عميرة أيسر: المحاولات الأمريكية لاختراق الجزائر أمنياً

آخر تحديث 2017-03-10 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

عميرة أيسر

عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات على محاولة اختراق الجزائر أمنياً واستخباراتيا وذلك عن طريق استعمال القنوات الدبلوماسية وكذلك عن طريق السَّفارة الأمريكية في الجزائر التي تعد من أكبر وأهم السَّفارات الأجنبية والغربية المتواجدة في العاصمة الجزائرية،فأمريكا التي وضعت الجزائر في المراتب الثلاث الأولى استخباراتياً بعد كل من إيران وأفغانستان حيث نشرت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ8-6-2010تقريراً صادراً عن البيت الأبيض بخصوص ميزانية جديدة بقيمة مالية تجاوزت8.9مليار دولار موجهة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية،لكي تتمكن هذه الأخيرة من ممارسة عمها ونشاطاتها الممتدة في أكثر من75دولة عبر العالم،ولكن الشيء اللاّفت في التقرير هو أن الجزائر جاءت في المرتبة الثالثة بينما حلت مصر في المرتبة13والسعودية في المرتبة15،فالولايات المتحدة الأمريكية التي زادت من حجم الأموال المخصَّصة لوكالة المخابرات الأمريكية ووكالة الأمن القومي من أجلِ التَّجسس على الجزائر لمحاولة فهم العلاقة بينها وبين حلفائها كروسيا وسوريا،إذ نشرت أوساط استخباراتية مقربة من مركز دراسات الشرق الأوسط معلومات تفيد بأنَّ روسيا تكون قد زودت سوريا عن طريق الجزائر بأكثر من27مقاتلة سوخوي متطورة وهذا ما يشكل خطرا حقيقياً بحسب أجهزة الأمن المخابراتية الإسرائيلية الأمريكية على مفاعل ديمونة النووي،لأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ترى في تشكيل خطر على القدرات النووية الصهيونية خطاً أحمر،لا يمكن تجاوزه في العقيدة الأمنية والإستراتيجية لدى الجيش الأمريكي،ولا ننسى بأنَّ تنامي القدرات العسكرية الجزائرية وخاصة في المجال البالستي والجوي وتعاظم قدرات البحرية الجزائرية باتت ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية خطراً مباشراً على تواجدها ونفوذها الجيواستراتيجي في منطقة المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط،فالجزائر التي تتخذ مواقف حازمة وصلبة اتجاه مواقف إقليمية ودولية تناقض فيها بصريح العبارة المصالح الأمنية والاقتصادية والعسكرية لولايات المتحدة الأمريكية ورغم الحلف الأمريكي الجزائري المشترك لمحاربة الإرهاب ولكن وكما هي عادة الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تحاول فرض شروطها واملاءاتها على جميع الدول العربية التي لا ترى فيهم إلا أتباعا مطيعين لها وهذا ما لم تجده في الجزائر التي تعاملت مع الولايات المتحدة الأمريكية مراراً من منطلق الندية والسيادية الوطنية وكقوة إقليمية عظمى تمتلك الكثير من أوراق اللعب الرابحة إفريقياً ومغاربياً وعربياً،وهذا ما فرض على الأمريكان القبول بمعادلات إستراتيجية وتوازنات قوى في المنطقة هم لا يريدونها خصوصا بعد أن رفضت الجزائر في أزمة عين امناس التعاون مع أجهزةCIAوMA6وDGSEوغيرها من أجهزة المخابرات الغربية التي حاولت التنصُّت على مكالمات الجيش الجزائري عبر الأقمار الصناعية لتحذير الإرهابيين داخل القاعدة البترولية التي كانوا يحتجزون الرهائن الغربيين فيها،فالعملية التي قام جهاز المخابرات الجزائرية بنجاح وقتها بعثت برسالة أمنية وسياسية واستخباراتية واضحة رسمت فسيفساء واضحة المعالم في تعاملها مع القوى الأجنبية وأجهزة استخباراتها،فالجزائر برهنت على أنها تمتلك أجهزة مخابراتية وأمنية عالية المستوى وستتعامل مع أي محاولة إرهابية أو تدخل عسكري بردٍّ صريح واضح وهو استعمال الردع العسكري وعدم التفاوض مع الإرهابيين وهذه عقيدة ثابتة وراسخة لدى الجيش والمؤسسة العسكرية الوطنية الجزائرية وهذه السياسة القوية أمنياً ودبلوماسياً لم تستسغها الخارجية الأمريكية وصناع القرار الأمني والعسكري في البنتاغون.

