الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
لا تُخفي إسرائيل خشيتها من أنّ القضاء عسكريًا على تنظيم “داعش” الإرهابيّ في العراق، سيدفع عناصره إلى اللجوء لمنطقتين خطيرتين على الأمن القوميّ للدولة العبريّة: الأولى، شبه جزيرة سيناء، حيث تنشط هناك “ولاية سيناء”، التي بايعت التنظيم، والثانيّة، الجزء المُحرر من هضبة الجولان العربيّة السوريّة، وبالتالي، بدأت مراكز الأبحاث في تل أبيب بنشر الدراسات الإستراتيجيّة حول اليوم الذي يلي القضاء عسكريًا على “داعش” في كلٍّ من الموصل العراقيّة والرقّة السوريّة.
مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، رأى في دراسةٍ جديدةٍ إنّ المطلوب هو أنْ ندرس بحذرٍ ما يُمكن تفسيره على أنّه شهادات على اضمحلال “الدولة الإسلامية” إثر ديناميكية الأحداث المتعلقة بها وبمحاربتها والصعوبة النابعة من ذلك في بناء السيناريوهات على أساس مستمر أحادي الاتجاه.
وإضافة إلى ذلك، أوضحت الدراسة، حتى لو اتضحّ أنّ تدهور وضع “الدولة الإسلامية” بالفعل هو بمثابة عمليةٍ متواصلةٍ، فذلك ليس دليلاً على اختفاء الظاهرة، وإنمّا على تغييرٍ محتملٍ لتكرارها، من تنظيم شبه دولة إلى تنظيم إرهاب كلاسيكيّ يُركّز على استخدام العنف، والذي يُمثل مغناطيسًا ومصدر إلهام للأفراد والتنظيمات للقيام بعمليات باسم الفكرة التي يمثلها.
وتابعت الدراسة قائلةً إنّه من الناحية العملية، فإنّ الجهات التي تُحارب “داعش” استغلت وضوحها لكي تُهاجم أهداف وممتلكات إستراتيجية ظاهرة، وكذلك خصائصها كتنظيم نصف مؤسسي له التزام ما تجاه السكان، بناءً عليه فالتغيير في بناء “داعش” وقنوات عملها باتجاه خصائص تنظيم إرهابي يتوقع أنْ يضع أمام تلك الجهات تحديًا أكثر خطورة أوْ على الأقل مختلفًا عن ذلك الذي واجهوه إلى الآن، إذْ أنّهم بالفعل سيضطرون إلى مواجهة كيان غير متبلور، بلا أهداف واضحة لمهاجمتها، أكثر “فقرًا” ولكن أقّل إلجامًا. بالإضافة إلى أنّ هذا التحدي سيصبح أكثر تعقيدًا رغم أنّ “داعش” ستُحاول أنْ تبقي على وصفها المعروف لغاية الآن، ما لم تتطوّر أيديولوجية أكثر جاذبية وأكثر راديكالية يمثل أساس أعمال أعضائها يستمر في اصطحاب العنف، وبالتالي ردود فعل مضادة.
ولفتت الدراسة إلى أنّه في بداية العام الجاري نشرت أنباء كثيرة تناولت الضعف التدريجيّ الذي حلّ بـ “الدولة الإسلامية”، وتحديدًا فقدان المناطق التي سيطرت عليها في ذروة ازدهارها، هذه الدراسات تشخص علاقة مباشرة بين فقدان أراضي “داعش” في سوريّة والعراق وبين المساس بتيار مدخولاتها، وتقدر أنّ ذلك من شأنه أنْ يشهد على نهايتها. كما أشارت إلى أنّه بحسب تقارير التحالف الدوليّ خلال العام 2016 فقدت “داعش” حوالي 62 بالمائة من المناطق التي سيطرت عليها في العراق، وفي سوريّة فقدت حوالي 30 بالمائة من أراضيها.
