الرئيس الروسي يرفض طلب رجب طيب إردوغان بالتنسيق لعملية مشتركة في الرقة. بينما يصعّد ترامب من التدخل العسكري الأميركي، بمعزل عن تركيا. فهذه التطورات تضع إردوغان بين خيارين أحلاهما مرٌّ، لكن الخيار التركي يرسم في نهاية المطاف المعادلات السياسية بين كل من تحالف روسيا ــ إيران وحلف ترامب في سوريا والمنطقة.
أردوغان يأمل بالعبور لمنطقة آمنة في الاستناد إلى التناقضات الدولية والإقليمية
ما سمّاه الرئيس التركي في موسكو "بقاء قضايا عالقة في الحوار مع روسيا"، هو تعبير عن رفض الرئيس الروسي ما كان يطمح إليه إردوغان للذهاب إلى الرقة بالتنسيق مع الكرملين. فالرئيس التركي أخذ معه لهذه الغاية إلى جانب وزير الخارجية، وزير الدفاع فكري إيشيك ورئيس أركان الجيش خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات هاكان فيدان. وهو يعوّل في ذلك على الاستناد إلى موسكو للضغط على واشنطن في تعديل موقفها من تجنّب مشاركته بالتدخل العسكري، وربما يراهن في هذا التلويح بالضغط على تمدّد "درع الفرات" بما يؤدي إلى أمر واقع ميداني يفرض وجوده لاعباً رئيساً في حلف ترامب العسكري والسياسي في سوريا والمنطقة ولا سيما في العراق.لكن محاولة إردوغان هذه تستهدف في المقام الأول إفراغ التفاهم الروسي ــ التركي ــ الإيراني من محتواه السياسي الذي شقّ طريقه في مسار أستانة نحو حل سياسي موازٍ لمسار جنيف. كما تستهدف في الوقت نفسه التملّص من التفاهم الروسي ــ التركي الذي بدأ في حلب لفصل المجموعات المدعومة من تركيا عن جبهة النصرة، تمهيداً لمواجهتها بموازاة مواجهة "داعش".
فما تمخّض عن "جنيف 4"، كشف عن عودة تركيا إلى المربع الأول في الحديث عن "انتقال سياسي" بمعنى استلام وتسليم السلطة، على الرغم من أن كل الأطراف ارتأت عدم تفجير المباحثات. وهو ما يشير إلى أن الأطراف المتباينة تنتظر وضوح الرؤية النهائية التي سترسو عليها الإدارة الأميركية الجديدة في تحالفاتها الإقليمية وفي سياستها الخارجية.
الرئيس الروسي لم يقطع الأمل من عودة إردوغان إلى التفاهم مع إيران وموسكو على مسار أستانة إذا اصطدم بحائط واشنطن في تحييد تركيا عن المشاركة في تصعيد التدخل العسكري بعد منبج، واعتمادها ترامب في المرحلة الأولى على قوات "سوريا الديمقراطية" العدوّ الأول لتركيا. وفي هذا الصدد ظهرت في لقاء موسكو صورة التنسيق المشترك التي خفّف منها إردوغان في قوله "نحتاج إلى بذل جهود روسية ــ تركية مشتركة لوقف سفك الدماء". لكن الكرملين لم يخفِ دعوته تركيا إلى تنفيذ الاتفاق السابق سواء في مسار أستانة مع إيران، أم في مواجهة النصرة.
إيران لم تقطع الأمل أيضاً من عودة تركيا إلى التفاهم الثلاثي مع روسيا، بحسب دعوة معاون وزير الخارجية الإيراني إبراهيم رحيم بور الذي دعا تركيا إلى تجاوز كل ما سبق و"العمل بشكل أكثر جدية على حل الأزمة السورية وعدم التدخل في العراق". وقد يكون من باب المزيد من الضغط على تركيا للعودة إلى التفاهمات قبل الباب، إعلان وزارة الخارجية السورية رفضها الاحتلال التركي للأراضي السورية ودعوتها للانسحاب. لكن واشنطن لم تحسم أمرها نهائياً في تجاوز تركيا من التدخل العسكري الأميركي، كما أوضح الناطق العسكري باسم التحالف جون دريان بأن الدور التركي لا يزال موضع نقاش في الإدارة الأميركية.
لعلّ إردوغان يحاول إيجاد منفذ بين فكي الكماشة للتمدد أبعد من مثلث جرابلس ــ الباب ــ أعزاز، في ما يعتقده فرصة سانحة في الوقت الضائع. وربما يستند في مراهناته على متغيرات أميركية في الاتجاه الذي عبّرت عنه السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي نحو مسعى "لإخراج إيران ووكلائها من سوريا على قدم المساواة مع إخراج الإرهابيين منها". لكن في هذا الوقت يعلن الجيش الروسي أن الجيش السوري يصل للمرة الأولى خلال أربع سنوات إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات في حلب. وهو يتقدم بدعم روسي في استعادة السيطرة على غرب الفرات، بينما يشير الجيش التركي إلى مواجهة مع قوات "سوريا الديمقراطية" على الرغم من تصعيد التدخل الأميركي في إنشاء قواعد عسكرية والجنود على الأرض.
الرئيس التركي الذي يتنقل بين النقاط، يأمل بالعبور إلى منطقة آمنة في الاستناد إلى التناقضات الدولية والإقليمية في فترة تبدو ضبابية. لكن مراهنته على السير بخطين متوازيين معلّقاً في الفضاء، قد يفوّت على تركيا أن تعيّد في دمّر وألا تلحق العيد في الشام.