عند ثكنة عسكرية بنيت على عجل في الضواحي الغربية لمدينة الموصل يجلس الضابط في الجيش احمد الجبوري على طاولة تغطيها خارطة كبيرة لأحياء المدينة تشير الى سير العمليات العسكرية، وبجواره يجلس ضباط أميركيون هذه المرة لمناقشة خطط المعركة، فالمعارك اخذت طابعا جديدا من التنسيق بين القوات الأميركية والبرية.
ويقول الجبوري من الفرقة المدرعة التاسعة للجيش، ان "معركة غرب الموصل مختلفة عن شرقها، كنا في الشرق نقاتل لوحدنا على الارض وواجهتنا مشكلة في تكتيكات داعش العسكرية كنا نحتاج اسابيع لمعالجتها".
عندما اعلنت الولايات المتحدة الحرب على داعش في اب 2014، كانت تستخدم الغارات الجوية فقط، ولكن بعد ثلاث سنوات قررت الشهر الماضي المشاركة في العمليات البرية بقوات قتالية ومدفعية في المعركة الحاسمة ضد الارهابيين في الموصل "عاصمة" تنظيم داعش، وبات الجيش العراقي على بعد امتار من الجامع الذي اعلن منه ابو بكر البغدادي "الخلافة الاسلامية" وعيّن نفسه "خليفة" على الدولة الاسلامية.
في شباط الماضي تسلمت الفرقة التاسعة للجيش العراقي اوامر من الحكومة العراقية بالاندماج مع اللواء القتالي الثاني التابع الى الفرقة المجوقلة 82 الأميركية، كان اللقاء الاول طويلا بين الضباط العراقيين والاميركيين كما يقول الجبوري، ويضيف "قضينا ساعات طويلة في الحديث عن ذكريات جمعتنا معا عندما كنا نقاتل الى جانب القوات الأميركية ضد تنظيم القاعدة قبل سنوات".
وانسحبت القوات الاميركية من العراق نهاية عام 2011 بعد تسع سنوات من احتلاله، وغالبا ما يربط محللون النجاح الساحق لتنظيم داعش في الهجوم على العراق واحتلاله ثلث مساحة البلاد الى الانسحاب المستعجل للقوات الاميركية التي تركت الجيش العراقي وهو يقرب تعداده اكثر من نصف مليون عنصر ولكن دون اسلحة كافية وطائرات مقاتلة.
ولكن الحرب على داعش دفعت الولايات المتحدة والعراق معا الى اعادة القوات الاميركية مجددا، وحاليا يوجد اكثر من 9 الاف جندي اميركي مقاتل ينتشرون على قواعد عسكرية بعضها بعيد عن سير العمليات العسكرية واخرى على الجبهات الامامية للمعارك كما يحصل الان في معركة الموصل.
الضابط في الشرطة الاتحادية مازن المياحي، الذي اندمجت وحدته العسكرية ايضا مع قوات برية أميركية في ناحية حمام العليل جنوبي الموصل، يبدي ارتياحا من التنسيق المشترك مع القوات الاميركية، ويعتبره عاملا مهما في الاسراع بهزيمة الارهابيين.
وشاركت قوات الشرطة الاتحادية في المعارك الساحل الأيمن لمدينة الموصل بدلا عن قوات مكافحة الارهاب، ويقول المياحي "قبل اشهر كان التنسيق مع القوات الأميركية يجري بطريقة معقدة وطويلة".
ويوضح "كان الجنود العراقيون المتواجدون عند الخطوط الامامية بإرسال احداثيات أماكن مقاتلي داعش الى الضابط العسكري الميداني وبدوره يقوم بإرسالها الى غرفة العمليات المشتركة في المنطقة الخضراء ببغداد وتسليمها الى الجانب الأميركي الذي يقوم بشن الغارات الجوية، انها عملية تستغرق ساعات وغالبا ما كان الارهابيون يتحركون بسرعة ويستبدلون مواقعهم".
