كرمى اللبنانية التي أقفلت "سجناً"!

آخر تحديث 2017-03-08 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

"النصف الآخر" في كل مجتمع المتمثّل بالمرأة، يرفل على الدوام بأثواب التضحية والعطاء، فتضم "هــــــي" تحت خافقيها: أمهات، مربيّات، مثقفّات، فاعلات، ماجدات، مجليّات، قائدات، مكافحات... وطبعاً جميعهن مناضلات، نلن بكل جدراة يوماً عالمياً إصطُلح على تسميته بـ "يوم المرأة العالمي"، و "الميادين نت" في هذا العرض يقدّم مثالاً لإمرأة عربية استطاعت بتصميمها و"تحدّيها" أن "تفعل" وتترك بصمة دامغة في إنماء مجتمعها ووطنها.

حرص وزير الدولة لشؤون المرأة على استقبال البعيني وأثنى على مسيرتها

لقد تعلمّنا على مقاعد الدراسة أن "إفتح مدرسة تقفل سجناً" وهو شعار بنيّت على مداميكه أهم المجتمعات الراقية٬ وهاهي المربية اللبنانية كرمى صابر البعيني من بلدة مزرعة الشوف في محافظة جبل لبنان تطبّق حذافير هذا القول، بكلّ ما في الكلمة من معانٍ.فقد استلمت المعلّمة كرمى إدارة مدرسة مزرعة الشوف الرسمية (الحكومية) منذ 8 سنوات في وقت كانت فيه على شفير الإقفال بعدما كان عدد طلابها لا يتعدى الـ 23 طالباً، أي أقل من عدد المعلمات والمعلمين والموظفين العاملين فيها، وكانت الأجواء السائدة تتجه نحو الإقفال الحتمي، أسوة ببعض مدارس المنطقة وغيرها من المدارس الرسمية في لبنان.تحدٍّ واجهته الشابة المتوّقدة حماساً، فعقدت العزم بينها وبين نفسها بالدرجة الأولى على المضيّ قدُماً بضرورة الإنقاذ، ولسان حالها يقول: المدرسة الرسمية لن تقفل، ستبقى، لا بل ستتطور وتكبر لتجذب طلاب المنطقة، ولتصبح مثالاً يُحتذى به بين المؤسسات التربوية.


بداية "المشوار" على أكثر من "جبهة"

ترفد المديرة طلابها بتطلعاتهم ونشاطاتهم

بذكاء وحنكة، بدأ المشوار الطويل، فكان تحرّك البعيني على أكثر من "جبهة" في العام الدراسي 2008-2009، فصاغت سيناريو شامل وخطة عمل طارئة، وانكبت على تنفيذها، وقامت بالتنسيق مع مجلس الأهل مخاطبةً الأصدقاء في المجتمع المدني فعملت على تأمين الكتب والقرطاسة والنقل مجاناً، ودفع نصف الرسوم عن كلّ طالب، وتغطية كلفة مدرسين، فضلاً عن تأمين التجهيزات التقنية المطلوبة، وصولاً إلى إعداد برامج مجانية لإجراء أنشطة لاصفيّة علمية وثقافية ورياضية وغينة وبيئية... مميّزة، وجرى التواصل مع الأهالي وحثَهم على تسجيل أولادهم، من منطلق زرع الثقة في المدرسة الرسمية، ما أفضى إلى انطلاقة موفقة.تقول البعيني في معرض عرضها لخطتها "ما وجدته عائقاً أمام تطور المدرسة، هو العمل الروتيني، عدم التجدد، غياب الجرأة في السير إلى الأمام، العقبات... كل ذلك حاولت تخطيه، لا بل تخطيته وكسرت القاعدة التي كانت متبعة حيث نهضت المدرسة نهضة جبارة تعليمية كفوءة محبة للتطور وتغيّرت صورة المدرسة وظهرت على حقيقتها بجمالها ورقيها ، بفعل تفاني أفراد الهيئة التعليمية المتعاونين إلى أقصى حدود للوصول إلى أفضل النتائج، وبالفعل كانت نتائج الامتحانات الرسمية مميزة إذّ وصلت إلى نسبة 100% و90% أحياناً. وتردف قائلةّ: "اتبعت أسلوب "التنظيم في أصغر الأمور كما في أكبرها(...) كذلك ركّزت بمعاونة الأساتذة على التربية والتواصل مع الطلاب والتقرّب منهم ومساعدتهم لحل مشاكلهم،  فأعطى هذا الأمر نتيجة ايجابية حيث ازداد حبهمّ وتعلّقهم بمدرستهم ومعلميهم ومعلماتهم".


