أزمة مستوى التحكيم في إسبانيا بات حقيقة لا مفر منها، لكن تعامل الإعلام لا يزيد سوى الطين بلة!
عرف الموسم الحالي من الدوري الإسباني ارتفاعًا غير مسبوق في حدة الأصوات المُنتقدة لمستوى التحكيم، إذ لم تعد تمر مباراة واحدة لريال مدريد وبرشلونة دون أن نقرأ عناوين ساخنة في الصحف الموالية للفريقين التي اختارت أكثر العبارات وقعًا على المتلقي من أجل التعبير عن فداحة الظلم الذي يتعرض له الفريق الذي تواليه، ولتشكك في جل القرارات التي كانت في مصلحة الفريق الخصم لتخرج في نهاية المطاف لخلاصة المؤامرة التي تُحاك ضدها.
لا شك أن تأجج الحديث الإعلامي عن التحكيم مبرر هذا الموسم، فمستوى أصحاب الصافرة تراجع بشكل مخيف وأصبحت جل المُباريات تعرف لقطات شائكة وقرارات سيئة من طرف بعض الحكام، لكن الوضع كما يُصوّر في الإعلام يجعلنا نعتقد وأن الأخطاء أصبحت حكرًا على مباريات الغريمين، وكل طرف يحاول أن يُثبت أنه مظلوم وأن الطرف الآخر هو الظالم، والحقيقة التي أؤمن بها اليوم هو أن ما يروّج له الإعلام الإسباني بشكل عام حق يُراد به باطل.
وقد كان لزامًا أن أبدأ موضوعي هذا بالحديث عن دور الإعلام في الأزمة التحكيمية التي تعيشها إسبانيا اليوم، لأن الأخطاء التحكيمية في الحقيقة بعيدة كل البعد على أن تكون حكرًا على مباريات القطبين، بل إنها قد تكون أكثر فداحة في مباريات أخرى، وأتذكر هنا مثلًا ما حدث في مباراة بين إيبار وفالنسيا بداية الموسم الحالي أو أتلتيك بلباو وريال سوسيداد مؤخرًا، وهي مباريات بها أندية تعد مبدئيًا من بين الكبار، لكن صدى تلك الأخطاء لم يكد يصل أحدًا في نهاية المطاف.
أعلم كما تعلمون أن كل ما يحصل في مباريات الريال والبارسا يتم تضخيمه، فيما يتم تهميش ما يحصل في بقية المباريات، وهو ما يتنافى في رأيي مع الأخلاق الصحفية ويبقى جريًا حزينًا وراء خلق جدل من شأنه أن يرفع من نسبة القراءات، لكنه في النهاية يضر بالمنتوج الكروي الإسباني على المدى المتوسط والبعيد.
الغريب في الأمر أنه وعند إلقاء نظرة على الأداء التحكيمي ووقعه على الأندية الإسبانية، سنجد أن ريال مدريد وبرشلونة هما أكثر ناديين يستفيدان من التحكيم رغم أن صحافتهما وأحيانًا لاعبيهما هما أكثر من يشتكيان من الأمر. فقبل أسابيع قليلة قام «ميستر تشيب» (أحد أشهر المهتمين بإحصائيات الدوري الإسباني) بدراسة مؤشر التحكيم وتأثيره على أندية الدوري الإسباني، والنتيجة كانت من دون مفاجآت كثيرة: برشلونة هو الأكثر استفادة من القرارات التحكيمية ويتبعه ريال مدريد مباشرة.
Aquí tenéis todos los datos arbitrales de 2016-17. MONUMENTAL SORPRESA comprobar cuales son los 2 equipos con mejor índice arbitral. pic.twitter.com/xUVELKX5ti
— MisterChip (Alexis) (@2010MisterChip) 2 mars 2017
لست أقول هنا أن الحكام متحيزون لقطبي الكرة الإسبانية، لكن الواقع يقول أنهم حتى وإن ظُلموا في بعض المباريات، فإن حصيلتهم في نهاية المطاف مع التحكيم ستكون إيجابية عكس مجموعة من الأندية الأخرى. وإن قارنا بين استفادة الريال والبرسا من التحكيم، فقد تميل لفريق على حساب الآخر، لكني أؤمن إيمانًا شديدًا أن التأثير لن يكون بما يكفي من أجل حسم اللقب لصالح فريق على حساب الآخر.
ذلك لا يمنع من كون مستوى التحكيم متراجع وأن الإصلاحات باتت فرضًا إن أرادت إسبانيا أن تتباهى يومًا بامتلاكها لأفضل دوري في العالم، وما يزيد الطين بلة هو أن لجنة التحكيم توقفت عن اتخاذ قرارات صارمة في حق الحكام عند اقترافهم لأخطاء فادحة، وبعضكم قد يتذكر في السنوات الماضية قرارات إرجاع البعض لتحكيم مباريات الدرجة الثانية أو تجميد نشاطهم لفترة محددة، وهي أمور لم نعد نراها أبدًا.
خافيير تيباس أكّد بدوره مؤخرًا أن الاتحاد الإسباني سيلجأ لتقنية الفيديو ابتداءً من سنة 2018، وهو ما قد يقلل نوعًا ما من وطئ الأخطاء الفادحة التي أصبحنا نشاهدها، لكنه لن يحد منها بشكل كامل في النهاية لأن مجموعة من الحالات حتى مع وضوحها تبقى متوقفة على تقدير الحكم واستخدامه لروح القانون.
على الإعلام أيضًا أن يلعب دوره في تخفيف الضغوط على أصحاب الصافرة، فالحقيقة المرة التي نعيشها اليوم هي أن جل الحكام وعند اتخاذ قرار صعب غالبًا ما يميلون للطرف الأكبر وذي النفوذ الأقوى، لأنه أمر سيقيه شر الانتقادات اللاذعة التي قد يتلقاها إن هو قام بالعكس وأخطأ.
وسأختم موضوعي هذا باستحضار تصريحات للويس إنريكي عن الحكام، والتي قال من خلالها أنهم يحتاجون للمساعدة أكثر من الانتقاد، وعلى الجميع أن يُساعدهم في تأدية مهمتهم الصعبة والتي تجبرهم غالبًا على اتخاذ قرارات حاسمة في أجزاءٍ من الثانية. تطور مستوى التحكيم يحتاج منظومة كاملة، والجمهور جزء لا يتجزء منها، والإعلام أصبح في الآونة الأخيرة ربما أهم أجزائها.