إيهاب علي النواب
أصدر رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم بيان عن المستويات المُدمِّرة لانعدام الأمن الغذائي في أفريقيا جنوب الصحراء واليمن، وإننا في مجموعة البنك الدولي نتضامن مع السكان المهدَّدين بالمجاعة الآن. ونعمل على حشد استجابة فورية من أجْل إثيوبيا وكينيا ونيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن. وشاغلنا الأول هو العمل مع شركائنا لنتأكَّد من حصول الأسر على الغذاء والماء. ونعمل على تعبئة حزمة تمويل تزيد قيمتها على 1.6 مليار دولار لبناء نظم الحماية الاجتماعية، وتقوية قدرات المجتمعات المحلية على مجابهة الأزمات، ومواصلة تقديم الخدمات للفئات الأكثر احتياجا. ويشتمل هذا على عمليات قائمة تزيد قيمتها على 870 مليون دولار ستساعد المجتمعات المحلية المُهدَّدة بالمجاعة. وإنَّني أعمل مع مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي أيضا للحصول على الموافقة على عمليات جديدة تبلغ قيمتها 770 مليون دولار، ويأتي معظم تمويلها من خلال نافذة المؤسسة الدولية للتنمية للتصدِّي للأزمات.
وستُساعد مجموعة البنك الدولي في تلبية الاحتياجات الفورية لمواجهة المجاعة الحالية، لكننا ندرك أن المجاعة ستكون لها آثار دائمة على صحة السكان، وقدرتهم على التعلُّم، وكسْب الرزق. ولذلك، سنستمر أيضا في العمل مع المجتمعات المحلية لاستعادة معايشهم وسبلهم لكسْب الرزق، وبناء قدراتهم على مجابهة الصدمات في المستقبل.
ونقوم بالتنسيق الوثيق مع الأمم المتحدة وشركاء آخرين في كل مجالات استجابتنا. وإننا نعلم أن حل هذه الأزمة الحادة لن يكون ممكنا إلا إذا تضافرت جهود كل الأطراف الفاعلة في مجالات العمل الإنساني والتنمية. ونحث المجتمع الدولي على الاستجابة السريعة والحاسمة للنداء العالمي الذي وجَّهته الأمم المتحدة لتعبئة موارد من أجل مجابهة المجاعة، وللحيلولة دون وقوع أزمات في المستقبل، يجب علينا الاستثمار في معالجة الأسباب والعوامل الجذرية للهشاشة والضعف اليوم، ومساعدة البلدان على بناء قدرات مؤسسية ومجتمعية لمجابهة الأزمات والصدمات.”
خلفية عامة
تعني المجاعة أن جزءا كبيرا من السكان لا يتاح لهم الحصول على احتياجاتهم الأساسية من الغذاء، ويعانون من سوء تغذية حاد، وأن الموت جوعا وصل إلى مستويات غير مسبوقة. ويتأثَّر الأطفال دون سن الخامسة بهذه الأزمة أكثر من غيرهم. وقد تُؤثِّر المجاعة على رفاهة جيل بأكمله. وأُعلِنت حالة المجاعة رسميا في 20 فبراير/شباط في دولة جنوب السودان، حيث تُؤثِّر على ما يقرب من مائة ألف شخص، وهناك خطر حقيقي لاحتمال حدوث حالات مجاعة أخرى في اليمن وشمال شرق نيجيريا وبلدان أخرى. وتؤدي الصراعات المحتدمة والاضطرابات الأمنية إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي لملايين من الناس في أنحاء المنطقة، وقد تفشَّت بالفعل حالات النزوح القسري والتشرُّد وغيرها من التداعيات والآثار العابرة للحدود. وعلى سبيل المثال، يؤدِّي انعدام الأمن الغذائي في الصومال والمجاعة في جنوب السودان إلى زيادة تدفُّق اللاجئين على إثيوبيا وأوغندا. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 20 مليون شخص في نيجيريا وجنوب السودان والصومال واليمن أصبحوا على “حافة السقوط في هاوية المجاعة”. وامتدت ظروف القحط والجفاف أيضا إلى أٌوغندا وأجزاء من تنزانيا. وأُعلنت حالة المجاعة السابقة في عام 2011 في الصومال التي مات خلالها 260 ألف شخص.
التعاون من أجل توفير الغذاء لأجيال المستقبل
هناك شخص من بين كل تسعة أشخاص يعاني من الجوع المزمن، وأكثر من مليار شخص مصابون بسوء التغذية، فيما يموت 3.1 مليون طفل كل عام بسبب الجوع وسوء التغذية. هذا استنزاف هائل للتنمية- فعندما يعاني الناس الجوع وسوء التغذية تقل قدرتهم على تحسين أحوالهم المعيشية، وعلى رعاية أسرهم بالشكل اللائق، وعلى أن يحيوا حياة كاملة وصحية وينتشلوا أنفسهم من براثن الفقر.
