لم تفكر المرأة الموصلية التي التحق زوجها بتنظيم داعش دون أن يكون بحاجة لهم، ومن ثم تبعه ابنه الذي هو الآخر كان في غنى عن الانخراط في صفوف الإرهاب والجريمة والبذح والسبي والسرقة، لم تفكر هذه المرأة بمصير الزوجات اللاتي ترملن والأمهات المفجوعات والأطفال اليتامى على يد التنظيم الذي انخرط فيه زوجها وابنها، بل أنها مهتمة ومنشغلة بمستقبلها ومصير عائلتها على الرغم من أنها تسكن بـ"أمان" في أحد المخيمات!.
هذه المرأة التي اختارت لنفسها اسم "إسراء" لإخفاء هويتها ولا ندري خوفاً من ماذا وهي تعيش مع عائلتها "آمنة مطمئنة" في مخيمات النازحين؟!.
أسراء البالغة من العمر 55 عاماً، ترى أن مستقبلها وعائلتها "ضاع" ولن تتمكن بعد الآن أن تعيش في الموصل لأن زوجها وأحد أبنائها انتموا إلى تنظيم داعش، قُتل ابنها في قصف للطيران على إحدى مقرات التنظيم في الموصل بينما فقدت الاتصال بزوجها من أكثر من ثمانية أشهر.
كانت إسراء تجلس أمام خيمتها في مخيم للنازحين جنوب الموصل وهي تنتظر عودة ولديها اللذان ذهبا لجلب مياه صالحة للشرب، فيما انشغلت إحدى بناتها بإعداد الشاي.
وتروي إسراء، وهي من سكان حي الزنجيلي في الساحل الأيمن لمدينة الموصل، أن زوجها كان نائب ضابط سابق في الجيش في عهد حزب البعث، وبعد غزو العراق عام 2003 بدأ يعمل في مجال التأسيسات الكهربائية، ثم تمكن قبل سنوات من شراء مولدة طاقة كهربائية لتزويد بيوت الحيّ الذي يقطنه بالتيار الكهربائي مقابل أجور شهرية.
وتضيف "كان وضعنا المالي يتحسن يوما بعد يوم إلى أن سيطر داعش على الموصل".
تعذيب "فضائي"!
وتمضي الأم لابنتين وثلاثة أولاد بالقول "بعد نحو ستة أشهر من سيطرة داعش على المدينة، اعتقل التنظيم زوجي فجأة ومن دون أي أسباب، ورغم محاولاتنا لإطلاق سراحه إلا أنه ظل في السجن نحو شهر وخرج منه وعاد إلى عمله مرة أخرى. أبلغنا أنه تعرض للضرب والتعذيب، لكننا لم نجد أي آثار على جسده أو وجهه".
لم يبق زوج إسراء طليقا مدة طويلة بل اعتقل مرة أخرى وبقي مدة شهر آخر لدى التنظيم، لكنه عاد بشكل آخر هذه المرة، "عندما عاد كان يلبس ملابس أفغانية ويحمل معه رشاشا ووصل البيت بسيارة يقودها بنفسه، وفور رؤيتي لمنظره شعرت بالخوف والرعب من المستقبل الذي ينتظرنا، لكنني سكت لأنه كان يتصرف معي بقسوة".
وتردف "ترك زوجي عمله وأصبح مسلحا مع داعش، ويغيب بين الحين والآخر لنحو شهر ومن ثم يعود، وخلال هذه المدة أخذ معه ابني الأكبر عدة مرات؛ فأصبح هو الآخر مسلحا ضمن صفوف التنظيم، ورغم أنني حاولت أن أثني ابني عن القتال ضمن صفوف المسلحين لكنه رفض كل كلامي وكان يقول لي: لا تتحدثي بهكذا كلام وإلا ستُقتلين".
القتل هو النهاية
وبعد شهور من تواجده مع والده في إحدى مقرات التنظيم، نُقل ابنها إلى مقر آخر لداعش في شمال الموصل، حيث تعرض ذلك المقر فيما بعد إلى قصف جوي من الطيران وقتل فيه ومن كان معه من مسلحي التنظيم.
تُبين إسراء "قتل ولم أر جثته، هذا مصير كل من ينتمي إلى المجاميع الإرهابية، أنا لم أحزن عليه لأنه ووالده دمروا مستقبلنا".
أما بالنسبة لزوجها فتؤكد "لا أعلم من نحو ثمانية أشهر أي معلومات عنه ولم أتلق منه أي اتصال، ولا أريد أن أعرف أي شيء عنه".
وتُشدد بالقول "المستقبل لا يُبشر بالخير، أنا ضحية ولم يكن لي حول ولا قوة. زوجي هو الذي دمرنا. أتمنى أن أعود إلى الموصل وأعيش بين أهلي بسلام، لكن أنا خجلانة من نفسي فقد أصبحت زوجة داعشي وأمّ داعشي".