نادية عصام حرحش: في ذكرى وفاة محمد الغزالي

آخر تحديث 2017-03-11 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

نادية عصام حرحش

تناولت قبل أيام البحث في كتاب ” كيف نتعامل مع القرآن للإمام محمد الغزالي (ليس أبو حامد الغزالي) في مدارسة أجراها الأستاذ عمر عبيد حسنه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي ، ولقد طبع هذا الكتاب للمرة السابعة في سنة ٢٠٠٥.

الامام محمد الغزالي لمن لا يعرف هو أحد دعاة الفكر الاسلامي الحديث وتوفي سنة ١٩٩٦ . سماه والده بالغزالي تيمنا بالامام ابو حامد الغزالي المتوفي سنه ١١١١. والغزالي كاتب هذا الكتاب هو مصري ، بينما ابو حامد هو فارسي الاصل ولد في طوس ايران اليوم.

تتلخص مدارسة الغزالي بأن القرآن هو المعجزه المستمرة لنا على هذه الارض ، وهو (القرآن) حدد نفسه مواصفاته باعتباره كلام الله تعالى ، واوضح أنه كامل يستجيب لما كان حالات تاريخية سابقة ، ويستمر باتجاه المستقبل عبر مختلف العصور مستجيبا بمكنوناته التي تنكشف طبقا لحالات الاستدعاء الزماني. فالقرآن الوحيد المعصوم من بين جميع الكتب السماوية ،فهو المرجع الموثق الوحيد للآخرين وقضاياهم أيضا.

بينما نعيش حياه لم نعد نعرف أين نقحم الإسلام والقرآن فيها تارة ، ونبعد الاسلام لأبعد ما يمكن ابعاده تاره أخرى . خشية ، او عدم ثقة ، او تحفظا ، او حماية ربما لما نكنه لهذا الدين من حب كوني ربما ، او حب غريزي ، او قد يكون فطري ،او هو بكل بساطة حب تربينا ونشأنا عليه ، والحفاظ عليه مرتبط بالحفاظ على كينونتنا.

ولكن تعاملنا مع الدين يشبه تعاملنا مع حياتنا ، فنحب بجهل ما هو نور ، ونخلص بتعصب لما لا يحتاج تعصبنا ، حتى اصبحنا مكبلين بعصبة من المشاعر والاحاسيس والافكار التي تكبلت بداخلنا ولم نعد قادرين الا على المشي بها كالأسير المكبل بجنازير وأثقال .

في منطقة تسمي الاسلام دينها في هذه الأيام، تضحي داعش رمزا لما يقره الإسلام شرعا وشريعة ، يتبرأ البعض منا منها لأبعد الحدود ، ويتعاطف البعض منا معها صمتا او حتى جزئيا ، يذهب البعض منا الى ما أصبح يبدو أقل تطرفا(الاخوان) ولقد وقع عليه الظلم نوعا ما في ظلمة اللا-أنسنة المسلمة في هذه الأيام . وانقسم الاسلام مرة أخرى بين تطرف يكفره تطرف ، وبين جهل يظلمه جهل ، وبين تخلف يحجبه تخلف . ويستمر الجميع برفع القرآن عاليا مدعيا صدقا في داخله ، مؤمنا بأن قرآنه وشريعته هي السنة الحقيقية والشريعة الوحيدة الواجبة التطبيق.

ولا أعرف كيف ، ولكن ، وجدت في هذه المدارسة مدارسة حقة تستحق المراجعة ، بما أنها خرجت نتاج دراسة حقة (ليس من قلم هاوية ) ، مبنية على اسس ايمانية لا تزال تستجدي بالقرآن طريقا لخلاص هذه الامة . أضع بين أيديكم ما استحسنته تلخيصا لهذه المدارسة ، علنا توقفنا قليلا وراجعنا انفسنا جميعا ، علمانيون،متدينون، سلفيون، اخوانيون، ……

أهمية هذه الدراسة لا تكمن في إعادة تفسير أو تأويل ، وإنما تكمن في محاولة تخليص الفكر الاسلامي من شوائب كثيرة ،تمهيدا لإحداث النقلة النوعية باتجاه المعرفة والمنهج في مجتمع إسلامي كان سباقا في استيعاب المتغيرات الحضارية العالمية الجديدة والبدء فيها ، فعالمية الخطاب والفكر والتوجه هي من خصائص الاسلام ،الذي اسس اول عالمية دينية بوصف النبي صلعم خاتما للأنبياء ورحمة للعالمين،وبوصف القرآن المجيد خاتما للكتب السماوية ومهيمنا عليها.

