أتمنى أحياناً ان يكون كل ما رأيناه حلماً ونستفيق منه".

في الطريق من الخاروفية الى منبج، شاهد مراسل لفرانس برس عشرات العائلات مع اطفالها وحاجياتها على دراجات نارية وحافلات صغيرة.

وبدا كثيرون من النازحين مرهقين ومتعبين، اثناء انتظارهم في طوابير على حواجز مجلس منبج العسكري، تمهيداً لمنحهم الاذن بالتوجه الى المدينة وريفها.

وتؤوي مدينة منبج وريفها بحسب المرصد السوري "عشرات الاف النازحين" الذين فروا من معارك سابقة في المنطقة، ما يجعل توفير "الاحتياجات الملحة لموجة جديدة من النازحين.. صعبا للغاية".

وفي باحة مقر منظمة محلية للاغاثة، تجمع نازحون بانتظار الحصول على مساعدات يوزعها ستة اشخاص بلباس مدني، يضع ثلاثة منهم قبعات عليها العلم الاميركي.

ويقول احدهم بالانكليزية فيما يتولى مترجم تعريب كلامه "هذه ملابس اطفال، مساعدة من الولايات المتحدة".

ويضيف "انها مساعدة بسيطة لكن هذا ما نملكه في الوقت الحالي. سنساعد المدنيين كلما سنحت لنا الفرصة، فنحن هنا لخدمة المدنيين في المجال الانساني أيضاً".