اعتقالات عشوائية لا تخلو من الأخطاء: ملاحقة داعش شرق الموصل.. البحث عن إبرة في كومة قش

آخر تحديث 2017-04-06 00:00:00 - المصدر: نقاش

 بعد ساعات من إعلان الجيش استعادة السيطرة على الساحل الشرقي للموصل من المتطرفين أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي دخلت قوات أمنية غريبة إلى المدينة قادمة من بغداد تعرف محليا باسم "جهاز الأمن الوطني"، رجال ملثمون، على أكتافهم أسلحة خفيفة، وحواسيب محمولة بين أيديهم، ومهمة هؤلاء تصفية حساب معقدة مع عناصر "داعش"، وهي مهمّة ليست بالسهلة وسط نصف مليون شخص.

 

"منذ شهرين، لا يمر يوم من دون أن نعتقل عناصر في "داعش أو متعاونين معهم في شرق الموصل"، وفقا للضابط في الأمن الوطني علاء الزيدي، ويقول لـ"نقاش" إن "المهمة صعبة والبحث عن المتطرفين وسط نصف مليون شخص يسكن الأحياء الشرقية من المدينة يشبه البحث عن إبرة في كومة قش".

 

عندما اقتحمت قوات مكافحة الإرهاب الأحياء الشرقية للموصل، هرب مقاتلو "داعش" من الأجانب إلى الجانب الأيمن عبر نهر دجلة الذي يشطر المدينة الى نصفين، بينما تنكّر المقاتلون المحليون بين الاهالي، حلقوا لحاهم وتخلصوا من الأدلة التي تثبت تعاونهم مع المتطرفين، حتى ان بعض هؤلاء خرجوا لاستقبال الجيش فرحين للتمويه، ولكنهم في الحقيقة مجرمون تورطوا في قتل العشرات من سكان الموصل وبعضهم ما زال يدعم "داعش" ويعمل في الخفاء عبر خلايا نائمة، الحديث للضابط الزيدي.

 

جهاز الأمن الوطني مؤسسة أمنية مستقلة تأسست بعد 2003 ولها مهام استخباراتية أكثر منها عسكرية، ويترأسها مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، وبدأ عناصر الجهاز حملات تفتيش في شرق المدينة بحثا عن خلايا نائمة تثير قلق السكان.

 

وفعلاً وقعت هجمات انتحارية استهدفت تجمعات سكانية في شرق الموصل شملت مطاعم وأسواقاً تجارية بعد ثلاثة أسابيع فقط من إعلان طرد المتطرفين منها بالكامل، وتمت الهجمات فيما كان آلاف الجنود من قوات الجيش والشرطة ينتشرون داخل المدينة.

 

المشكلة التي تواجه "جهاز الأمن الوطني" عدم امتلاكه قاعدة بيانات رصينة حول المتطرفين والمتعاونين معهم، فالموصل خرجت عن سلطة الحكومة العراقية لأكثر من عامين، وانهارت القوات المحلية بشكل كامل، كما أن "داعش" قتل المئات من عناصر الجيش والشرطة لمنع خروج معلومات من المدينة.

 

لحل هذه المشكلة اضطر "جهاز الامن الوطني" خلال الاسابيع القليلة الماضية ان يجنّد عدداً من السكان الذين عاشوا في المدينة تحت حكم المتطرفين للعمل كمخبرين، ومهمة هؤلاء تقديم معلومات عن المتطرفين داخل المدينة، وغالبا ما يرافق المخبرون الجدد قوات الأمن خلال مداهمة الأحياء بملابس مدنية ويمكن التعرف عليهم من أنهم ملثمون بالكوفية العربية، خوفا من التعرف عليهم وتعرضهم للانتقام، كما يقول الزيدي.

 

إضافة الى المخبرين، نشر عناصر الامن الوطني ارقام هواتف في غالبية الأحياء، وعند نقاط التفتيش لتشجيع السكان على الإبلاغ عن المتطرفين، وهناك معلومات جيدة تصل من الأهالي عبر الهاتف، ولكنها محدودة لا ترقى الى طموح القوات الأمنية وفقا للزيدي "ربما السكان خائفون من زج أنفسهم في هذه القضية خوفا من الانتقام".

 

وليد الجبوري احد سكان حي الكرامة شرق الموصل، اعتقلته القوات الامنية الشهر الماضي بتهمة التعاون مع "داعش"، وتم نقله والتحقيق معه عند احد مقرات الاستخبارات التابعة الى وزارة الداخلية جنوب المدينة، التحقيق جرى على يد ضباط محترفين وقرروا اطلاق سراحه بعد ان اثبت لهم بأنه غير متعاون مع "داعش".