ولكن الوضع مختلف الان كما يقول المياحي "احداثيات اماكن الارهابيين تصل مباشرة من الجنود العراقيين الى القوات الاميركية المتمركزة خلفهم ببضعة كيلو مترات وسرعان ما تكون الاستجابة سريعة ودقيقة عبر سلاح المدفعية او الغارات الجوية".
ويضيف "المعركة تبدو اسهل في غرب الموصل مقارنة بالمعارك في شرق الموصل، فالخبرة الاميركية كبيرة وغالبا ما يعالجون المشكلات التي تواجه الجنود داخل الاحياء الضيقة خلال ساعات قليلة".
ويتابع المياحي "على سبيل المثال فإن الطائرات المسيّرة التي استخدمها داعش في الايام الاولى للمعركة والتي كانت ترصد تحركات القوات الامنية وتلقي عليهم بالقنابل، لم تعد مشكلة لاحقا بعدما نشر الجيش الأميركي منظومة مكافحة هذه الطائرات والمعروف باسم "Blighter AUDS Counter-UAV system"، التي لا نمتلكها".
بعيدا عن القتال وخلال اوقات الاستراحة يقضي الجنود العراقيون اوقاتهم بتبادل الاحاديث الطويلة مع الجنود الأميركيون حول ذكريات القتال جنبا الى جنب ضد تنظيم القاعدة، ويفحصون تفاصيل التجهيزات العسكرية الاميركية الحديثة، ويستمتعون بأخذ صور "سيلفي" مع الجنود الأميركيين.
ويقول الضابط في الجيش عبد الله البدراني، حول ذلك "شاركت وحدتي العسكرية مع القوات الاميركية بالقتال في الانبار ضد تنظيم القاعدة عامي 2006 و2007 والان نقاتل معا ضد تنظيم داعش، القوات الاميركية تمتلك خبرة كبيرة وكثيرا ما نستفيد من خططهم وأسلحتهم في الجبهات".
ويضيف "عندما انسحبت القوات الأميركية من العراق عام 2011 سلمونا قواعدهم العسكرية المرتبة مع تجهيزات كاملة، ولكن بسبب الفساد الاداري والمالي في البلاد تعرضت هذه القواعد للإهمال من قبل الضباط الكبار، حتى ان القوات الأميركية التي عادت الى بعض هذه القواعد في بغداد لتدريب الجيش تفاجئوا عندما شاهدوا الاوضاع السيئة فيها".
الجنود العراقيون يتساءلون فيما بينهم هل ستبقى القوات الاميركية هذه المرة؟، لا احد يعرف الإجابة حتى الان، فالحكومة العراقية لا تريد الخوض في هذه القضية المعقدة، بينما قال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الشهر الماضي ان قوات بلاده ستبقى في العراق بعد القضاء على داعش، ولكن هذه القوات عليها التعامل مع "عدو قديم" وهي الفصائل "الشيعية" العراقية.
احدى هذه الفصائل تشارك فعلا في العمليات العسكرية في الموصل الى جانب الفرقة التاسعة للجيش العراقي وهي "فرقة العباس القتالية" التابعة الى المرجع الأعلى علي السيستاني وليس الى ايران، وهي معروفة باحترامها الحكومة العراقية وتبعيتها الى وزارة الدفاع، وربما هذا ما جعل القوات الاميركية تطمئن للقتال هناك.
فالفصائل الشيعية تعتبر الولايات المتحدة "عدوها اللدود"، وللطرفين تاريخ من القتال ضد بعضهما عندما كان آلاف الجنود الاميركيين يحتلون العراق قبل سنوات ويتعرضون للقتل على يد مقاتلي الفصائل الشيعية، وما زالت تصريحات الفصائل الشيعية تتواصل حول رفض الوجود الاميركي، فهل سيشهد العراق منازلة جديدة بين الفصائل الشيعية والقوات الأمريكية مستقبلا؟.