"على فين واخداني عينيك"

آخر تحديث 2017-03-18 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

هذا نحن... نحن إسماعيل ياسين، بينما الخمّارة هي المنطقة العربية، والمُتعاركون هم كل الأطراف الدولية التي لا يبدو لإسماعيل ياسين فهم تحزّباتها جيّدا.

قرأت تقريراً على أحد مواقع مراكز "أبحاث الشرق الأوسط" الكثيرة يصف موقف مصر من الصراعات المُحتدمة بالمنطقة بـ"المحير وغير المفهوم". لا أعلم، هل يظن الباحث كاتب التقرير أننا نفهم ما يحدث ومن ثم نمارس اللؤم على العالم؟

عموما هناك مثل مصري يقول: "الصيت ولا الغنى".. فليظن بنا العالم الظنون.

الناس بالداخل المصري غير معنيين كثيراً بما يحدث حولهم بالمنطقة، سوى في ما يتعلق بخوفهم من دخول داعش التي يبدو أنها موجودة في مصر بقوة، وتمارس أهوالها وإرهابها على الناس في سيناء، ولسبب ما لا أحد يريد أن يوجّه خطاباً واضحاً للمصريين مبيناً ما يحدث في هذه البقعة العزيزة من أرض مصر. كل ما يصل سكان الوادي شهادات مقتضبة لبعض الأهالي في سيناء على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تجد صدى كبيراً، ربما يخاف الناس من التركيز على هذه الشهادات، ربما يرغبون في الاعتقاد بأن الأهالي يبالغون، أو أن صاحب حساب الفيس بوك الذي يروي تفاصيل عن تمكّن داعش من العريش، وفرضها حظراً للتجوال فيها بداية من الساعة الحادية عشرة، هو شخص ينتمي إلى جماعة الأخوان، ويريد بثّ الرعب في نفوسنا، خاصة أن الدولة لا تعلّق بالنفي أو التأكيد.

الناس منشغلون بالغلاء المُفجع، وسعر الدولار الراقص الذي يؤثر على الأسعار ارتفاعاً ولا يؤثر عليها انخفاضا .

الناس مشغولون بمنظومة الخبز التي يشعرون بأنها مُهدّدة.

مشغولون بتصريحات وزير الصحة التي يحاول أن يمهّد فيها لخبر إلغاء منظومة مجانية العلاج والتي لم تكن فعّالة بالقدر الكافي، إلا أنها كانت مجرّد ورقة توت تستر عورة مستوى الصحة المتردّي في مصر. وها هو وزير الصحة يخبرنا بشكل مُستتر أن الدولة بصدد نزع ورقة التوت، ثم بطّن تصريحاته بالهجوم على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فترك الناصريون المصيبة التي يفترض أننا مقبلون عليها، وهاجموه لأنه عاب في الذات الناصرية.

الناس قلقون بشأن تذكرة مترو الأنفاق، إذ تحسّسوا جيوبهم بعد أن أعلنت شركة الكهرباء والماء عن إزماعها  قطع المياه والكهرباء عن محطات مترو الأنفاق بسبب تأخّر سداد شركة المترو لفواتير الكهرباء والماء، فعلّقت شركة المترو على هذا العجز قائلة بأن الشركة تفتقر إلى الموارد المادية. وبالطبع ليس لها موارد سوى جيوب الناس، ومن ثم فهناك توقّع برفع سعر تذكرة المترو، هذه المواصلة الحيوية التي يعتمد عليها أغلب المصريين للذهاب إلى أعمالهم.

الناس، مع كل هذا الضغط، والقلق، وعدم فهم ما يجري حولهم، وعدم وجود إجابة واضحة من الذي نحن نور   عينيه: على فين واخداني عينيك.. يا ساقيني الشوق بإيديك؟

يلجأون إلى النكات والمزاح والضحك الهيستيري، مثل أي شخص مُكتئب يحاول مراراً الخروج من اكتئابه بالضحك والرقص قبل أن يغرق في الاكتئاب الذي قد يودي به إلى الانتحار.

مع كل هذه المخاوف والقلق والضحك والنكات، نحن لا نعلم مثلاً ما هو مصير الوضع السائد في ليبيا والذي يؤثّر على أمن مصر، كما إننا لا نعلم ما هو موقف مصر بالتحديد، نعلم أننا ندعم حفتر، لكن حفتر تعرّض لهزيمة مؤخراً – تمكّن من تجاوزها في الساعات الأخيرة قبل كتابة هذه السطور – وأن مصر تأخّرت في ردّ الفعل، ثم أصدرت ردّة فعل عجيبة وغير مفهومة بالنسبة لنا نحن المصريين، ثم اكتشفت أن العالم أيضاً يشاركنا عدم الفهم.

لا نعلم ما هو موقفنا مع دول "الرز" والتي كانت تعهّدت بتحمّل الاقتصاد المصري في مقابل تنازلات مصرية، ثم غضبت لأن حجم التنازلات لم يرضها، فقرّرت ألا تعطينا "حسنة كل شهر"... والله ما نعطيك يا مصري يا فوال.

نحن بداخل مصر لا نعلم ما هو تحديداً الموقف المصري في سوريا.

نحن لا نعلم إن كان سيتم تسليم الجزيرتين التي حصلنا على حكم من المحكمة بمصريتهما أم لا.

نحن لا نعلم شيئاً عن مدى مصداقية الشائعات التي تتردّد بأن سيناء قد تم التفاوض على جزء من أراضيها، ولا نريد أن نصدّق ذلك.

نحن نستيقظ كل صباح، في انتظار مفاجأة – غالباً نتحسّب أنها مفاجعة – بشأن خبزنا، ومحروقاتنا، وصحتنا، وتعليمنا، وموقفنا الدولي، وموقفنا الاقليمي، وسلامة أراضينا. وكل يوم يمر من دون فجيعة نهجع إلى مضاجعنا حامدين الله أن اليوم مرّ على خير نسبي.

نحن في خضمّ كل هذا لا نفهم منظومة العفو عن المعتقلين الذين من بينهم أطفال، ومرضى، وأطفال مرضى، وشيوخ، ومرضى، وشيوخ مرضى، ونساء، ومرضى، ونساء مرضى. لا نعلم ماذا فعلوا، ولا نعلم الأسس التي يتم العفو عن بعضهم بموجبها.

نحن في التيه، ونأمل ألا يستمر لأربعين سنة. لكننا نحمد الله كل  يوم أن المصيبة التي ننتظرها لم تحدث اليوم.