تتبّع تقرير لمعهد واشنطن الخطوات السرية التي يتّبعها الحرس الثوري الإيراني لإيصال الإمدادات للنظام السوري، ما مكنه من الصمود بعد ست سنوات من الثورة.
وسلط التقرير، الذي أعده فرزين نديمي، الضوء على مخاطر رفع الحظر عن شركات الطيران الإيرانية، ورفع الحظر عن تزويدها بقطع الغيار.
ويؤكد نديمي، وهو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج، أن طهران تواصل شراء الطائرات وقطع الغيار المستعملة بهدوء عبر شركات أصغر حجما، والتحايل بفاعلية على العقوبات المرتبطة بالإرهاب والمفروضة على شركات طيران وأفراد معينين.
ويشير التقرير إلى أن إيران تسعى إلى تعزيز قدرتها على النقل الجوي في المنطقة؛ من خلال الدمج ما بين المكونات العسكرية والمدنية للطائرات. لكن التقرير يحذر من أن أي شركة منخرطة في هذا النشاط -حتى لو بصورة غير مباشرة- تضع نفسها في مرمى سياسة العقوبات الأمريكية.
ويكشف التقرير آليات إيصال الإمدادات للنظام السوري، ويؤكد أنه لطالما استعان "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني بالموارد ذات الطابع المدني الوهمي لمساعدة حلفاء إيران في سوريا.
ويكشف التقرير أن الحرس الثوري أنشأ خطوطه الجوية وشركات الخدمات الخاصة التي يستخدمها للتمويه لتقديم المساعدة اللوجستية وزيادة إيراداته، هذا بالإضافة إلى الدعم الحثيث الذي يحظى به من "شركة ماهان للطيران".
ويؤكد التقرير أن "شركة طيران بويا" تُعدّ الخطوط الجوية الرئيسية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني و"شركة طيران بارس" التابعة إليه، مع العلم أن سابقتيها -أي "بارس للطيران" و"ياس للطيران"- صُنّفتا من قبل الولايات المتحدة ككيانات إرهابية في عام 2012. وقد اتهمت الولايات المتحدة هاتين الشركتين بنقل الأسلحة إلى النظام السوري. واليوم تدير "شركة طيران بويا" ست طائرات شحن روسية الصنع تستأجرها من القوة الجوية التابعة للحرس الثوري الإسلامي.
وفي الآونة الأخيرة، اشترى "الحرس الثوري" طائرتين إقليميتين برازيليّتَي الصنع من نوع "إمبراير إي آر جاي-145 إي آر" (أرقام التسجيل "إي پي-آر أي أي" و"إي پي-آر أي دي") يصل مداهما إلى نحو ثلاثة آلاف كيلومتر، ويمكن أن تتّسعا لما يصل إلى خمسين راكبا.
وبحسب نديمي، فقد تم تسجيل أولى هذه الطائرات في جنوب أفريقيا من قبل رجل أعمال إيراني مقيم في اسطنبول يدعى حسين حافظ أميني، وسُلِّمت إلى "شركة طيران بويا" في 31 آذار.
ولدى الحرس الثوري، وفق التقرير، علاقات وثيقة مع "شركة راي للطيران" الجنوب إفريقية، التي تشكل على ما يبدو شركة تغطية غامضة لها موقع إلكتروني وهمي تم إنشاؤه منذ أكثر من عامين. وتشير التقارير المتوفرة إلى أن مركز تسجيل "راي" هو جنوب أفريقيا، إلا أن العنوان المذكور على موقعها الإلكتروني موجود في اسطنبول.
وبالإضافة إلى الإيرادات التي يجنيها الحرس الثوري من رحلات الركاب، يتمكن كذلك من ادّخار المال عبر استخدام طائراته الخاصة لنقل عناصره وعائلاتهم. والأهم من ذلك، أن امتلاكه لأسطول جوي للشحن والسفر خاص به يتيح له نقل عناصره أو شحناته السرية تحت أدنى درجات الرقابة من سلطات الطيران المدني.
ويكشف التقرير عن شركة أخرى خاضعة للحرس الثوري، وهي "طيران فارس قشم" التي استلمت من الشركة الأفغانية "كام للطيران" طائرتي شحن عتيقتين من طراز "بوينغ 747-200 أف" عن طريق وسيط أرمني. وقد تم على الفور استخدام أولى هذه الطائرات، وهي طائرة "إي پي-أف أي أي"، من خلال تسيير رحلات جوية يومية من طهران إلى دمشق. وتخضع الطائرة الثانية للصيانة في مركز "فارسكو" للصيانة والإصلاح في طهران.
