عمان- رأي اليوم- فرح مرقه
علم سوريا الذي رصده الأردنيون يرفرف ضمن الأعلام المرحبة بوفود القمة العربية المقبلة على الأغلب لم يأتِ سهوًا، خصوصا بعدما ظهرت “سوريا” ضمن الدول الموجودة على موقع القمة العربية المقبلة دون اي اشارة لتجميدها، رغم الاعلانات المتتالية من الاردن وفي أكثر من مناسبة أنَّ مقعدَ دمشق سيظلُّ خالياً طالما الدول العربية لم تتراجع عن تجميد عضويتها.
آخر الاعلانات الحكومية في السياق كان تأكيد وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحفي مشترك على عدم توجيه دعوة لسوريا لحضور أعمال القمة العربية، والتزام الأردن بقرارات الاجماع العربي بهذا الخصوص.
الاعلان المذكور جاء بالتزامن مع تأكيد أبو الغيط على ان إعلاناً هاماً سيصدر عن القمة العربية سيكون له تأثيره على الأحوال العربية، وهنا تبدو الأزمة السورية الأقرب إلى واجهة التفكير العربي بكل الاحوال.
الأردنيون اليوم أساسا متحفزون لكل ما يتعلق بسوريا، وهنا الحديث بحد سواء عن الموالين للنظام السوري والمعارضين له، من جهة لأن مناخ التسويات واضح وواضح أيضا ان بلادهم دخلت لعبة التسويات والترتيبات النهائية وهو ما تؤكده اجتماعات الاستانا التي باتت تحضرها عمان، واجتماع جنيف المقبل الذي من المفترض ايضا ان تحضره العاصمة الاردنية، كما التقارب الأردني مع الروس.
ومن جهة ثانية، كون الاردنيين لهم مصالح مباشرة بالحل في سوريا وبدء مراحل اعادة الاعمار وعودة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع السوريين في ضوء الازمة الاقتصادية الخانقة، كما وعودة اللاجئين السوريين.
علم سوريا في الشوارع المتجهة نحو مكان انعقاد القمة العربية في البحر الميت اثار فضول الاردنيين، الامر الذي بدا واضحا انه ظهر بعد حادثين فارقين، أولهما الدعوة الرسمية لروسيا لحضور الجلسة الافتتاحية للقمة العربية، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة مع اي دولة اخرى.
والامر الاخر بعدما رسخت حادثة الجمعة الماضية (اسقاط النظام السوري لطائرة اسرائيلية وتطاير شظايا الصواريخ على الاردن) في عقول الاردنيين من اتجاهين، الاول استذكار القرب المكاني واستشعاره والثاني ان السوريين استطاعوا ضرب الطائرات الاسرائيلية وهو ما يقدره الضمير العربي بكل الاحوال.
وأعلن وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردنيّ أيمن الصفدي عن دعوة بلاده لوزير الخارجيةِ الروسي ” سيرغي لافروف” لحضور افتتاح القمة العربية وهو الرجل الذي ضغط بكل قوته لحضور نظام بشار الأسد للقمة المذكورة، ما يرجّح أنَّ الوجود الروسيّ في افتتاح القمة سيشكل “تخريجة” منطقية لنزول أعضاء الجامعة العربيّة عن شجرة تجميد عضويّة السوريين في الجامعة.
السيناريو المتوقع يقوم على تجاوز الروس لصيغة الطلبات الفردية من الدول الأعضاء، وهنا الحديث بصورة أساسيّة اليوم عن مصر والأردن، لإعادة السوريين إلى مقعدهم في الجامعة والوصول لصيغة مؤسسيّة تطالب فيها روسيا جامعة الدول العربية بصورةٍ رسميّة بدعوة النظام السوري.
هنا يبدو الامر محصورا بخصوص توجيه الدعوة: فإمّا بخيار مستبعد وهو أن تكون الدعوة قد وجهت فعلًا، وبهذه الحالة فاحتمالات التمثيل واسعة، وقد يكون وزير الخارجية السوري “وليد المعلم” بحد ذاته أحد الخيارات.
أو أن تقر دعوة السوريين عمليًا أثناء الجلسة الافتتاحيّة، أو في اجتماع وزراء الخارجية، ما يرجح تمثيلًا رمزيًا قد يعبر عنه القائم بأعمل سفارة دمشق في عمّان هذه المرة، على أن تحضر سوريا بنظامها العام المقبل، وهوة ما يضغط باتجاهه الروس بكل الاحوال.
طبعًا دعوة الروس لم تكن بعيدةً عن التداول الأردني المصري من جهة والأردني السعودي من جهةٍ أخرى، وهنا معنى الدعوة أنَّ الكل عمليًا ينتظر النزول عن الشجرة بما فيهم المملكة العربية السعودية التي كانت طوال الفترات السابقة ترفض حلولًا اعتبرتها الدول العربية توافقية تجاه للأزمة السورية.
بالنسبة للسعوديين فهم بدأوا اليوم مرحلة تماشٍ مع تيار المصالحات والتسويات السائد في المنطقة، وهو ما بدا واضحًا من الكثير من الاجتماعات والتصريحات الأخيرة، بما فيها التصريحات المصرية عن عودة المياه إلى مجاريها مع السعوديين واستئناف ضخ النفط السعودي إليهم بعدما شهدت علاقات البلدين الكثير من التوتر إثر قضية جزيرتين تيران وصنافير.
مصر المتقاربة تمامًا مع الروس وبالتالي الإيرانيين والنظام السوري ، لم تعد بكل الأحوال إلى العلاقات شبه المنفرجة مع السعوديين إلّا على أساس من التسويات المشتركة، والتي تراها الدولتين أساسيّةً في الأيام المقبلة، الامر الذي لا ينفصل عن التفاهمات بين الرياض وعمان خلف الكواليس حيث تستلم عمان واجهة التفاهمات بضوء اخضر من دول الخليج.
بكل الاحوال، تقترب ساعة الصفر للقمة العربية يوما بعد يوم، ومراهنات رئيس الجامعة العربية ابو الغيط على الاردن والاجماع عليه واختلاف طريقة تفاهمه مع الدول الاخرى، تشبه تلك التي صرّح بها سابقه عمرو موسى مباشرة أمام ملك الاردن عبد الله الثاني والتي اعتبرت انذاك مبالغ فيها. الفرق اليوم ان ابو الغيط هو من حمل جدول القمة العربية لعاهل الاردن وهو من اشرف على تنظيم كل الاوراق، وهنا لا بد من التذكر ان أجندة مصر بالتأكيد لها حصة الاسد من الجدول والترتيبات، ما تخشى عمان تضاربه مع مصالحها المباشرة ولو لم تعلن ذلك.