ميشيل حنا الحاج
الفارق بين الاستراتيجية والمصالح التي تحكم العلاقة التركية الأميركية وتلك التي تحكم العلاقة الاستراتيجية الروسية التركية، فارق جوهري وفي غاية الوضوح. فالعلاقة التي تربط روسيا بتركيا، علاقة استراتيجيبة تحاورية قابلة للأخذ والرد واجراء التعديلات عليها، أما طبيعة العلاقة الأميركية التركية والتي كانت الى حين علاقة تحاورية قابلة للأخذ والرد، لكنها تبدلت فجأة، متحولة لعلاقة تناحرية لا بد ان يبدل فيها احدهما استراتيجيته تبديلا جوهريا وأساسيا لالغاء الطابع التناحري بين استراتيجيتهما، والسعي للعودة تدريجيا الى الطابع التحاوري التفاوضي بينهما. وهذا كما يبدو قد بات مستحيلا مع توغل الولايات المتحدة في مشروعها لانشاء الدولة الكردية، ورفض تركيا رفضا جذريا لهذا المشروع.
فهذا المشروع الأميركي قد باعد كثيرا بين تركيا وحليفها الودود السابق وشريكها في حلف شمال الأطلسي. وقد بدأ الصدام بينهما منذ معركة عين العرب “”كوباني” عندما بذلت الولايات المتحدة جهدا كبيرا لحمايتها من السقوط في يد الدولة الاسلامية، خلافا لموقف تركيا غير الراغبة في تقديم العون لكوباني.
وازداد الموقف الأميركي من الأكراد وضوحا يوما بعد آخر. وبلغ ذروته مع تشكيل جيش سوريا الدمقراطي المكون من الأكراد، والذي سارعت الولايات المتحدة لاحقا لمحاولة اضفاء صفة التنوع عليه بادخالها بعض العرب والآشوريين والتركمان اليه، دون التمكن من الغاء صفة الغالبية الكردية عليه. فقوات الحماية الكردية المنضوي تحت جناح جيش سوريا الدمقراطي، تخشاه تركيا كثيرا وتعتبره رديفا ومناصرا لحزب العمال الكردستاني PKK الذي تقاتله الدولة التركية.
وازداد الطين بلللا في رفض الولايات المتحدة لعملية درع الفرات التركية في الشمال السوري ووضع العراقيل في وجهها، في وقت كانت العلاقة التركية الأميركية قد ازدادت سوءا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والتي اتهمت فيها تركيا فتح الله غولن المتواجد في الولايات المتحدة، بكونه وراءها. أضف الى ذلك ازدياد العلاقة التركية الأوروبية سوءا بعد تعثر الاتفاق حول تدفق اللاجئين، مع توجه تركيا للحد من السمات الدمقراطية في بلادها اثر محاولة الانقلاب الفاشلة، ومعارضة الدول الأوروبية لابتعاد تركيا عن ملامح الحد الأدنى من الدمقراطية.
وفي المقابل، بالنسبة للعلاقة الروسية التركية، فان الخلافات بينهما كانت تنصب حول فتح الحدود التركية والسماح بمرور الأسلحة والمقاتلين المؤازرين للتمرد العسكري ضد الحكومة السورية التي تؤازرها الدولة الروسية. وهذه أمور تمت تسويتها بين روسيا وتركيا، فأغلقت الحدود اغلاقا شبه تام، وتقرر وقف اطلاق النار مع المعارضة المعتدلة، وعقد مؤتمر آستانة واحد واتنين وتبعهما جنيف ثلاثة، مقابل السماح لتركيا بتحقيق مطلبها بتنفيذ درع الفرات الساعي لتشكيل منطقة حدودية عازلة صغيرة وضيقة. ولكن يبدو أن تركيا سعت لتوسيع رقعتها بالوصول الى مدينة منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الدمقراطية، يؤازرهم تسعمائة جندي أميركي ادعت الولايات المتحدة بأنهم خبراء ومدربين عسكريين وليسوا مقاتلين.
والواقع أن المصالح الروسية والمصالح التركية لا تتنازعان كثيرا بالنسبة للمسألة الكردية. فروسيا التي غضت الطرف عن درع الفرات، لا تعارض كثيرا ظهور دولة كردية مستقلة في وقت لا حق. ولكنها تعارض ظهورها كدولة تابعة وصنيعة للولايات المتحدة، تتحول تدريجيا الى قاعدة عدوة لروسيا ولحلفائها من دول المنطقة. ومن هنا يبدو الفارق والتفاوت بين الموقفين الأميركي والروسي بالنسبة للمسألة الكردية، مما يجعل الخلاف التركي الأميركي تناحريا وعنيفا، في وقت يظل فيه الموقف التركي الروسي تحاوريا وقابلا للأخذ والرد.، وقد تبلور ذلك بوضوح في مؤتمري الآستانة الذي ضم ايران أيضا، الدولة الأخرى المتأثرة بالمشروع الكردي الأميركي. كما عكسه أيضت نتائج قمة بوتين أردوغان في موسكو والتي انتهت بوعد روسي لرفع كل العقوبات الروسية عن تركيا والتي فرضت اثر اسقاط تركيا لاحدى الطائرات الروسية.
وتجري حاليا وراء الكواليس حل مشكلة منبج، ولكن اذا تم حلها في مفاوضات موسكو الحالية بين اردوغان وبوتين، فكيف يمكن حل قضية تحرير الرقة التي تريد الولايات المتحدة الاستعجال بها والاستعانة بقوة الحماية الكردية وجيش سوريا الدمقراطي في حلها، وكأنه لا توجد قوات سورية قادرة على ذلك كما كانت قادرة على حل معضلة شرق حلب، ثم حل مشكلة تواجد الدواعش في شمال شرق حلب، والوصول لقرية “الخمسة” المسيطرة على مصادر المياه المتدفقة على حلب، حيث استطاعت سورية تحريرها من الدواعش، بعد أن حررت أيضا مدينة تدمر منهم. فلما الاستعجال اذن، ولما تجاهل الدور السوري في ذلك، بل ولما التوجه لاستخدام القوات التركية في عملية تحرير الرقة ارضاء لها، وربما تهدئة ورشوة لصرف النظر عن عملية تحرير منبج من قوات الحماية الكردية، والتي ان حصلت، قد تؤدي لاشتباكات تركية أميركية تنقل مرحلة الحوار الاستراتيجي التناحري بينهما، لمرحلة التحاور العسكري والدموي.
كاتب، مفكر ومحلل سياسي