وتتبّع تقرير المعهد حركة الطيران بين إيران وسوريا، وأكد أنه في الفترة الأخيرة شهد الجسر الجوي بين إيران وسوريا حركة ناشطة مع رحلات تسيّرها عدة شركات طيران مدنية وعسكرية، وهي: "ماهان للطيران" ("إيرباص أي 300 " و"أي 310")، و"الخطوط الجوية الإيرانية" ("إيرباص أي 300" و"أي 320")، و"القوات الجوية الوطنية الإيرانية"/"طيران ساها" ("بوينغ إف 747" و"سي-130")، و"طيران الحرس الثوري/"طيران فارس قشم"/ "بويا للطيران" ("بوينغ 747" و"آي إيل 76")، و"الخطوط الجوية السورية" ("آي أل-76") و"أجنحة الشام للطيران" ("أي 320"). وهذه الأخيرة هي شركة طيران سورية خاصة تسيّر رحلات منتظمة بين طهران ودمشق، واستهدفتها العقوبات الأميركية في عام 2016.
ويشير التقرير إلى أن غالبية رحلات "الخط السوري السريع" التي تسيّرها هذه الشركات تجري ليلا؛ لإعاقة عملية رصدها عبر الأقمار الاصطناعية. وبالإضافة إلى هذا الخط الناشط بين طهران ودمشق، ثمة ثلاثة خطوط جوية ("ماهان"، و"الخطوط الجوية الإيرانية"، و"الخطوط الجوية السورية") تحطّ في "مطار عبادان" بشكل متقطع، حيث تُنقل إليها عناصر المليشيات الشيعية العراقية بالحافلات من النجف والبصرة، لتستقل الطائرات إلى دمشق.
وحسب التقرير، فقد نقلت "الخطوط الجوية الإيرانية" و"السورية" نحو 21 ألف مسافر بين طهران/عبادان ودمشق خلال الشهرين الماضيين فقط، بالإضافة إلى إمدادات فاق وزنها 5,000 طن. وبما أن قلة من الحجّاج يسافرون إلى سوريا هذه الأيام، فبذلك يكون معظم هؤلاء المسافرين من القوات العسكرية أو شبه العسكرية. وجميع هذه الرحلات تقريبا مستأجرة بالكامل من قبل الحرس الثوري الإيراني، وعادة ما تكون غير متاحة لعامة الشعب.
ويتحدث تقرير معهد واشنطن بالتفصيل عن شركة ماهان الإيرانية للطيران، ويذكر أنها تأسست في عام 1992 -وهي ثاني أكبر شركة طيران إيرانية- من قبل "شركة مل مفاه الدين القابضة في كرمان" كشركة صغيرة تسيّر رحلاتها على متن بضع طائرات روسية الصنع.
وبعد فترة من عدم الاستقرار، قامت الشركة في عام 1998 بتكليف إدارة عملياتها لضابط سابق في الحرس الثوري يدعى حميد عرب نجاد. وخلال الحرب بين إيران والعراق، عمل عرب نجاد نائبا لقائد إحدى أنشط الوحدات القتالية التابعة للحرس الثوري، وهي "شعبة العمليات ثأر الله 41" بقيادة القائد الحالي لفيلق القدس قاسم سليماني. ثم تولى عرب نجاد لاحقا رئاسة المكتب الإيراني للإعمار في البوسنة والهرسك، وهو منصب مرتبط على الأرجح بعمليات فيلق القدس في البلقان.
ويؤكد التقرير أن العديد من مدراء شركات الطيران الإيرانية الأخرى هم من قدامى الحرس الثوري. لكن العلاقة الوثيقة التي تربط عرب نجاد بسليماني وفيلق القدس تبعث على القلق، وفق التقرير. كما أن أعمال "ماهان" غير المشروعة التي تنفذها بالنيابة عن الحرس الثوري وضعت الشركة على رأس قوائم العقوبات الدولية منذ عام 2011، وبالتالي فإن أي شركة تتعامل معها تكون معرضة لمخاطر كبيرة.
وعلى الرغم من التأثيرات القاسية التي فرضتها العقوبات على القيمة الجوية لطائرات "ماهان"، إلا أن الشركة، حسب التقرير، وجدت أساليب مبتكرة لاستيراد أسطول من الطائرات غربية الصنع خلال السنوات الأخيرة، من بينها ثماني طائرات "إيرباص أي340" بعيدة المدى. وفي الواقع، فإن الطائرات التي استحوذت عليها عبر الشركات الوهمية الأرمنية تجعلها الخطوط الجوية الإيرانية الوحيدة التي تستطيع تسيير رحلات لمسافات طويلة.
فضلا عن ذلك، استلمت "ماهان" مؤخرا الطائرة الأولى من بين ثلاث طائرات "إيرباص أي340" مستعملة من طراز ("يو پي-أي4001" وإلى "يو پي-أي 4003") من سريلانكا واليونان، مستخدمة هذه المرة "شركة بيك للطيران" الكازاخستانية كوسيط في العملية. وتم تسليم واحدة على الأقل من هذه الطائرات إلى "الخطوط الجوية السورية" وقامت للتو برحلتها الافتتاحية الأولى إلى دبي.