يوماً بعد آخر تتصاعد وتيرة "المؤامرات" الانتخابية من قبل الكتل السياسية في محاولة لتسقيط بعضها البعض، وخاصة التناحر بين "الأقطاب الثلاثة"، التحالف الوطني والتحالف الكردستاني واتحاد القوى العراقية، التي "تتحكم" بالعملية السياسية، لكن المفاجأة التي حدثت هي أن هذه الأقطاب التي صنعت وتكفلت بتنمية "المحاصصة" عقدت اليوم مؤتمراً لـ"نبذها"!.
منذ تشكيل أول مجلس نواب منتخب في العام 2006، ظهرت للعلن ثلاث كتل "طائفية عنصرية" وبدأت تستحوذ على الاهتمام السياسي والجماهيري، وهي الكتلة الشيعية المتمثلة بالتحالف الوطني، والكتل الكردية بالتحالف الكردستاني، والكتلة السنية بما عرف في حينها بجبهة التوافق، وبسبب هذه الكتل الثلاث تأخر تشكيل الحكومة لستة أشهر حتى رضيت كل كتلة بـ"حصتها" من المناصب الوزارية والحكومية، ومن ذلك الرحم ولدت "المحاصصة".
ومنذ عام 2006، حكومة المالكي الأولى، ولغاية اليوم كانت "المحاصصة" هي الفيصل في تشكيل الحكومات و"تقاسم" الثروات وإقرار القوانين والقرارات، حتى أصبحت "المحاصصة" بالنسبة للعراقيين كـ"حزب البعث" الذي كان الخلاص منه حلماً بعيد المنال.
اليوم وبقدر قادر ومن دون سابق إنذار، اتفق الأقطاب أو "الأنداد" الثلاثة على "نبذ المحاصصة"، ليس ذلك فحسب بل وأيضاً "ضم" المكونات الدينية والقومية وجعلها "فاعلة" في العملية السياسية!.
تقول النائبة عن ائتلاف دولة القانون ابتسام الهلالي، في تصريح صحفي اليوم الأربعاء، إن "أعضاء التحالف الوطني والتحالف الكردستاني واتحاد القوى العراقية، بالإضافة لممثلي المسيحيين والإيزيديين والتركمانية، عقدوا اليوم، مؤتمراً شاملاً في جامعة كربلاء يستمر ليومين لوضع الأسس الكفيلة الخاصة بهيكلة النظام السياسي الحالي".
وتوضح أن "المؤتمرين اتفقوا على إنهاء العمل بالحكومة الائتلافية والمكوناتية، ووضع حجر الأساس لتشكيل كابينة حكومية جديدة خلال الانتخابات المقبلة تعتمد أسس المعارضة والأغلبية السياسية"، مشيرة إلى أن "الأطراف المشاركة في المؤتمر وضعت عدة ضوابط للمشاركة في الحكومة الجديدة يلخص بعضها بمنع مشاركة الممثلين غير المنضبطين في النظام السياسي المقبل، بالإضافة لمنع من لديهم تواصل مع جهات خارجية مشبوهة".
من المفرح أن يتفق "رعاة المحاصصة" على نبذها والتخلي عنها واعتماد النظم الديمقراطية المتعارف عليها منذ مئات السياسية وهي حكم الأغلبية السياسية ووجود معارضة برلمانية، لكن الغريب في الأمر هو التوقيت و"التجميع"، فالوقت الذي اختارته "الأقطاب الثلاثة" يثير الريبة، والسبب أن كبار قادة اتحاد القوى العراقية عقدوا قبل أقل من أسبوعين مؤتمراً في أنقرة قائم على ثلاثة مرتكزات وهي "السنة، الإقليم السني، الدعم الخارجي السني"، أما بالنسبة للكرد فكبار قادتهم يصرحون ويؤكدون ويرعدون ويزبدون طوال الأشهر الأخيرة بأن "الانفصال" عن العراق وإعلان دولة كردستان بات أمراً نهائياً ووشيكاً، أما كبار قادة التحالف الوطني ففي الآونة الخيرة بات "احتمائهم" بالمكون أكثر بكثير من الفترات السابقة، وفيما يخص المسيحيين والإيزيديين والتركمان، فهناك من أعلن منهم مطلع الشهر الجاري أن "إقليم الرافدين" في سهل نينوى والذي "يقتصر" على المسيحيين والإيزيديين والتركمان والشبك هو الحل الوحيد والضمان الأكيد لبقائهم!.
أما "التجميع" فليس هناك جامع يجمع هذه الأطراف "المتناحرة" فيما بينها ومع بعضها البعض، فاتحاد القوى بعد مؤتمر أنقرة انقسم إلى جبهتين واحدة يقودها سليم الجبوري والأخرى يقودها أسامة النجيفي، والأيام المقبلة قد تكون "حبلى" بجبهات جديدة، أما التحالف الكردية فقد بلغت مرحلة انقسامه حد السلاح في كركوك وسنجار، أما التحالف الشيعي فكل كتلة وحزب "تتصيد" أخطاء الآخرين، وبخصوص المسيحيين فهناك انقساماً واضحاً فيما بينهم، فبعض يرى ضرورة البقاء ضمن الدولة المركزية وآخرون يرون الضمانة في إقليم خاصة بهم، والإيزيديون منقسمون بين معسكرهم الديني ومعسكر رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود بارزاني، في حين تتقاذف التركمان أمواج الانقسام المذهبي والإقليمي!.
وبناء على ذلك يتضح أن هذه الخطوات "المحمومة" لا يحركها جامع وطني أو جماهيري أو حتى سياسي، بل محركها الأساس هو "المنفعة الحزبية والشخصية" التي على ما يبدو أن التقدم الذي يحرزه رئيس الوزراء حيدر العبادي بات يهدد مصالحها، خاصة بعد دعوته من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي أثارت "الغيرة والحسد" وأشعلت النار في صدور خصومه الذين لم يحظوا بهذه الاهتمام من قبل الإدارة الأميركية.
لذلك يبدو التصعيد واضحاً، خاصة وأن رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يحاول بشتى الطرق "إفشال" أي تقدم يحققه العبادي، وكذلك الحال بالنسبة للكرد والسنة الذين يرون في العبادي ومن يعملون معه "خصوماً أشداء" قد يطيحون بهم في الانتخابات المقبلة إذا ما استمرت وتيرة العمل الحكومي بهذا المستوى.