منذ إعلانها عن وجود جماعة خراسان في سوريا، تمكّنت الولايات المتحدة من استهداف العشرات من قيادة تنظيم القاعدة المُخضرمين. فاسم جماعة خراسان لم يكن معروفاً إعلامياً ولا حتى للمراقبين والمُختّصين في شأن الجماعات الجهادية قبل أن يذكرها الرئيس الأميركي باراك أوباما في 19 سبتمبر/أيلول 2014. يوم بدأت الضربات الجوية للتحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. بعدها بأيام شنّت الولايات المتحدة هجمات بصواريخ انطلقت من بوارجها الحربية في البحر الأحمر، مُستهدفة ما قالت إنها معسكرات تدريب ومصنع متفجّرات ومركز اتصالات ومُنشآت للقيادة والسيطرة تخصّ جماعة خراسان غرب مدينة حلب.
ما ميّز جماعة خراسان أنها كانت وما زالت تأوي غالبية الرعيل الأول من التنظيم وأغلبهم "مهاجرون"
وهكذا عرف السوريون جماعة "خرسان" لأول مرة بعد غارة أميركية استهدفت سيارة الكويتي محسن الفضلي زعيم الجماعة في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا، عام 2014، فنجا من عملية الاغتيال تلك إلى أن سقط في عملية أخرى وقعت في يوليو/تموز 2015 في سرمدا. المعلومات التي توافرت في ما بعد حول الجماعة أكّدت أن نحو 50 من الذين تمرّسوا على القتال في أفغانستان وباكستان يُشكّلون الجماعة التي ينحدر أغلب عناصرها من دول خليجية ودول شمال أفريقية. مع وجود لعدد لا بأس به من جنسيّات غير عربية مثل باكستانية وروسية. يعتقد أن إرسالهم إلى سوريا جاء بأوامر مباشرة من زعيم القاعدة أيمن الظواهري، ليس لدعم المعارضة المسلّحة في مواجهة الجيش السوري وإنما "لتطوير هجمات للمُتشدّدين، وتصنيع واختبار عبوات ناسفة وتجنيد غربيين لتنفيذ عمليات".ما ميّز جماعة خراسان عن غيرها من الخلايا القاعدية الناشطة في سوريا أنها كانت وما زالت تأوي غالبية الرعيل الأول من التنظيم وأغلبهم "مهاجرون". كما أنها قبل مقتل الفضلي كانت تقف عائقاً أمام جبهة النصرة التي كانت تسعى إلى فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة.
الرجل الثاني في الأهمية بعد الفضلي كان السعودي عبد المحسن عبد الله إبراهيم الشارخ المعروف ب "سنافي النصر"، حيث حلّ زعيماً للجماعة بعد مقتل الفضلي. وأهمية سنافي النصر أنه كان يموّل الجماعة ويستقدم المُجنّدين من باكستان وغيرها إلى سوريا عبر تركيا قبل أن تتمكّن الولايات المتحدة من قتله في أكتوبر/تشرين الأول 2015 برفقة شخص يُكنّى "أبو يوسف" وهو أحد أمهر قنّاصي تنظيم القاعدة في غارة جوية بريف حلب شمال غرب سوريا.
ثم تلت سلسلة الاغتيالات والتصفيات، فتم استهداف القائد العسكري لجبهة النصرة أبو همّام الشامي مع ثلاثة من مجلس شورى الجبهة هم: أبو مصعب الفلسطيني وعمر الكردي وأبو البراء الأنصار في بلدة سلقين في محافظة إدلب في مارس/آذار 2015. ثم في إبريل/نيسان 2016 تمكّنت الولايات المتحدة من استهداف المُتحدّث باسم جبهة النصرة رضوان النموس المعروف ب " أبو فراس السوري" في محافظة إدلب، بعده بأربعة أيام قتلت غارة أميركية القيادي المصري رفاعي طه الذي استهدف بمحافظة إدلب خلال مهمة له في توحيد جبهة النصرة مع أحرار الشام. وكان طه من أهم القيادات المصرية في التنظيمات الجهادية قبل أن يُقتل مواطنه أحمد سلامة مبروك المعروف ب "أبو الفرج المصري" الرجل الثاني في جبهة النصرة في غارة جوية أميركية في جسر الشغور مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2016. لم تكن سنة ألفين وسبعة عشر سنة طيّبة على التنظيم في سوريا. فقد قضى أرفع رجالاته اغتيالاً وسط شكوك باختراقات داخلية في إطار من الحسابات المُعقّدة. ثمانية من قيادات القاعدة أبرزهم أبو أنس المصري، وأبو عكرمة التونسي وخطاب القحطاني وأبو عمر التركستاني وجميعهم "مهاجرون" قتلوا في 1يناير/ كانون الثاني 2017 بغارة جوية أميركية. ثم في الثاني عشر من الشهر نفسه، تبنّت واشنطن مقتل القيادي في التنظيم عبد الجليل المسلمي بمحافظة إدلب، ثم في العشرين من الشهر ذاته تبنّت من جديد مقتل مسؤول العمليات الخارجية في التنظيم محمّد حبيب بن سعدون التونسي في إدلب. ثم في 4 فبرايرا/شباط كان مقتل هاني هيكل الملقّب ب "أبو هاني المصري" الذي كان مُقرّباً من أسامة بن لادن قرب إدلب، الى أن تمّ القضاء في السابع والعشرين من الشهر على عبد الله عبد الرحمن المُلقّب "أبو الخير المصري" الذي منح الحق لجبهة النصرة في فكّ ارتباطها مع القاعدة باعتباره ممثلاً لأيمن الظواهري في سوريا. وهكذا نجد أن جزءاً كبيراً من قيادات القاعدة المُخضرمين في سوريا قد تمّ القضاء عليهم.. فكيف تم ذلك؟ من أين تحصّلت الولايات المتحدة على المعلومات المطلوبة لاستهدافهم وبعضهم لم يكن يخرج أو يتنقّل أو يمارس عملاً أو يعرف أحد بوجوده إلا قلّة قليلة من قيادات التنظيم الذين رحلوا في ما بعد؟ ما هو هدف الولايات المتحدة من الاستهداف: هل القضاء المُبرَم على تنظيم القاعدة في سوريا أم احتواء خطره الخارجي فقط؟ هل انتهت جماعة خراسان؟ ومن تبقّى حيّاً من قيادة قاعدة أفغانستان في سوريا؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة في الجزء الثاني من المقال.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً