"نظام الأسد" عندما يفسد الدلال الفاسد!

آخر تحديث 2017-03-14 00:00:00 - المصدر: ترك برس

خليل المقداد - ترك برس

منذ إنطلاق ثورة الشعب السوري السلمية، التي جاءت انعكاساً واستكمالاً لما بات يعرف بالربيع العربي، كان واضحاً أن نظام الأسد يحظى بغطاء دولي وإقليمي منع سقوطه، حتى مع خطوط أوباما الحمراء، وحديثه عن أيام الأسد المعدودة، في العام 2011 ورغم تدميره عشرات المدن والقرى والبلدات فوق رؤوس أبنائها، ورغم استخدامه السلاح الكيميائي عام 2013 وارتكابه مجزرة أودت بحياة أكثر من 1400 من المدنيين النيام، في عدة مناطق من ريف دمشق، استمر الأسد في تلقي الدعم من أطراف عديدة على رأسها روسيا وإيران، التي سُمِحَ لها بإرسال عشرات الميليشيات الشيعية إلى سورية.

روسيا جعلت من وطننا وشعبنا في سورية حقل تجارب لأسلحتها الجديدة، فاستخدمتها ضد الفصائل المسلحة والمدنيين على حد سواء. كثير من هذه الأسلحة صنفت على أنها أسلحة محرمة دوليا، كقنابل النابالم والفوسفور والعنقودية، والفراغية، والمضادة للتحصينات ذات القوة التدميرية الهائلة. ليس هذا وحسب، فروسيا قامت باستهداف البنية التحتية للمناطق المحررة كالمشافي والأفران والأسواق العامة ومحطات الكهرباء وتحلية المياه وفي أكثر من مدينة سورية، وهو ما يعتبر أزمة أخلاقية عالمية سمحت بهذا الحجم من الانتهاكات والفظائع التي عانى منها المدنيون.

نظام الأسد ورغم قتله وجرحه لمئات الألوف، وتهجيره لنصف سكان سورية، معظمهم من المسلمين السنة، لم تتم معاقبته وكان ينجوا من كافة القرارات الأممية الخاصة بسوريا، روسيا لوحدها استخدمت حق النقض الفيتو سبع مرات، حتى بيانات مجلس الأمن الرئاسية وتلك الأممية التي صدرت وأكدت على ضرورة فتح معابر إنسانية لإيصال المعونات الإغاثية للمناطق المحررة، لم يتم احترام أو تنفيذ أي منها.

جولات عديدة من المفاوضات جرى عقدها، في جنيف 1 و2 و3 و4 وفيينا والقاهرة وغيرها إضافة لمؤتمرات أستانا 1 و2 وقريباً 3، جميعها فشلت في التوصل لأي شكل من أشكال التسوية، في الحقيقة لم يكن هناك إرادة دولية لفرض أي حل على نظام الأسد، بل على العكس كان هناك تواطؤ فاضح من المجتمع الدولي، تعززه تفاهمات كيري – لافروف التي أنتجت عدة هدنٍ، لم تنجح أي منها في وقف آلة القتل عن العمل.

مناطق سورية عدة حوصرت لسنين، ومنع عنها الغذاء والدواء أهمها حلب، وغوطة دمشق الشرقية، والمعظمية، وداريا، ووادي بردى الذي يضم عشرات القرى والبلدات، التي عاشت لسنين تحت رحمة قوات النظام وحزب الله اللبناني، لا لشيء ولكن لإذلالها وفرض الإستسلام عليها، طبعاً حدث هذا على مسمع ومرأى من العالم، لينجح الأسد بفرض شروطه على كثير من تلك المناطق وتهجير سكانها إلى محافظة إدلب.

بعد ستة أعوام من الأزمة السورية، وبعد كل ما ارتكبه هذا النظام من جرائم، يبدو الأسد منتشياً يمارس عربدته المعتادة، ويتباهى بإنتصارات روسيةٍ – إيرانيةٍ لم تحققها قواته، ويقدم نفسه شريكا في الحرب على الإرهاب، الذي كان هو السبب في إنتشاره، ومع ذلك نجده قاب قوسين أو أدنى من استعادة علاقاته مع المنظومة العربية.

التحالف الدولي ضد الإرهاب يضم أكثر من 60 دولة، لكنه لم يتعرض لنظام الأسد سوى مرة واحدة يتيمة وعن طريق الخطأ، وذلك عندما قصفت طائراته موقعاً عسكرياً لقوات الأسد في جبل ثرده بدير الزور، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة العلاقة بين التحالف الدولي ونظام الأسد.

منذ العام 2011 سمح الغرب لبشار الأسد باستخدام المؤسسات الإعلامية، من صحف ومجلات وتلفزيون، وتقديم نفسه كرئيس شاب متحضر ومتفهم لمخاوف الغرب حيال التطرف والإرهاب، ولعل الفضل في هذا يعود إلى النصائح التي تلقاها من عدة شركات تعمل في مجال العلاقات العامة.

