بعد القصف الكيمياوي على أدلب السورية ورد الفعل الامريكي بقصف قاعدة الشعيرات الجوية، يتضح أن التوتر بين الولايات المتحدة وايران قد ارتفع بشكل ملاحظ، وهناك خشية من أن آثار ذلك ستنعكس مباشرة على العراق حيث أن الطرفين ينظران للعراق كأفضل موقع للمواجهة.
ومن خلال التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي في واشنطن بخصوص إيران والحشد الشعبيّ، وردود الفعل الشيعيّة تجاه هذه الزيارة، يبدو أنّ مواجهات ساخنة بانتظار العبادي مع الأطراف الشيعيّة "الموالية" لإيران، التي ستحاول استغلال مواقفها في دعاية انتخابيّة مبكرة.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واضحا جدا في أنه يريد حليفه العراقي في محاربة الارهاب، ان يبتعد عن ايران، وتعاقب زيارة العبادي لزيارة وليّ وليّ العهد السعوديّ محمّد بن سلمان لواشنطن ولقاء ترامب، وتصريحاته التي أطلقها حول إيران والسعوديّة والحشد الشعبيّ، أشارت إلى وجود مساع أميركيّة للتقريب بين بغداد والرياض وتحجيم الدور الإيرانيّ.
وقد تبع ذلك زيارة المستشار الاقدم للرئيس الامريكي ونسيبه جاريد كوشنر لبغداد في الرابع من نيسان الجاري، كعلامة على أن الولايات المتحدة تريد ابعاد العراق عن ايران، وبحسب مصادر مطلعة فإن موضوع "تحجيم دور ايران في العراق" كان على راس قائمة الحوارات بين العبادي وكوشنر.
يضاف إلى ذلك إعلان التحالف الوطنيّ عدم معرفته بتفاصيل الزيارة وجدول مباحثات العبادي مع الإدارة الأميركيّة، واستياء بعض الأطراف السياسيّة الشيعيّة من تلك الزيارة، لا سيّما بعد أن كشف الخبير الأمنيّ والسياسيّ العراقيّ هشام الهاشمي في تصريح صحفي عن تلقّيه معلومات من الوفد العراقيّ في واشنطن تفيد بأنّ "الجانب الأميركيّ بحث مع حيدر العبادي، خطر المؤمنين بولاية الفقيه، وضرورة إبعاد هؤلاء عن الحشد الشعبيّ".
وتحدّث العبادي أثناء الزيارة عن سعيه إلى تحجيم دور الحشد الشعبيّ "سياسيّاً"، وأبدى رغبته في التقارب مع السعوديّة، وخصوصا بعد لقائه بوزير الخارجيّة السعوديّ عادل الجبير على هامش اجتماع التحالف الدوليّ ضدّ تنظيم داعش في واشنطن 22 آذار.
ويضع مراقبون لقاءي دونالد ترامب بالعبادي ومحمّد بن سلمان في دائرة واحدة تشمل أيضاً التوجّه العربيّ الجديد نحو العراق، والذي يأتي منسجماً مع سياسة واشنطن الرامية إلى تحجيم دور إيران في المنطقة، خصوصاً وأنّ اللقاء الذي جمع بين ترامب ومحمّد بن سلمان، جرى الحديث فيه علناً عن مخاطر النفوذ الإيرانيّ في المنطقة، ولا يوجد أفضل من العراق لبدء تحجيم النفوذ الإيرانيّ في المنطقة.
وعليه، فإنّ الدعم الأميركيّ للعبادي سيكون مشروطاً أيضاً بالعمل على تقليص النفوذ الإيرانيّ في العراق، وحلّ الفصائل الشيعيّة المسلّحة المنضوية في الحشد الشعبيّ أو تحجيمها.
ولعلّ الاستقبال الاستثنائيّ الذي حظي به العبادي من قبل ترامب وأجواء المباحثات بينهما التي وصفت بالإيجابيّة، كانا بمثابة رسائل إلى القيادات الشيعيّة في العراق عن انحياز العبادي إلى السياسة الأميركيّة الواضحة والمعلنة ضدّ إيران والقوى الموالية لها.
لكنّ فاتورة هذا الانحياز ستكون باهظة على العبادي، الذي سيتوجّب عليه مواجهة حلفاء إيران في بغداد، وإنّ المواجهات الأولى ستكون بالضرورة مع بعض قادة الحشد الشعبيّ، إذ قال المتحّدث باسم الحشد أحمد الأسدي، في مؤتمر صحفيّ عقده في 22 آذار "ما نأمله من زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي للولايات المتّحدة الأميركيّة أن تكون موقفاً داعماً للحشد الشعبيّ، كما عهدناه في المواقف والمحافل الدوليّة السابقة".
