رسالة مفتوحة الى السيد الرئيس بشار الأسد المحترم

آخر تحديث 2017-03-13 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

 

عبد الحق العاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حين بدأت شعوب أمريكا الوسطى والجنوبية في النصف الثاني من القرن العشرين تتململ للخروج من قيد الإستعباد الذي فرضه الإستكبار العالمي المتثمل في الصهيونية الأمريكية منذ مبدأ مونرو عام 1823، إشتد طغيان الإستكبار في الغزو والقتل والتخريب. فلم تسلم دولة من شيء من ذلك. وكلما زاد الرفض للهيمنة الأمريكية كلما زاد الجبروت والعدوان.

ونأخذ واحدة منها لتعلقها بما نحن بصدده، وهي نيكاراغوا. وهي بلد صغير في وسط القارة الأمريكية يسكنها قرابة ستة ملايين من شعب خليط من سكان أمريكا الأصليين والأوربيين والأفارقة والآسيويين. استعمرتها أسبانيا بين عامي  1529 و1821. ثم احتلتها الولايات المتحدة بشكل مباشر بين عامي 1909 و 1933. ثم أسلمتها بعد ذلك لعائلة سموزا لتحكمها بين عامي 1927 و 1979.

قامت في عام 1962 حركة معارضة وطنية سميت “ساندنستا”، والتي نجحت عام 1979 باسقاط نظام سموزا الفاسد والمدعوم من قبل الإستكبار الأمريكي كما حدث في كوبا قبلها.

فقام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والذي يحاول اليوم أن يبدو كحمامة سلام، بدعم معارضة مسلحة شكلتها أجهزة المخابرات الأمريكية وعرفت لاحقا باسم “الكونترا”. وحين وصل رونالد ريغان للسلطة فان التدخل اصبح أكثر عنفا وسعة. فقد تم تسليح وتدريب وتموين الكونترا ودعمها لإرتكاب الفضائع ضد نيكاراغوا وتخريب اقتصادها. ثم قامت الصهيونية الأمريكية بلغم شواطئ وموانئ نكياراغوا.

فما الذي كانت تلك الدولة الصغيرة لتفعله أمام الجارة القوية والمستكبرة والمعتدية؟

لجأت نيكاراغوا لمحكمة العدل الدولية شاكية الولايات المتحدة. فطعنت الأخيرة بسلطة المحكمة في سماع الشكوى بحجة أنها، أي الولايات المتحدة، سبق لها أن تحفظت على قبول ولاية المحكمة في خصومة تنتج عن اتفاقية دولية وحيث إن شكوى نيكارغوا جاءت بتهمة خرق ميثاق الأمم المتحدة، وهو اتفاقية دولية، فان المحكمة لا سلطة لها في تلك الخصومة.

لكن المحكمة قضت بان استعمال القوة والتجاوز على سيادة الدول هو من قواعد القانون الدولي العام مما يعطي المحكمة سلطة الولاية القضائية بغض النظر عن تحفظ الولايات المتحدة. وبرغم أن الولايات المتحدة قاطعت المحكمة إلا أن الأخيرة نظرت في الشكوى واصدرت حكماً اصبح من يومه واحداً من أهم الأحكام منذ الحرب العالمية الثانية والذي يستشهد به في كل مناسبة.

فقد قضى حكم المحكمة الصادر في 27 حزيران 1986 أن الولايات المتحدة خرقت القانون الدولي في استعمال القوة والتجاوز على سيادة نيكاراغوا وهدم اقتصادها في لغم شواطئها وفي تموين ودعم عصابات الكونترا.

فما الذي حققه حكم محكمة العدل الدولية؟

إن حكم محكمة العدل الدولية والذي أعطى نيكاراغوا تعويضاً رمزياً قدره 370 مليون دولار حقق شيئاً ما كان لنيكاراغوا أبدأ أن تحققه بأي سبيل ذلك أنه أوقف العدوان والتدخل الأمريكي في نيكارغوا منذ ذلك اليوم. فبرغم أن الولايات المتحدة استعملت حق النقض في مجلس الأمن، رغم أنها لا يحق لها أن تصوت في قضية هي طرف فيها، لمنع صدور قرار يقضي بتطبيق حكم محكمة العدل الدولية، إلا أنها توقفت عن العدوان على نيكاراغوا، فسلمت الأخيرة من الإستكبار الصهيوني ولم تكلفها المعركة سوى دعوى في لاهاي!

وقدمت أوكرانيا قبل أسابيع، وبالتحديد يوم 17 كانون الثاني 2017، شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد روسيا الإتحادية تتهم فيها هذي الأخيرة بالتخويف والضغط والتدخل العسكري في جزيرة القرم وفي دعم الإرهاب خلافا لقواعد القانون الدولي وللعهد الدولي لمنع تموين الإرهاب والذي صادقت عليه الدولتان. وما زالت الدعوى في مرحلها الأولى.

وقد تعرضت سورية لعدوان سافر لا يحتاج لإثبات حيث إن المعتدين يتسابقون في نسب دعم العدوان لأنفسهم كما تفعل السعودية وقطر والإمارات، او بالإعلان عن وجود قواتهم على أرض سورية كما تفعل الولايات المتحدة وتركيا. وهي حالة لم يسبق لها مثيل سوى في العراق بين عامي 1991 واليوم.

فلماذا لم تذهب سورية لمحكمة العدل الدولية لتقاضي الدول التي تشارك علناً في خرابها وقتل أبنائها وهدم اقتصادها بل هدم إنسانها، من تلك التي تعلن على رؤوس الأشهاد أنها تفعل ذلك كما هو الحال في السعودية وقطر والإمارات وتركيا والولايات المتحدة أو تلك التي تعمل في الخفاء كما هو حال بريطانيا وفرنسا؟

كنت قد وضعت السؤال أكثر من مرة ولم يجب عليه أحد. وقبل اسابيع كتبت لنائب وزير العدل عندكم فلم يكلف الرجل مشقة أن يرد بأنه استلم المقترح. وقد يكون له عذر فهو يعتقد كما يعتقد أكثر القضاة العرب أن القانون لا يخضع الدول.

لكنك أيها السيد الرئيس غير معذور فانت عشت في بريطانيا واطلعت على قيمة القانون ولك في ما حدث للرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً خير شاهد على قوة القانون وما يمكن للقضاء أن يفعله. فما قيمة تصريحكا  الأخير لقناة “فينكس″ الصينية بأن “أية قوات أجنبية تدخل سورية دون دعوتنا أو اذننا تعد قوات غازية أمريكية كانت أم تركية”، إذا كنت لا تنوي أن تفعل شيئا حوله؟ إذ انك لم تفعل في تصريحك سوى تأكيد ما يعرفه طالب القانون أو السياسة في مرحلة أولية من دراسته. فقاضهم حين لا تقدر على قتالهم مجتمعين فقد يكون حظك حظ نيكاراغوا فتوقف العدوان! ولا تسمعن لأحد ممن حولك يقول لك ما قيل لصدام حسين من انك إن قاضيتهم فانهم سيقاضونك أمام محكمة الجنايات الدولية. ذلك لأن أعداءك إن قرروا مقاضاتك فانهم سيفعلون ذلك بدأتهم أم لم تبدأ!

إن من غير المعقول أن تقوم دول صغيرة مثل نيكاراغوا وأوكرانيا بمقاضاة دول عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا، بينما تعجز سورية العرب التي تعيش في وجدان الأمة أن تقاضي دويلات وهمية مثل السعودية وقطر والإمارات.

والسلام

دكتوراه في القانون الدولي