– لم تقف المحاولات الأمريكية عند هذا الحدِّ بل تكشف الوثائق المسرَّبة عن موقع ويكليكس اللثام عن مفاوضات سريَّة كانت تجريها الولايات المتحدة الأمريكية مع المؤسسة الأمنية والعسكرية الجزائرية،من أجل تأجير قاعدة تمنراست والتي حاولت أمريكا فعل المستحيل لحصول عليها وقوبلت برفض جزائري واضح وجلي،فالمخابرات الجزائرية جرَّت الولايات المتحدة لساحة صراع مخابراتي بعنوان تفاوضي من أجلِ معرفة حقيقة النوايا الأمريكية والأهداف الخفية من وراء هذه الرغبة المستميتة لإقامة قاعدة عسكرية في أكبر وأهم دولة افريقية ومغاربية على غرار قاعدة أفر يكوم في المغرب وقاعدة التجسس الأمريكية لطائرات بدون طيار في تونس،فحلف شمال الأطلسي الذي تتحكم فيه وتديره الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل كان يستعمل قاعدة تمنراست الجوية كمركز ثانوي لإطلاق المركبات الفضائية نحو الفضاء الخارجي،وذلك خلال الفترة الاستعمارية فهذه القاعدة التي تقع في منطقة تمنراست والتي تم إنشائها من طرف شركة أمريكية تدعىBLCوهذا ما ذكره الصحفي الروسي سيرغي يالمزوف في مقاله الذي نشرته في موقع الهيئة التأسيسية للثقافة الإستراتيجية،وتطرق إلى ملف المفاوضات الأمريكية الجزائرية بهذا الخصوص والتي جرت في الفترة الزمنية الممتدة ما بين سنوات2003-2010مما جعل الجزائر استخباراتياً الوجهة المُفضلة لعديد من أجهزة المخابرات والتجسس الأمريكية ومنها أجهزةDIA-CIA-MSA-AMERO-ANGELOوأجهزة دبلوماسية الظلِّ الأمريكية السرية،وكان هؤلاء يحاولون النشاط فوق الأراضي الأمريكية ومحاولتهم فرض ضغوطات على السُّلطات العليا لدَّولة تحت إطار التعاون الأمريكي الجزائري لمحاربة الإرهاب الذي هو بالتأكيد صناعة وفكر غربي أمريكي بامتياز،وعقدت عدَّة لقاءات بهذا الخصوص.ولكن كان أهمها ربما اللقاء الذي عقد يوم3-8-2010والذي جمع العقيد على تونسي رحمه الله والجنرال الأمريكي بركومبي وينستانلي وهو من الموظفين الكبار لدى منسق كتابة الدَّولة الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب،تبعه بعد ذلك لقاء هام أخر بالجنرال ويليام نوار قائد الأفريكوم مع قائد القوات الجوية الجزائرية،كما التقى ذات المسئول الأمريكي مع أعضاء من الوفد الحكومي الجزائري في شهر فيفري2010،من بينهم السفير الأمريكي وقتها بيرسي والذي كان مكلفاً بتحديد موقع القاعدة وجلب عتاد خفيف لشرطة الجزائرية،وكانوا واثقين من حصولهم على قاعدة تجسس لطائرات بدون طيار الأمريكية على الأراضي الجزائرية كما كانوا يعتقدون حتى حدوث موجة الربيع العبري والتي أخلطت الأوراق في المنطقة وفرضت معادلات إقليمية وجيواستراتيجية عديدة جعلت الجانب الجزائري يرفض بشكل مطلق أي تواجد لقوات أو المعدات الأمريكية والأجنبية فوق الأراضي الوطنية وخاصة بعد أن رفض الجانب الأمريكي العرض الجزائري بشراء طائرات التجسس التي كان من المزمع جلبها لقاعدة مع إشراف خبراء أمريكان على صيانتها ومراقبة نشاطها،وهذا ما رفضته قيادة البنتاغون تحت ذرائع واهية أبرزها أنها معدات إستراتيجية عالية الحساسية والدِّقة ولا يمكن بيعها لأي طرف خارجي،وهذا ما جعل التعاون الجزائري الأمريكي محل شكِّ خصوصاً بعد أن تيقّن الجانب الجزائري بأنَّ لهم أهداف تجسسية غير معلنة لهم من وراء استماتتهم في طلب تأجيرهم القاعدة بتمنراست وبأي ثمن كان ليعلن الجنرالات المسئولون عن هذا الملف في جانفي2012بأنَّهم يرفضون تأجير القاعدة بشكل قاطع للأمريكان أو أي قوة أجنبية لها نواياَ في نفس الاتجاه.