ما يحاول الغزالي القيام به من خلال هذه المدارسة هو تحديد كيفية تأثير التطورات التاريخية على موقف الائمة والتزامهم ناحية فروع الفقه ، محاولا بهذا استعادة مكانة الفقه التي تأثرت سلبا بالواقع التاريخي . حيث يحاول مكاشفة توجهات المتدارسين( الحكم والعلم، الفقه والتصوف) لتحقيق الاستقطاب الموحد لفعاليات الامة الاسلامية وتوجهاتها ضمن اطار قرآني جامع بهدف تحقيق القرآن العظيم لحضاره كامله : ” ونزلنا عليك الكتب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. ”

يؤكد الغزالي أن شروط الوعي المنهجي ،لا يتم بمجرد الانتماء الزماني لهذا العصر ،دون انتماء مكاني. فالنمو والتطور ليس مجرد تراكم كمي لمستجدات معاصرة ،تضاف أو تلحق ببناء المجتمع القديم ، وانما هو تحول كيفي في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، تستدعي تواصلا جديدا مع القرآن ،وبشروط وعي جديد ، يكونها هذا الواقع المستجد.

فالمجتمع المعاصر لا يعني استمرار المجتمع القديم بازمته الفكريه في مرحلة زمنية متقدمة ،وانما يعني ما يصيب هذا المجتمع من تحول تاريخي،يستحق بموجبه صفة المعاصرة، وفق مقاييسها الموضوعية العالمية الراهنة ،التي تمكنه من إعادة وجوده ،وفي ذلك اعادة اكتشاف المعنى القرآني نفسه في واقع متغير، وعلى هذا الاساس فان الكثير من مجتمعاتنا العربيه والاسلاميه قد ترى نفسها معاصره للعالم بالقياس الزمني ،أي لانها موجودة في نطاق هذا العصر ،ولكنها لا تعيش في الواقع حالة عصرية ،تنفتح بموجبها على شروط الوعي الحضاري العالمي الجديد، بما فيه من عقلية نقدية وتحليليه،وتطلع الى ضبط المعرفه بالمنهج ومعالجة مشكلات العصر.

وعليه فنتيجه لهذا الفصام ما بين وجود المجتمعات العربيه والاسلامية اليوم بازمتها التاريخية الفكريه ، وانغلاقها وانشدادها الى الماضي، وكونها تعيش في حقبه الزمن العالمي المعاصر ، اعطاها ذلك شعورا بالمعاصره من جهه ، مع عجزها عن التفاعل المكاني ووالزماني الذي يؤهلها لاكتشاف شروط الوعي العالمي المعاصر من جهه اخرى . لذا يحاول البعض اعاده انتاج مراحل سابقه في مراحل لاحقه ،بالاكتفاء بترديد موضوعات السلف الصالح دون الاخذ بمضمون المتغير التاريخي وضرورة الاجتهاد في عصرنا هذا . فبدلا من ان نجعل السلف الصالح قدوه في الاجتهاد ، جعلنا منهم نماذج للتقليد.

من ضمن المسائل التي تعرضت المدارسة اليها قضية النسخ في القرآن . حيث فسر بعض العلماء على ان النسخ هو انتهاء أحكام بعض الايات ،او رفعها .

اوضحت المدارسه كذلك ان الباب مفتوح لدراسات دينيه مقارنة ،يمكن ان تمهد لاكتشاف عالمية الاسلام وشمولية خطابه ،مما يساعد على اكتشاف خصائص الاسلام.

توجه المدارسه كذلك الى كيفيه التعامل مع القرآن بوصفه مصدرا للعلوم الاجتماعيه والانسانية والثقافة والحضارة.