التداعيات الاقتصاديّة لهذه التطورات، شدّدّت الدراسة الإسرائيليّة، هي السيطرة على مجموعةٍ سكانّيةٍ أصغر، والوصول إلى موارد أقل، وسيما آبار النفط التي وفرّت مصادر دخل كبيرة في مراحل سابقة من مراحل إنشاء التنظيم. من هنا فرضت قدرة محدودة مقارنة بالماضي على كسب المدخولات المطلوبة لتمويل الصراع العسكري وتحقيق رؤية “الخلافة الإسلامية”، وبشكل عام انخفاض نسبة المنتسبين لصفوف التنظيم كجزء من توجه إضعاف تجارتها.
إحدى الدراسات البارزة الأخيرة التي تناولت الانهيار الاقتصاديّ وإضعاف التنظيم نُشرت في شباط (فبراير) الماضي، وصدرت عن “المركز الدوليّ لدراسة الراديكاليّة”، واستنتاج الدراسة هو أنّه ورغم الصعوبة في تحديد حجم مدخولات “داعش” بشكلٍ دقيقٍ، إلّا أنّه يُمكن القول إنّ مدخولاتها انخفضت بحوالي 50 بالمائة خلال العامين المنصرمين: من 1.9 بليون دولار في العام 2014 لحوالي 870 مليون دولار على الأكثر في 2016. هذه الدراسة مثل غيرها، قال مركز الأمن القوميّ الإسرائيليّ، تخلُص إلى أنّ الاضمحلال الاقتصاديّ لـ “داعش” من المتوقع أنْ يستمر، وإنّ احتلال الموصل بالكامل، وهي قلب التنظيم التجاريّ، سيكون له انعكاسات مُدمرّة على اقتصاده، لأنّه في هذه المرحلة لا دلائل على وجود مصدر دخل بديل يُعوّض الخسائر التي لحقت به في السنوات الأخيرة، وفي حال استمرار هذا الاتجاه فإنّ نموذج الدولة الإسلاميّة الاقتصاديّ سيفشل في المستقبل القريب.
علاوةً على ذلك، أوضحت الدراسة الإسرائيليّة أنّه يتحتّم دراسة مصطلح “المغالاة في تقدير الآخر”، إذْ يبدو أنّ التقديرات السابقة بشأن وضع “الدولة الإسلاميّة” الماليّ، وسيما تقديرات التحالف الدوليّ المحارب لها، تميزّت بالمبالغة. كما أكّدت على أنّ دراسات أخرى تُبيّن أنّ التقديرات بشأن حجم السكان كانت هي الأخرى مفرطة.
أمّا فيما يتعلّق بمستقبل “الدولة الإسلامية”، فأكّدت الدراسة على أنّ التحديات التي واجهتها خلال العام 2016، وسيما تدهور وضعها الاقتصاديّ، لا تُعتبر دليلاً على اضمحلال فكرتها الأساسيّة، لافتةً إلى أنّ استمرار اتجاه إضعاف “داعش” من شأنه أنْ يُمثل حافزًا على تغيير تكوينها، من تنظيمٍ يسعى إلى تأسيس تواجدٍ جغرافيٍّ وحكوميٍّ إلى كيان غير جغرافي يمثل في الأساس وسمًا ومصدر إلهام للعمليات للمجموعات والأفراد على ساحة الشرق الأوسط وخارجها بطريقة تُعيد إلى الأذهان تنظيم “القاعدة”، كما أكّدت الدراسة.
مهما يكُن من أمرٍ، فإنّ الدراسة الإسرائيليّة تنصح، وإنْ كان بشكلٍ غيرُ مباشرٍ، جميع الجهات والفئات بعدم الإسراع في نعي تنظيم “داعش”، وتُشدّد على أنّ اليوم الذي يلي اختفاء “داعش” عسكريًا عن الساحة الشرق أوسطيّة، لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال، أنّ التنظيم الإرهابيّ بات في خبر كان.