والمشكلة مرشحة للتضخم في المستقبل مع زيادة أعداد السكان، وتأثير تغير المناخ على كيفية إنتاجنا لغذائنا، بينما يزداد استنزاف الموارد الطبيعية التي تساعد على إطعام العالم. نحن لا نطعم العالم كما ينبغي في عام 2014. فكيف سنطعمه بشكل أفضل في المستقبل حينما يكون العالم في حاجة إلى إطعام وتغذية 9 مليارات شخص في عام 2050؟
في الأسبوع الماضي، دعونا قيادات من الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني لمساعدتنا على الإجابة على هذا السؤال خلال جلسة نقاشية حول توفير الغذاء للأجيال المقبلة وعلى الرغم من أنهم تناولوا السؤال من زوايا شتى، فإن إجاباتهم حامت حول ضرورة إعادة التفكير في أنظمة الغذاء حتى تغدو أكثر استدامة، وحول الحاجة إلى حلول متكاملة تشمل كل القطاعات. ونحن في مجموعة البنك الدولي نتفق على أن هناك حاجة إلى تضافر الجهود، والعمل معا للتصدي للتحدي الماثل في انعدام الأمن الغذائي. والمسألة لا تتعلق فقط بإدارة الموارد المستدامة، أو بزيادة كفاءة أنظمة التخزين والنقل، أو حتى بإنتاج المزيد من الغذاء. بل إنها تشمل كل هذا وأكثر. فإطعام العالم مهمة- وفرصة- أكبر من أن يتحملها طرف واحد بمفرده.
إذن، ما هي الخطوات التي يتخذها البنك للقضاء على الجوع الآن ومستقبلا؟
لقد زدنا التزامنا بالزراعة الواعية باعتبارات المناخ، وهو ما يمكن أن يكون أحد النهج القوية لإطعام العالم. فهو يرمي إلى إنتاج المزيد من الغذاء على مساحات أقل من الأرض، وإلى تحسين القدرة على التكيف والصمود، حتى في الوقت الذي يهدد تغير المناخ بتقليص المحاصيل الزراعية بأكثر من 25 في المائة، كما يرمي إلى تقليص الآثار البيئية إلى أقل حد ممكن واحتجاز الكربون. وهذا أمر مهم، لأن الزراعة معرضة لآثار تغير المناخ وفي الوقت نفسه تشكل جزءا رئيسيا من المشكلة. فقد وجدت الأبحاث أن الزراعة، ومعها إزالة الغابات المقترن بتغيير استخدامات الأراضي، مسؤولة عن نحو 30 في المائة من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
كما أننا نساعد البلدان على تحسين أسلوب إدارتها لأصولها الطبيعية التي يعتمد عليها إنتاج الغذاء من خلال دعم إصلاح الأراضي المتدهورة والإدارة المستدامة للغابات والمستجمعات المائية ومصائد الأسماك وقد أظهرت تجربة البنك الدولي أن كلا من المجتمعات المحلية والحكومات تستفيد من النهج الخاصة بالمناطق البرية والساحلية المنتجة التي تحسن خدمات النظام الإيكولوجي (كإمدادات المياه والحد من تآكل التربة، والتلقيح الطبيعي، وجودة التربة)، وتبني القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ وتزيد إنتاج المحاصيل والدخل على المدى الطويل. وتكتسب الإدارة الملائمة القائمة على العلم والحوافز والقواعد الصارمة أهمية خاصة لمصائد الأسماك، سواء من البحار أو من المياه العذبة، اللتين توفران المصدر الرئيسي للبروتين الحيواني لما يصل إلى مليار شخص.
وفي مسعى لتدعيم أنظمة الغذاء الغنية بالمغذيات، فإننا نعمل على زيادة دعمنا للاستثمارات التي تراعي التغذية في قطاعات أخرى تتجاوز الصحة، مثل الزراعة والتعليم والحماية الاجتماعية والمياه والصرف الصحي. ولأن الزراعة في الواقع يمكنها أن تؤثر إيجابيا على إنتاج واستهلاك الأطعمة المغذية، فإننا نراجع كل واحد من المشاريع الزراعية المزمعة لزيادة الأنشطة التي تحسن نتيجة التغذية.
كما يعمل البنك على تقليص الفاقد من الغذاء. ووجد بحثنا أن ما يقرب من ثلث إجمالي الناتج من الغذاء يضيع هباء- وبشكل أساسي خلال عمليات الإنتاج والتخزين والنقل. ويعمل البنك مع البلدان من أجل الأخذ بالأساليب الحديثة في التخزين والتوزيع، وايضا تحسين سلاسل التوريد التي تنقل الغذاء من الحقول إلى المستهلك.
ورغم التحدي المتمثل في انعدام الأمن الغذائي، فإن ندوة الأسبوع الماضي اتسمت بالتفاؤل والحيوية والإصرار على إيجاد الحلول. ونحن نشاطرهم هذه النظرة المتفائلة. ومن أجل المساعدة على إطعام العالم، ينبغي أن ننتهج أساليب شاملة ومبتكرة ومتكاملة. إن القضاء على الجوع عامل أساسي في القضاء على الفقر، ونحن أكثر التزاما من ذي قبل بوضع ما يكفي من الأطعمة المغذية في أطباق الفئات الأكثر فقرا في العالم.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط