عصبية وهدوء وغيرة ومشاعر أخرى أسّست عداوة جديدة بين مورينيو وكونتي
بقلم | هادي يحيى
نشبت مشادة حادة بين كونتي ومورينيو في اللقاء الأخير الذي جمعهما على عشب ستامفورد بريدج بالعاصمة لندن، لم أراها مجرد مشادة عابرة، ولكن رأيتها بذرة لعداوة ستتأصل في قادم المواعيد.
نوايا مورينيو
دخل البرتغالي هذه المباراة بمشاعر مختلطة ورغبة مضاعفة في الإنتقام بعد رباعية مذلة على نفس الملعب في الدور الأول من البريميرليج أو هكذا ظننا نحن، لكن سير المباراة كشف عن نوايا أخرى للسيد جوزيه مورينيو أو ربما شعور سيطر عليه وانتقل بالتبيعة إلي لاعبي فريقه، أنا أتحدث عن هذه التدخلات الحادة المبالغ في حدتها على لاعبي تشيلسي بالأخص هازارد، هل كانت متعمدة حقًا ؟! يبقى احتمال وارد، لكن الأمر الشبه مؤكد بالنسبة لي أنها حالة من العصبية اعترت لاعبي اليونايتد، الأمر أشبه بعدوى انتقلت من البرتغالي إليهم، تلك النوايا طفت على السطح حتى أن حكم المباراة إشتمها وحذر القائد سمالينغ من تكرار التدخلات العنيفة الغير مبررة على هازارد، وهو ما يفسر الإنذار الثاني الذي تحصل عليه هيريرا بعدما قام بخطأ على هازارد بعد تحذير الحكم مباشرة، ربما أضاف هازارد لمحة للمشهد الدرامي لكن حتى ولو كانت حالة الطرد محل جدل فعلى الأقل أسبابها ودوافعها كانت جلية للجميع.
طرد هيريرا كان جِذر إضافي في شجرة عداوة تتأصل جذورها شيئًا فشيئًا بين مورينيو وكونتي، فهذا الطرد سيُبقي عنف لاعبي اليونايتد تلك الليلة في الأذهان، والذي ربما كان سيصبح محل النسيان لولا الكارت الأحمر الذي كان بمثابة توثيق لهذه الحالة من العصبية، لكن السؤال هنا لماذا كل هذه العصبية يا سيد مورينيو ؟!
دوافع مورينيو
أسباب كثيرة جعلت مورينيو في هذه الحالة أبرزها غياب الحلول الهجومية، والتي تركته مع راشفورد وحيدًا أمام ترسانة دفاعية أثنى عليها مورينيو قبل غيره، وقلصت آماله في رد اعتباره بعد هزيمة نكراء برباعية نظيفة، ثم جاء الطرد ليقضي على آخر تلك الآمال وما ساعد على ذلك هو التراجع الدفاعي المبالغ فيه بالنسبة لمباراة كأس، وهذا يدل على أن رغبة مورينيو في الخروج بأقل الخسائر كانت أكبر من رغبته في التأهل لنصف النهائي.
هدوء كونتي
أما على الجانب الأخر فالسيد أنطونيو الذي شعر في مباراته الأولى ضد مورينيو بأنه على وشك التعامل مع شخصية غريبة تتدخل أحيانًا كثيرة فيما لا يعنيها، بعدما أخبره مورينيو أن الاحتفال بهذه الطريقة المبالغ فيها - من وجهة نظره - والنتيجة تشير إلي 4-0 هو أمر مهين، تأكد الآن من هذا الأمر ويمكن تبرير صراخه في وجه البرتغالي بأنه كان دفاعًا عن لاعبيه، وللحظة ظننت أنني أشاهد الجزء الرابع لسلسلة أفلام الأب الروحي، فلا يوجد وصف أفضل من هذا لما يمثله كونتي بالنسبة لأفراد فريقه.
ولكن يبدو من تصريحات الإيطالي أنه يتمتع بذكاء كافٍ ليبتعد عن أي حرب كلامية مع رجل اعتاد على تلك الأمور، وأظن أن الشيء الوحيد الذي كسبه مورينيو من هذه العداوة الجديدة هي أن المحاضرة التي يتلقاها فريق تشيلسي قبل مباراة اليونايتد ستكون أكثر قوة وحماسة من أي مباراة أخرى.
عودة إلي الأسباب التي دفعت مورينيو لتلك العصبية، فبالتأكيد الهتافات المعادية من بعض جماهير تشيلسي على البرتغالي أغصبته بشدة فما كان رده سوى أن رفع ثلاثة أصابع للجماهير في إشارة إلي ألقاب الدوري الإنجليزي الثلاثة التي حققها رفقة البلوز، وهو ما أكدته تصريحاته بعد المباراة أنه المدرب رقم واحد في تاريخ هذا النادي حتى يأتي مدرب أخر ويفوز بأربعة ألقاب للدوري حينها سيصبح المدرب رقم 2، وسخر من وصفه ب"يهوذا" كناية عن خيانته، وقال : "إذًا الخائن هو رقم 1 في تاريخكم".
