كيف تعصف الأزمة الاقتصادية في تونس بالقطاع العام؟

آخر تحديث 2017-03-06 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

أزمة خانقة تعصف بتونس جرّاء الوضعية الاقتصادية التي كانت تُعانيها البلاد، تسبّبت بها مخلّفات النظام السابق من جهة والمطالب الاجتماعية المُتزايدة من جهة أخرى. فلم يكن أمام الحكومات المُتعاقبة إلا التداين لتغطية حاجات النفقات العمومية وتمويل المشاريع التنموية. لحلّ هذه الأزمة كانت هناك 3 وجهات للتداين التداين الثنائي وهو التداين من الدول، التداين من الأسواق المالية العالمية كالقروض الرقاعية، والتداين من المؤسسات المالية العالمية.

ارتفعت الديون الخارجية من 25 مليار دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 52 مليار دينار في أواخر 2016

منذ أكثر من 6 سنوات بدأت أزمة خانقة تعصف بتونس جرّاء الوضعية الاقتصادية التي كانت تُعانيها البلاد تسبّبت بها مخلّفات النظام السابق من جهة والمطالب الاجتماعية المُتزايدة من جهة أخرى. لم يكن أمام الحكومات المُتعاقبة بعد الثورة إلا التداين لتغطية حاجات النفقات العمومية وتمويل المشاريع التنموية. لحلّ هذه الأزمة كانت هناك 3 وجهات للتداين التداين الثنائي وهو التداين من الدول، التداين من الأسواق المالية العالمية كالقروض الرقاعية، والتداين من المؤسسات المالية العالمية. صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كانا من أهم المؤسّسات التي اتّجهت إليهما تونس للاقتراض، وقد وصلت ديون تونس بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي ما يُقارب ال 4.6 مليارات دينار إلى جانب البنك الدولي الذي وافق على منح تونس قروضاً بقيمة 5 مليارات دينار إضافة إلى القروض الجديدة المُعلن عن منحها لتونس مطلع العام الجاري من قِبَل الاتحاد الأوروبي وفرنسا في أعقاب موجة التحرّكات الاحتجاجية النابعة من الجهات الداخلية. آخر هذه القروض هو الاتفاق الذي تم مع صندوق النقد الدولي والذي أعلن بموجبه مجلس إدارة الصندوق في 13 أيار/مايو 2016 موافقته على برنامج الدعم المالي الجديد المشروط لتونس بقيمة 2.8 مليار دينار باتفاق مدته 4 سنوات في إطار تسهيل الصندوق الممدّد.


بيع حصص في بنوك عمومية

بعد موافقة صندوق النقد الدولي على القرض تم صرف القسط الأول في ديسمبر الفارط لكن تباطؤ الإصلاحات جعل بعثة الصندوق الدولي إلى تونس برئاسة السيّد بيورن روتر تصدر تقريراً بتاريخ 8 شباط/ فبراير 2017 تقرّ فيه بالتحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التونسي، كما تؤكّد على ارتفاع كتلة الأجور بالوظيفة العمومية، وجاء في التقرير "يتّفق فريق الصندوق والحكومة على ضرورة اتخاذ إجراء عاجل لحماية سلامة المالية العامة". 
على خلفية هذا التقرير قرّر الصندوق تأجيل القسط الثاني من القرض الضخم. بعد أسبوعين من هذا التطوّر صرّحت وزيرة المالية لمياء الزريبي بأن هناك إمكانية لبيع حصص بالبنوك العمومية ، وقالت الوزيرة "نحن ندرس عدّة فرضيّات من بينها إعادة هيكلة البنوك العمومية، إدماجها في بنك واحد وهي فرضية صعبة التحقيق إضافة إلى بيع حصص بها وهذه فرضية واردة".يتكوّن النظام البنكي التونسي من 22 بنكاً، 3 منها عمومية وهي البنك القومي الفلاحي والذي يختصّ بتمويل مشاريع فلاحية، وتمتلك الدولة والمؤسسات العمومية فيه أكثر من 64 بالمائة من رأس ماله، بنك الإسكان والذي يختصّ بتمويل مشاريع البناء والتعمير وتمتلك الدولة فيه أكثر من 57 بالمائة من رأس ماله، والشركة التونسية للبنك والتي تبلغ نسبة ديون القطاع السياحي بها 80 بالمائة وتمتلك الدولة فيها ما يُقارب ال 83 بالمائة من رأس مالها. 
تعاني جميع هذه البنوك من عدم القدرة على المنافسة إضافة إلى تراجع جودة الخدمات فيها، وهو ما دفع مجلس النواب إلى المصادقة على قانون إعادة رسملتها بقيمة أموال تقدّر بـ 860 مليون دينار بعد عملية تدقيق بدأت في أيار/مايو 2013 وانتهت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 في محاولة لإنقاذها من شبح الإفلاس. فكيف لبنوك وقعت رسملتها قبل سنتين بعد عملية تدقيق شاملة أن يقع التفويت فيها اليوم؟ سؤال يطرحه الكثير من الخبراء. 
لكن رئيس الحكومة أكّد في 23 شباط/ فبراير 2017 في حوار مُتلفز على قناة تونسية خاصة على إمكانية التفويت في البنوك العمومية في تلميح غير مُعلن عن فشل هيكلته. وتعتبر ما يُسمّى بالديون الكريهة أو المعدومة وهي الديون التي يصعب استرجاعها من أهم الأسباب التي وضعت البنوك العمومية في وضعية صعبة وتصل نسبتها إلى ما يقارب 23 بالمائة من إجمالي الديون. 


بيع الأملاك المُصادرَة

من جهة أخرى صادقت لجنة المالية على قرار بيع شركة إسمنت قرطاج التي تُعتبر من بين أهم الشركات المصادرة وكانت وزيرة المالية قد صرّحت في وقت لاحق بأن الدولة ستشرع في بيع الأملاك المصادرة والتي تقدّر قيمتها بأكثر من 300 مليون دينار.


صندوق النقد الدولي وعلاقته بتونس

انضمت تونس إلى صندوق النقد الدولي بشكل مُبكر سنة 1958 وكان أول قرض حصلت عليه من الصندوق سنة 1964 بقيمة 13 مليون دولار. عاشت تونس في منتصف الثمانينات أزمة اقتصادية خانقة أدّت إلى خضوعها لأول مرة إلى إملاءات الصندوق من خلال الموافقة على تطبيق برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1993 والذي نال الكثير من الانتقادات. 
نتائج هذا البرنامج كانت وخيمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي من خلال ارتفاع نسبة الفقر والارتفاع الجنوني للأسعار وانتشار البؤس وبداية تآكل الطبقة المتوسّطة والتي كانت تمثل في ذلك الوقت 83 من نسبة السكان. بعد الثورة بدأت علاقة أخرى من نوع آخر تتكوّن بين تونس وصندوق النقد الدولي من خلال رسالة النوايا الموجّهة من وزير المالية السابق سليم شاكر ومحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بتاريخ 2 أيار/مايو 2016 لمديرة الصندوق كرستين لاقارد، اعتبرا فيها أن تونس خطت خطوات كبيرة في إصلاح القطاعات المركزية للاقتصاد التونسي من خلال التشريعات التي تمت المصادقة عليها في إشارة إلى قانون الاستثمار الجديد وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص (الفقرة 32) والقانون الأساسي حول استقلالية البنك المركزي (الفقرة 31).