وأضاف "نأمل أن يعلن من خلال هذه المؤتمرات والزيارات، الدور الكبير الذي يقوم به الحشد الشعبيّ من خلال مشاركته كمؤسّسة أمنيّة، خصوصاً بعد إقرار قانونه"، مشيرا إلى أنّ "الحشد الشعبيّ أصبح اليوم مؤسّسة عسكريّة وأمنيّة مستقلّة وتابعة للقوّات المسلّحة وترتبط مباشرة بالقائد العام للقوّات المسلّحة، وهنالك دور كبير سيقوم به مع بقيّة صنوف القوّات المسلّحة لبناء منظومة أمنيّة متكاملة".
والردّ الأعنف كان من زعيم عصائب "أهل الحقّ" قيس الخزعلي، الذي قال خلال لقائه بمجموعة من شيوخ العشائر والوجهاء في 23 آذار الماضي إنّ "المشروع الأميركيّ اليوم يستهدف تقوية نفوذه على مناطق غرب العراق وشرق سوريا والانطلاق منها إلى مشاريع التقسيم".
وحذّر ممّا اعتبره "المؤامرة الخطيرة على الحشد الشعبيّ"، وقال "أيّ محاولة لإلغاء الحشد الشعبيّ أو تلويثه لن نسمح بها".
وفي المقابل، يخشى التحالف الوطنيّ من "تصدّع جديد" بسبب مواقف العبادي وتصريحاته، التي أطلقها من واشنطن، وذلك بحسب النائبة عن التحالف عالية نصيف، التي قالت إنّ "كتل التحالف لن تتسرّع في الحكم على مواقف العبادي، وستسعى إلى معرفة إلى أيّ مدى هو جاد في تحجيم الحشد والرضوخ إلى سياسة ترامب في مواجهة إيران أو الميل إلى المحور الأميركيّ الخليجيّ؟، والأسابيع المقبلة ستثبت ذلك، وحينها سيقرّر التحالف الوطنيّ موقفه صراحة".
وأضافت "المعلومات المتوافرة لدينا تشير إلى نيّة الولايات المتّحدة زيادة عدد مقاتليها في العراق، وترامب يسعى إلى الحصول على نفط البلاد مقابل الدعم العسكريّ الذي يقدّمه، وأنّ موافقة العبادي على ذلك ستؤدي إلى خلق فوضى سياسيّة عارمة في العراق".
ورأى أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة بغداد الدكتور محمّد نعناع، أنّ "العبادي سيحاول إقناع الأطراف الشيعيّة بأنّه اتّخذ موقف الوسيط بين السعوديّة وإيران للحفاظ على الدعم الأميركيّ، وهو الدور الذي يستطيع فعله في الحقيقة، فلا يمكنه أن يدير ظهره إلى طهران أو خسارة الحليف الأميركيّ".
وقال إنّ "المواجهة الحقيقيّة ستكون بين العبادي والحشد الشعبيّ، وعليه الاستعانة بالقوى السنيّة والتيّار الصدري اللذين يسعيان إلى الهدف ذاته، وهو حلّ الحشد"، مستبعدا بقاء العبادي ضمن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي "الموالي لإيران".
ومع انقشاع غبار الحرب على داعش وتحرير الموصل المتوقّع خلال أسابيع، سيكون على العبادي تلبية المطالب الأميركيّة بخصوص الحشد الشعبيّ وحلفاء إيران. وهنا، يمكنه اللجوء بالفعل إلى حليفه غير المعلن مقتدى الصدر لمواجهة فصائل الحشد، لكنّه سيواجه الصدر مباشرة إذا ما أرادت الإدارة الأميركيّة الإبقاء على جنودها داخل الأراضي العراقيّة، الأمر الذي يعتبره التيّار الصدريّ خطّاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
وفي هذه الأثناء، على العبادي الاستعداد لخوض حرب الانتخابات المحليّة في نهاية العام الحالي والعامّة مطلع العام المقبل، بعيداً عن نوري المالكي من دون أن يغضب إيران، فهل سيتمكّن من عبور كلّ هذه الألغام، ولو بمساعدة حليف قويّ مثل الولايات المتّحدة؟