احتضان النازحين السوريين

تحدّت كرمى الواقع فأمسى عدد طلاب المدرسة 550 طالباً بعدما كان 23 فقط

وها هي مدرسة مزرعة الشوف تزهو بمميزات النجاح بعد 8 سنوات، وقد بلغ عدد طلابها 550 طالباً ما جعلها من كبرى مدارس الشوف الأعلى، والجدير ذكره أن المدرسة تفتح ذراعيها بدوام مسائي لاحتضان النازحين السوريين بكلّ عناية،  وهم يأتون من بلدات وقرى بعيدة لمتابعة التحصيل العلمي، وزّنّر هذا الجهد بسعيٍّ حثيث ومتواصل لتوسعة المنشآت وزيادة عدد الصفوف لاستيعاب المزيد من الطلاب.... في ورشة دائمة ستبصر النور قريباً. ومن نافل القول، أن ما بذلته المربية البعيني التي تحفّ بها عائلتها الصغيرة المكوّنة من نصفها الآخر زوجها حسين وأولادها لواء ولورانس وإحسان، وأيضاً عائلة ورابطة آل البعيني في لبنان والعالم وأهالي بلدتها مزرعة الشوف والخيّرين فيها، ومجتمعها المدني من جمعية ونادٍ وبلدية وغيرها،  أسهم في إنماء الريف اللبناني من خلال بقاء الطلاب وذويهم ومعلمي المدرسة والعاملين فيها وغيرهم فيها، ورفد البلدة الوادعة بعنصر جذب بشري عبر تسليط الضوء على نجاح مرفقٍ تعليمي وحضاري.من وحيّ كل ما تقدّم، ومع أزوف يوم المرأة العالمي، قام وزير الدولة لشؤون المرأة اللبناني جان أوغاسبيان باستقبال المربية البعيني في مكتبه في الوزارة وأثنى على جهودها الشخصية على مدى سنوات، وأيضاً على جهود أسرة المدرسة، مستفسراً عن انطلاقتها ومسيرتها، ومقدّراً ما قامت وقاموا به من تضحيات وجهود.


اسم الوطن العربي... في أميركا اللاتينية

لسان حال المديرة كان يقول: المدرسة الرسمية لن تقفل لا بل ستكبُر

ويوم المرأة هو احتفال عالمي يحدث في الثامن من آذار/ مارس من كل عام، وتكون ركيزة الاحتفالات للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحبَ المرأة لإنجازاتها الحياتية والإقتصادية، والسياسية والإجتماعية، وفي بعض الدول كالصين وروسيا وكوبا تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم. الاحتفال بهذه المناسبة جاء على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي والذي عقد في باريس عام 1945 ، والأخير كان مكوّناً من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية، وكان أول احتفال عالمي بيوم المرأة العالمي، رغم أن بعض الباحثين يرجّح أن اليوم العالمي للمرأة كان على إثر بعض الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة عام 1856.وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن للمربية البعيني شقيقة دكتورة مجليّة أيضاَ في جامعات فنزويلا هي منوى البعيني، وقد حازت على تكريم في وطنها الأم لبنان العام الماضي، وهناك أيضاً شقيقان ناشطان على الأراضي الفنزويلية هما فرزان وأمين، إضافة إلى أقارب مؤسسين وأصدقاء لبنانيين في فنزويلا والقارة اللاتينية ، وهم يساهمون مع الجالية اللبنانية والعربية هناك في رفع اسم وطنهم العربي في شتى المجالات. 

المصدر: الميادين نت