 

ويرافق عناصر الأمن الوطني داخل الموصل مقاتلون من الفصائل الشيعية يتصرفون بفظاظة ويثيرون الخوف في نفوس السكان المحليين، يرفعون راياتهم الخاصة ويتجولون بعجلات رباعية الدفع يصدر عنها اصوات عالية لأناشيد وأغان دينية، وفقا للجبوري.

 

الجبوري اختار عدم العودة الى منزله داخل الموصل وفضّل البقاء في مخيم للنازحين خارج المدينة تشرف عليه الامم المتحدة، وانضمت اليه عائلته لاحقا، ويقول لـ "نقاش" عبر الهاتف "الوضع مخيف شرق الموصل هناك فوضى وعمليات انتقام، مخبر سري اتهمني زورا باني متعاون مع المتطرفين، ولكنني اثبت براءتي، داعش قتل اخي الذي كان يعمل في الشرطة، وتعرضت انا للجلد بسبب التدخين، كيف يعقل ان يسمح المتطرفون لي  بالعمل معهم ولديهم شكوك حولي".

 

قضى الجبوري اسبوعين في معتقلات مؤقتة شيّدت جنوب المدينة قبل اطلاق سراحه، ويقول ان "ظروف الاعتقال سيئة، يوميا يتم جلب العشرات من المعتقلين، اعرف بعضهم بشكل شخصي وهم ابرياء، ويبدو أن الاعتقالات تنفذ عشوائيا وبطريقة وبدائية بدون ضوابط واضحة".

 

أما قاسم العبيدي الذي اعتقل أيضا لأيام قبل اطلاق سراحه يشكو من غياب الضوابط الإنسانية في فرز المتطرفين، ويقول عبر الهاتف لـ "نقاش" ان "ضباط التحقيق لا يأخذون في الاعتبار أن هناك المئات من السكان أجبرهم داعش على العمل معهم في أعمال مدنية، ويتم اعتبارهم كالمتهمين بعمليات القتل ومبايعة داعش، هذا غير منصف ويثير قلقنا".

 

يضيف العبيدي "العشرات من السكان اضطروا للعمل مع داعش في وظائف مدنية لإعالة عائلاتهم والا ماتوا جوعا، فمثلا هناك من عمل في تنظيف الشوارع ورفع النفايات داخل الأحياء وتصليح مضخات الماء ومولدات الطاقة الرئيسية في المدينة، هل من العدل اعتبارهم متطرفين"؟.

 

"وثائق داعش كنز معلومات"

ولا تقتصر مهمة "جهاز الامن الوطني" على اعتقال المتطرفين، بل ايضا البحث عن مقرات "داعش" الإدارية ومصانعه العسكرية، للحصول على اي معلومات تقود الى معرفة أسرار التنظيم، ولهذا تواصل الدوريات الأمنية عمليات بحث في المناطق المأهولة، وكذلك عند الضواحي المهجورة.

 

الاسبوع الماضي اعلنت القوات الامنية العثور على اكبر معمل لصنع العبوات الناسفة والصواريخ شرق الموصل كانت مدفونة عن الضواحي، وعثر على المعمل وفق معلومة استخباراتية.

 

ولكن اكثر ما يثير حماسة عناصر الأمن هي وثائق التنظيم المتشدد ومراسلاته، فهي كنز من المعلومات وفقا للنقيب في الجيش عمران الخزاعي، ويقول لـ "نقاش" "حتى الان عثرنا على الاف الوثائق السرية لتنظيم داعش شرق المدينة وهي الاكثر اهمية بالنسبة لهذا التنظيم لان الموصل كانت عاصمته وفيها كانت تدار شؤون دولته في العراق وسورية".

 

ويضيف الخزاعي "قبل ايام عثرت القوات الامنية على اكثر من 3 الاف وثيقة مهمة في منطقة المثنى شرق المدينة، تمثل الصندوق الاسود لهذا التنظيم الارهابي، تحوي على اقراص مدمجة وأجهزة حاسوب محمولة ووثائق ورقية تحوي اسماء الآلاف من مقاتلي داعش وعناوينهم وجنسياتهم في العراق وسورية، وسجلات مالية حول تجارة داعش".

 

دراسة الاف الوثائق وتحليلها يحتاج الى اشهر وربما سنوات كما يقول الخزاعي، ويضيف ان "هذه الوثائق تنقل من الموصل الى بغداد، وهنا في العاصمة تقوم أجهزة أمنية مختصة بتحليلها والاستفادة منها للوصول الى أسرار التنظيم".

 

 

  • ملاحظة للقراء: اسماء الشخصين الذين اعتقلا واطلق سراحهما تم تغييرها لاسباب امنية.