-وبعد هذا الموقف المشرف من طرف المؤسسة العسكرية الجزائرية وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الجزائر في عين العاصفة وزادت من حجم نشاطها الاستخباراتي والأمني على الجانب الشرقي في قاعدتها التي كانت سريَّة حتى وقت قريب جداً في تونس لمُحاولة اختراق الجزائر أمنياً ومعرفة أدق الأسرار العسكرية عن منظومة الأمن القومي الجزائري وحجم التسليح والعتاد المتواجد في القواعد العسكرية المنتشرة عبر الوطن،وهذا يفسر القرار الحازم لقيادة الجيش بإسقاط أي طائرة مشبوهة أو طائرة استطلاع مهما كان نوعها أو جنسيتها ومنع التحليق الأجنبي فوق الأجواء الجزائرية لأي سبب إلا طائرات نقل المسافرين المدنية.فالجانب الجزائري الذي يتجنب منذ الاستقلال شراء المعدات الأمريكية العسكرية بكميات كبيرة لأنه يعلم جيداً حسب ما ذكره مصدر مطلع في المخابرات العسكرية لمازوف بأنَّ عملية تدمير ليبيا لم تكلف الجانب الأمريكي سوى330ألف دولار ما بين عامي2008-2009وهي منح قدمها البنتاغون لجيش الليبي الذي أنتهج القذافي حياله سياسة اليد الممدودة وكانت نهايته مروعة رغم أن جهاز المخابرات الجزائرية قد أعطى عدَّة إشارات تحذير لجانب الليبي في الفترة من2003-2010بأنَّ المعدات التي قدمها الجيش الأمريكي لليبيا لم تكن إلا حصان طروادة لاختراقها أمنيا ولكن لا حياة لمن تنادي وقتها،فواشنطن تستطيع بواسطة الأقمار الصناعية وأنظمة التحكم والرصد التي زرعتها في تلك المعدات العسكرية تعطيلها في القوت المناسب وهذا ما حدث فعلا وخذل القذافي رحمه الله من طرفهم ومن طرف حلفائه الغربيين وهذا هو نفس السيناريو الذي حاولوا تطبيقه في الجزائر استخباراتيا وفشلوا بفضل يقظة جهاز مكافحة التجسس  الخارجي وخبراء التسليح وتكنولوجيا المعلومات في الجيش الجزائري.

-وعندما فشلت أمريكا في اختراق الجزائر استخباراتياً وعسكرياً لأنها دولة مغلقة بالمفاهيم العسكرية والأمنية،قدمت سنة2009حوالي8.8مليون يورو لجانب التونسي من أجل تحفيزه على التَّجسس على الجيش الجزائري،فالسياسة الأمريكية اتجاه الجزائر تظهر الود في ظاهر الأمر وخاصة من الناحية الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية ولكنها تبطن جحيم هايدغر في باطنها،إذ مخططها لتقسيم الجزائر إلى دويلات متصارعة أصبح جلياً ومعلناً،ولكن كل هذه المحاولات لن تنجح في النهاية ما دام أن مختلف الأجهزة الأمنية الوطنية على علم بالمخططات الأمريكية اتجاه الجزائر والتي لا تزال مستمرة منذ وقت بعيد،وعلى القيادة السياسية أن تحاول اللعب على مختلف الأوجه والأصعدة إقليمياً ودولياً،لإحباط المحاولات الأمريكية لتطويقنا أمنياً عن طريق إقامة قواعد عسكرية ومراكز تجسسية وجلب المرتزقة واحتضانهم في دول الجوار،تمهيداً لإحداث قلائل واضطرابات أمنية في الدَّاخل لتتدخّل من خلاها في شؤوننا،وتنفذ ما تريده معتمدة على عملائها الذين يعتبرون التحدي الرئيسي الذي على مختلف الأجهزة المختصة التعامل معه وبحذر،فالأمن القومي الوطني سيبقى محل استهداف دائم ما دام أنَّ الجزائر ثابتة على مواقفها من القضايا العربية والدَّولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

كاتب جزائري