بروفيسور عبد الستار قاسم
ريما خلف المديرة التنفيذية للأسكوا التابعة للأمم المتحدة قدمت استقالتها من منصبها مضحية براتبها وامتيازاتها الشخصية لأن الأمين العام للأمم المتحدةطلب منها سحب تقريرها الخاص بإدانة الكيان الصهيوني بالأبرتايد، أي التمييز العنصري. ضغطت كل من إسرائيل وأمريكا على الأمين العام للأمم المتحدةمن أجل سحب التقرير، واستجاب، لكن ريما فضلت الاستقالة على سحب التقرير. تصرف الأمين العام بغباء وبعنصرية، وإذا كان ينفي التهمة عن نفسه فكانيتوجب عليه أن يصمد في وجه الضغوط أو يستقيل.
ريما تصرفت بشجاعة وباحترام لذاتها. فهي قررت ألا تسكت على الحق، ألا تسكت عن إجراءات الكيان الصهيوني ضد شعب فلسطين. ريما خلف قدمتاستقالتها وهي مرفوعة الرأس شامخة، وقدمها فوق رقاب الأفاكين من إسرائيل لأمريكا وللأمم المتحدة. إنها عربية نفتخر بها ونعزها، وعسى أن يتعلم منهارجال العرب. هناك من بيننا من يرون الباطل وينافقون له، ومن يرون الحق ولا يدافعون عنه. ريما مثل عظيم يجب أن يحتذى به، ولو تصرف رجال الحكموفق طريقتها لما خابت أمة العرب، لكن للأسف الحاكم نذل، والصابرون عليه ليسوا شجعانا.
تصوروا لو غزت الشجاعة الوطن العربي، وبدأ الناس يتصرفون كما تصرفت السيدة ريما خلف، ماذا يمكن أن يحصل؟ لو حصل ذلك، لما وجدنا منافقينوأفاقين يمالئون السلطان، ويزينون له سوء أعماله. عندها سيجد السلطان نفسه بلا مؤيدين أو داعمين، لأنه أصلا لا يبحث إلا عن المنافقين والكاذبين الباحثينعن مصالحهم الشخصية ولو على حساب الناس، على حساب الفقراء والمساكين. ومإذا لو وجد الحاكم نفسه بلا منافقين يخادعون الناس ويذلونهم فإنه لنيقوى على تشكيل جيش وأجهزة أمنية ينفق عليها من جيوب المواطنين. ولو غزت الشجاعة الوطن العربي لما دفع الناس ضرائب من أجل أن يمارس الحاكمالظلم عليهم ويضطهدهم، وعندها لن يجد هذا الحاكم الأموال لشراء الذمم ولشراء البطانة السيئة التي تسوم الناس سوء العذاب، ولسيطر الناس أيضا علىالمؤسسات الإنتاجية التي تدر الأموال على الحاكم الظالم.
تصوروا وطنا عربيا بلا منافقين. لن يكون عندنا محتاج أو مسكين أو فقير. وسيجد القانون طريقه نحو التطبيق على الجميع بدون تمييز. وإذا طبقنا القانون،فإن أغلب المساجين سيخرجون من السجون، وسيحل مكانهم الحكام العرب ومن والاهم.
ريما خلف مثل عظيم، وملامح العظمة مرسومة على وجهها العربي الأصيل. إنها تبدو صاحبة وقار وأدب ومعرفة وفهم. إنها ليست أي سيدة، إنها سيدةمتميزة، ولها كل الاحترام والتقدير. فهل يتعلم منها أصحاب الجلالة والفخامة المزيفون؟ لا . إنها مدرسة، لكن مدرسة للشرفاء.
ماذا سيفعل مؤتمر القمة القادم بتقرير ريما، علما أن دولا عربية ساهمت في شطب الصهيونية من قائمة المنظمات العنصرية على المستوى العالمي. وماذاستفعل سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية؟ هل ستحمل تقرير الأسكوا إلى المحافل الدولية وتبني عليه لصالح الشعب الفلسطيني؟ من المعروف أن السلطة لا تحبالفرص لدعم القضية لأن ذلك يحرجها مع الممولين الذين يمنون على شعب فلسطين بلقمة الخبز. إنها تفضل الهدوء على كسر الاستقرار.
وفي النهاية كل التحية للسيدة ريما خلف، وجزاها الله كل الخير.