شروط صندوق النقد الدولي

بعد الموافقة على القرض الأخير ضمّن الصندوق في رسالة طويلة إلى الحكومة شروطاً مفصلة تهدف بصفة غير مُعلنة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد التونسي مثلما حدث في سنة 1993: · الخفض في كتلة الأجوريبلغ عدد الموظفين في القطاع العام في تونس أكثر من 630 ألف موظف وتبلغ كتلة أجورهم أكثر 13.5 مليار دينار وهو ما يمثل 45 بالمائة من ميزانية الدولة و14.2 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما اعتبره صندوق النقد الدولي من بين أرفع المعدلات في العالم. في تصريح لوكالة رويترز قالت وزير المالية لمياء الزريبي " هناك برنامج لإصلاح الوظيفة العمومية نعمل عليها الآن مع رئيس الحكومة وأول بنوده تسريح 10 آلاف موظف بصفة اختيارية بعنوان تقاعد مبكر". لكن خبراء يحذرون من هذه الخطوة لما تعانيه الصناديق الاجتماعية من خسائر وهو ما سيزيد حجم الضغط عليها. فيما أكد رئيس هيئة الخبراء المحاسبين نبيل عبد اللطيف أن ما ستجنيه الدولة من هذا التسريح الاختياري ستفقده في شكل جرايات تقاعد في الصناديق الاجتماعية. ويطالب الصندوق تونس إلى الخفض من كتلة الأجور لتصل في 2020 إلى 12.1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.· إعادة هيكلة البنوك العمومية  خضعت البنوك العمومية إلى عملية تدقيق شاملة قبل إعادة رسملتها، ورغم أن واحداً من هذه البنوك قد حقق أرباحاً بقيمة 70 مليون دينار سنة 2016 إلا أن هناك بوادر وتصريحات تؤكّد عزم الحكومة إلى الذهاب أبعد من إعادة الهيكلة إلى الخوصصة وهوما رفضته الجامعة العامة للبنوك في بيانها الصادر في 27 شباط/ فبراير 2017، مؤكدة أن تراجع مرابيح البنوك العمومية يعود إلى الإشراف والتسيير وليس إلى ملكيتها للدولة.· إقرار قانون يحافظ على استقلالية البنك المركزيفي جلسة أثارت الكثير من الجدل تمت المصادقة في 11 نيسان/أبريل 2016 على مشروع القانون المتعلّق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي وقد أثار عدد من فصوله الكثير من الخلافات، خصوصاً في ما يتعلّق باستقلاليّة البنك ووسائل الرقابة والمساءلة.  · قانون الشراكة بين القطاع العام والخاصصادق مجلس النواب التونسي في جلسة استعجالية في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 على قانون يضبط الشراكة بين القطاع العام والخاص، وكان خبراء قد حذّروا من هذا القانون معتبرين أن هذه الآلية من شأنها تسهيل عملية التفريط في المؤسسات العمومية للقطاع الخاص، وتشمل أنواع الشراكة بين القطاع العام والخاص البناء والتشغيل والتحويل.· إقرار قانون للبنوك والمؤسسات العموميةصادق مجلس النواب التونسي على قانون البنوك والمؤسسات المالية في أيار/مايو 2016، وقد أسال القانون المذكور الكثير من الحبر وأثار الكثير من الانتقادات خاصة من خبراء المالية العمومية، حيث أكّد النائب عن الجبهة الشعبية والخبير في المالية العمومية فتحي الشامخي أن هذا القانون يمهّد لاستبعاد الدولة والمؤسسات المُنتخبة من كل ماله علاقة بالعملة والقطاع المالي ككلّ، أي حرمان الدولة من أي دور تعديلي في الاقتصاد.· مشروع مجلة الاستثمار صادق مجلس النواب التونسي على مشروع مجلة الاستثمار وقد كانت هذه الخطوة من أهم شروط صندوق النقد للموافقة على القرض الجديد. ويتضمّن قانون الاستثمار الجديد ضمان منافسة عادلة بين الشركات المحلية والأجنبية ما يطرح تساؤلاً حول مردودية الاستثمار الأجنبي في الاقتصاد التونسي الذي يساهم بنسبة 3.5 من إجمالي الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة ضعيفة جداً مقارنة مع ما تنفقه الدولة التونسية لجلبه.· إلغاء الدعم تُعدّ منظومة دعم المواد الاستهلاكية في تونس من أبرز أسباب عجز الميزانية في تونس حيث تطوّر حجم الدعم من 950 مليون دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 6 مليارات دينار في 2016. كما أكد وزير الصناعة السابق زكريا أحمد أن تونس تسعى إلى اعتماد استراتجية تقوم على الرفع التدريجي من مستوى الدعم الذي ارتفع بنسبة 530 بالمائة خلال 6 سنوات.· مراجعة أنظمة الضمان الاجتماعيتعاني الصناديق من عجز كبير وصل إلى ما يقارب مليار دينار في 2016 وتعود أسباب هذا العجز إلى ارتفاع نسبة المحالين على التقاعد المُبكر والتي بلغت نسبة 60 بالمائة من إجمالي المحالين على التقاعد في الوظيفة العمومية، إضافة إلى ارتفاع أمل الحياة عند الولادة الذي بلغ 74 سنة. ويرى الخبير في الضمان الاجتماعي أن نظام التقاعد في تونس يُعدّ من أكثر الأنظمة سخاء في العالم. كل هذه الأسباب جعلت صندوق النقد الدولي يدعو إلى مراجعة أنظمة الضمان الاجتماعي في تونس، ما دفع بحكومة الحبيب الصيد إلى تقديم مقترح في الترفيع في سنّ التقاعد إلى 62 سنة.· تحرير كافة القطاعات الاقتصادية وفتح السوق التونسية بشكل كامل أمام الاستثمارات الأجنبيةرغم ضعف تنافسية المؤسسات التونسية وما تعانيه من تراجع الجودة وقلّة الإنتاجية إلا أن الحكومة وافقت بشكل كلّي على هذا الشرط الذي يؤكّد خبراء أنه سيضع المنتوج الوطني في خطر وسيمهّد الطريق لسيطرة الشركات الأجنبية على السوق.


نتيجة التداين المفرط

ارتفعت الديون الخارجية التونسية من 25 مليار دينار سنة 2010 إلى ما يقارب 52 مليار دينار في أواخر 2016. هذا الارتفاع النشط للديون جعل الدولة تضع ما يقارب 3.610 مليار دينار كأصل دين و2.215 مليار دينار كفوائد الدين في قانون المالية لسنة 2017 وهو ما يعادل ميزانيات وزارات كل من الصحة، الشؤون الاجتماعية، التشغيل والتكوين المهني، التنمية، الثقافة، التكنولوجيا والبحث العلمي، السياحة ووزارة البيئة والجماعات المحلية. 
"الوضعية الاقتصادية الخانقة خلقت انخراماً في الميزانية انتقل من 3500 مليون دينار إلى ما يقارب 6500 مليون دينار " هكذا وصف رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الوضع خلال جلسة منح الثقة في مجلس النواب التونسي ،فيما فسّر بعض الخبراء تصريحاته بأنه يلوّح لتطبيق سياسة تقشّف. هذه المديونية أنتجت شروطاً مجحفة وصفها رئيس الخبراء المحاسبين نبيل عبد اللطيف بالمستحيلة ولن تقدر لا الحكومة الحالية ولا الحكومات التي سوف تليها على تحقيقها.


المصادر

المصدر: الميادين نت