جميعنا بات على قناعة تامة أن التوجه الدولي العام، هو الحفاظ على منظومة الحكم الأسدي بأي وسيلة ممكنة وغير ممكنة، ولهذا السبب سنجد أنه قد تم تجيير العلاقات والمواقف الدولية والمحلية بما يتناسب مع هذا الهدف المرحلي، والمتابع لتطورات القضية السورية سيلحظ وبلا أدنى شك تقلص مجموعة أصدقاء الشعب السوري من أكثر من مئة دولة، إلى تسع دول، هي الممسك الفعلي بالملف السوري منذ البداية، بعضها أصدقاء لنظام الأسد وليس لشعبنا.

عقوبات كثيرة تم فرضها على نظام الأسد، لكنها في الحقيقة كانت عقوبات جوفاء غير مؤثرة، هدفها ذر الرماد في العيون، فما فائدة فرض عقوبات على أشخاص، بينما دول كثيرة تدعمه، وما فائدة حظر على استيراد السلاح في حين أن دولاً عظمى كروسيا زجت بترسانتها العسكرية دفاعاً عنه.

الأمم المتحدة فرضت بعض العقوبات الاقتصادية والمالية، فجمدت بعض الأموال، لكن هذه العقوبات خرقت بذرائع إنسانية، وسمح لدائرة الأسد المقربة وشركاته بسحب الأموال بحجة شراء الغذاء، هذا الغذاء الذي حرم منه السوريون في المناطق المحاصرة. حتى المساعدات الإنسانية سرقت وبيعت او تم توزيعها على حواضن النظام.

قبل شهور نشرت صحيفة الغارديان تحقيقاً اعتبر حينها فضيحة أممية تمثلت في تمويل برنامج الأغذية الأممي لمؤسسات خيرية وهمية تتبع لنظام الأسد ويشرف عليها إبن خالته رامي مخلوف بعشرات الملايين من الدولارات، الفضيحة مرت مرور الكرام لأنها في الحقيقة سياسة خفية أميط عنها اللثام بشكل غير مقصود لم يتسبب سوى ببعض الإحراج.

لقد مُنِحَ نظام الأسد كل الوقت كي يعيد الشعب السوري إلى بيت الطاعة، لكنه فشل رغم كل الدعم الإقليمي والدولي المباشر وغير المباشر، حتى المعارضة تم تهجينها وتدجينها وتلقيحها بما يتناسب مع متطلبات الحفاظ على هذه المنظومة العفنة، ويحاولون سوقها لتسوية تشرعن لهذا النظام القذر وتمنحه صك براءة عن كل ما اقترفه بحق الإنسانية من جرائم.

من جنيف 1 إلى جنيف 4 ولاحقا جنيف 5 وأستانا 1و2 و3. كل ما يجري من تحركات سياسية يهدف بالدرجة الأولى لتكريس القاتل كرئيس، رغم انف السوريين، هذا القاتل الذي أجرم بحق طائفته، قبل ان يجرم بحق المسلمين السنة، فقد نجح في جرهم إلى مستنقع بات من الصعب عليهم الخروج منه.

لاتزال بعض الدول على موقفها المبدئي من مسألة إسقاط الأسد ومحاسبة القتلة والمجرمين، في حين أن هناك من يؤيده علنا بينما يدعمه آخرون من خلف ستار، لكن يبقى القاسم المشترك بين جميع هؤلاء، هو الإستماته في تجنب تداعيات الأزمة السورية وإبقائها بعيدة عن حدودهم، لكنها ورغم ذلك ستطال المنطقة بأسرها ولو بعد حين، دعم الأسد ليس هو الحل ولن يعفيهم من التداعيات بل سيسرع حدوثها.

قد يتساءل البعض، كيف يكون هذا؟ أيعقل أن يفسد الدلال الأممي نظاماً هو بالأساس فاسد، بل يصنف على أنه من أفسد ما عرفت البشرية من أنظمة حكم؟ نعم فطوال فترة حكم الأب ومن بعده الإبن جهد النظام في تبييض صفحته، والظهور بمظهر النظام العربي القومي المقاوم، وكان يتحاشى كل ما من شأنه تشويه صورته لدى السوريين والعرب، أما اليوم فهو أشبه ما يكون بلقيط فاجر، باع العرض والدار على طاولة قمار دون أن يلقي بالاً لأحد، ولهذا كان طفلهم المدلل.

ستبقى جرائم الأسد شاهداً حياً على عجز المجتمع الدولي عن وقف جرائم ديكتاتور مهووس بالسلطة ومدعوم من أنظمة إقليمية ودولية، وفرت له الحماية والوقت اللازمين، لاستكمال فصول أبشع مذبحة يقترفها حاكم بحق شعب، كل ذنبه أنه طالب ببعض الحرية والكرامة. إنه النظام اللقيط الذي زاده الدلال فساداً.