دوافع جماهير البلوز
أنا متفهم لكره شريحة كبيرة من جمهور البلوز لمدربهم السابق، فهو الذي كان مكروه من جماهير الفرق المنافسة في كل مكان عمل به، بالتأكيد لن يحتاج إلي وقت حتى يحصد كره أكثر الجماهير التي أحبته، لكن غير المفهوم بالنسبة لي هو عدم نيله التقدير والاحترام فهو خرج من الفريق رُغمًا عنه بإقالة لها أسباب لا مجال لطرحها الآن، لكنه بالنهاية لم يهرب من الفريق أو استقال بمحض إرادته وذهب إلي اليونايتد، هذا الانتقال يخرجه من دائرة الوفاء بكل تأكيد لكنه لا يدخله دائرة الخيانة بالضرورة، وهو الأمر الذي استعصى فهمه على قطاع كبير من جماهير تشيلسي.
استكمالًا لهذا الحديث فمورينيو لم يخطأ بحق جماهير تشيلسي بعد انتقاله للشياطين الحمر سوى مرة وحيدة عندما رفض التوقيع على قميص تشيلسي لأحد المشجعين، وهو ما أراه تصرف غير أخلاقي وغير رياضي بالمرة، لكن ربما مبرره الوحيد هو رغبته في إظهار مدى احترافيته وأنه يركز مع فريقه الجديد وطوى صفحة تشيلسي، عدا ذلك فتصريحاته عادية يمدح فيها فريقه الحالي وجماهيره، ربما هذا ما استفز جمهور تشيلسي، لكن ما الغريب في تصريحات كتلك ؟!، هل من المُفترض أن لا يمدح مدرب فريقه الحالي لأنه كان مدرب لفريق منافس قبل ذلك ؟!
في النهاية العاطفة هي من تقود أفعالنا كبشر في أغلب الأحيان، وهي التي قادت بعض ممن كانوا يتغنون باسم مورينيو من مشجعي البلوز في الوطن العربي إلي حد تحوير تصريحاته واجتزائها سواء عن قصد أو نَقلها دون قصد، أما بالنسبة لتصريحاته عن الراحة التي يتلقاها لعدم ارتباطه بمواعيد أوروبية فشأنه في ذلك شأن باقي المدربين الذين أدلوا بمثل تلك التصريحات أيضًا.
لكن تصريحاته عن أداء الفريق ستقودنا للسبب الأخير الذي دفع مورينيو للوصول لتلك الحالة من العصبية في مباراة الكأس ألا وهو الغيرة، فتصريحات مورينيو حول أداء البلوز تبدو في ظاهرها عادية لكنها تحمل في طياتها إشارة على غيرة واضحة مما توصل إليه الإيطالي في فترة وجيزة، فمورينيو يقول أن تشيلسي لا يقدم شيئًا مختلف عما قدمه مع الفريق عندما فاز بالدوري موسم 2015، فالفريق يدافع بشكل جيد ويقتنص الأهداف، هذا صحيح في ظاهره ففلسفة الفريق لم تتغير والدفاع القوي مازال حجر الأساس للبلوز، لكن الأسلوب الذي يعتمده كونتي يمكن القول ببساطة بأنه أكثر توازنًا بين الهجوم والدفاع والسيطرة على الكرة، وهو الأمر الذي كان يرنو إلي الوصول إليه مورينيو رفقة تشيلسي سابقًا والدليل على ذلك هو أنه ينفذ ذلك حاليًا مع اليونايتد وربما بشكل أكثر وضوحًا، وهو ما يدفعه للغضب من الصحافة التي كانت تقلل من الكرة الدفاعية التي كان يقدمها رفقة البلوز، والآن تعمي أعينها عن الكرة الهجومية الجذابة - على حد تعبيرهم – التي يقدمها اليونايتد في عهده، وعلى العكس تشيد بالكرة الدفاعية الحالية لتشيلسي والتي من وجهة نظر مورينيو فقط مماثلة لما كان يقدمه معهم.
وكان رد كونتي على هذه الادعاءات بسيط ومقتضب بأن فريقه يمتلك دفاع قوي بالفعل، لكنه أيضًا وبالأرقام ثاني أقوى خط هجومي، وأن الفريق الجيد لابد وأن يمتلك دفاع قوي، وهو ما يؤكد ما ذكرناه سابقًا بأن كونتي لن يشغل باله بتصريحات مورينيو الاستفزازية وسيواصل التركيز مع فريقه، لكن بالنهاية هذا لن يخفي حقيقة أن هناك عداوة جديدة قد بدأت في البريميرليج.