حذر مستشار سياسي للسفارة الأميركية ببغداد من "حرب طائفية" في الموصل بعد تحريرها من تنظيم داعش، مشدداً على ضرورة أن يكون لبلاده دور في السيطرة على الأوضاع ومنع أي تدخلات إقليمية.
المستشار غاري كرابو، وهو زميل مركز كلية كوربيل لدراسات الشرق الاوسط والدراسات العالمية في جامعة دينفير، نشر مقالاً في موقع "سيفر بريف" المختص بالشؤون الأمنية، قال فيه:
معركة تحرير الموصل تسير على ما يرام ولكن بخطى بطيئة نسبيا. المعارك الفعلية الدائرة الان من بيت الى بيت في الموصل تتولاها القوات العراقية من عناصر الجيش والشرطة التي تلقت تدريبا جيدا متقدما على ايدي القوات الاميركية. مسلحو داعش من ناحية اخرى يحاولون يائسين بشتى الوسائل المقاومة عبر التسلل بين السكان المدنيين لغرض الحماية واتخاذهم كدروع بشرية امام زحف القوات العراقية.
ورغم كل ذلك فإن الحصيلة النهائية واضحة، وهو ان تنظيم داعش سيتم طرده من الموصل وكل العراق، ولكن التوقيت الزمني لذلك لا يمكن تحديه بالضبط وبدون شك ان الامر سينتهي بخسائر مرتفعة في الجانبين العسكري والمدني.
ولكن يبقى هناك سؤال كبير موجه لبغداد وواشنطن وانقرة هو ماذا بعد ان تحرر الموصل؟.
رئيس الوزراء حيدر العبادي اوضح ذلك جليا حين قال ان مستقبل الموصل مسألة يعنى بها العراق فقط. في هذه الاثناء فإن الجيش والقوات الامنية العراقية فقط قد دخلت مدينة الموصل في حين بقيت قوات البيشمركة الكردية خارج الحدود وفصائل الحشد الشعبي اوكل لها مهمة حماية المناطق المحاذية للموصل من الغرب.
وأرسلت تركيا من ناحية اخرى مجموعة من قوات العمليات الخاصة من جيشها بمهمة على ما يبدو لتدريب جنود من الكرد والسنة العرب، ولكن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ذكر في تصريحات له بانه لن يسمح بإجراء تغيير واضطراب ديموغرافي للنسيج العرقي لبعض المناطق في الموصل التي يُشكل فيها التركمان جزءا مهما فيها.
المشكلة الان هي من الذي سيحكم الموصل، المدينة التي تضم نسبة عالية من العرب السنة مع جزء مهم من الاقليات الكردية والتركمانية. ومع ذلك فإن قوات الحشد الشعبي ساهمت مساهمة كبيرة في القتال ضد داعش في منطقة سهل نينوى، واذا تحركت هذه القوات نحو الموصل مع تطور المعركة فإنه من المؤكد ان ذلك لن يثير فقط حربا اثنية اخرى في العراق، بل من المحتمل ايضا ان تجلب تدخلا تركيا وحتى قوات البيشمركة بغض النظر عن ايران.
وقد يتصور المرء تكرار فترة الحرب الاهلية في العراق الممتدة من عام 2004 الى 2009 خلال الاحتلال الاميركي التي لم يقدر على تهدئتها الا بوجود قوة من 140 الف جندي اميركي.
ومرة اخرى الان يمكن اثبات ان الدور الاميركي في هذه الحالة لا يمكن الاستغناء عنه. ان استرجاع الموصل وطرد تنظيم داعش من العراق يجب ان لا يكون بمثابة نهاية للدور الاميركي في العراق. حتى الرئيس ترامب، الذي ادعى سابقا رفضه للغزو الاميركي عام 2003، فإنه يقر الان بان انسحاب القوات الاميركية من العراق عام 2011 كان قرار خاطئ، ولا يمكن له او العراق ان يكرر ذلك الخطأ.
وخلال زيارته لواشنطن الشهر الماضي، اخبر رئيس الوزراء حيدر العبادي الرئيس ترامب وحتى الصحافة الاميركية انه يفضل بقاء قوات اميركية في العراق بعد استرجاع الموصل. ولكن حتى لو وافق ترامب على هذه الحاجة وتعهد بها فإنه عليه ان يتوقع بانه ستكون هناك معارضة قوية في العراق. واكثر هذه المعارضة ستاتي من الغالبية الشيعية في البرلمان ومن قياديي فصائل الحشد الشعبي.
ومن جانب اخر فإنه من المحتمل جدا ان يرحب الكرد والعرب السنة بالتواجد الاميركي. وهنا ايضا سيكون المكان حيث تلعب فيه البراعة الاميركية الدبلوماسية والسياسية دورا لايجاد مخرج من هذه المعضلة.
لقد حان الوقت لاميركا ولكثير من حلفائها الاوروبيين والعرب ان يبدأوا بتشجيع بغداد والاطراف المختلفة نحو التأسيس لفدرالية لا مركزية يتمتع من خلالها الكرد بحكم ذاتي اكبر محاذي للاستقلال، وحصول السنة العرب على حكم ذاتي شبيه بحكم الكرد الذاتي اليوم.
وحتى ان رئيس الوزراء العبادي تحدث عن منح صلاحيات حكم ذاتي اكبر كأسلوب وحيد لتجاوز المشاحنات العرقية والطائفية في العراق.
لكن الموارد النفطية ستبقى تشكل تحدي كبير طالما ان اغلب احتياطيات النفط في العراق موجودة في اقليم كردستان والمناطق ذات الغالبية الشيعية. ولا احد منهما سيبدي رغبة بالتنازل عنها. ولكن ربما قد يكون هناك ترتيب معين يمكن من خلاله ان يوافق الكرد والشيعة العرب على بناء مصافي ومد انابيب عبر مناطق اراضي العرب السنة يؤدي الى تهدئة الاخير وطمأنته بأنه لن يكون بمعزل عن الاستفادة من موارد البلاد الطبيعية.
وقد يكون للولايات المتحدة وحلفاء اخرين غربيين ودول خليجية واسيوية دورا حيويا بالاستثمار في تنفيذ هذه المشاريع وكذلك توفير مساعدة مطلوبة بإلحاح في اعادة اعمار البنى التحتية لمدن مثل الموصل.
التواجد العسكري الاميركي في تلك المناطق سيساعد في مهام تدريب وتسليح القوات المحلية لفرض الامن والاستقرار فيها ومنع حدوث اي توترات، وهي نفس المهمة التي كانت تضطلع بها القوات الاميركية مع نشاطها الدبلوماسي في العراق حتى انسحابها منه عام 2011.
وسيوفر الجيش العراقي خدمة حماية جميع العراق بكونه يمثل جميع المكونات العرقية والطائفية وسيتلقى مساعدات من الجانب الاميركي.
ومن شأن التواجد الاميركي ان يحقق توازن ازاء الايرانيين ويسمح للمكونات العراقية ان تقرر مستقبلها بدون السماح لأي قوة خارجية لتمارس النفوذ عليها. ومن شأن التواجد الاميركي ايضا ان يهدئ الموقف التركي والدول العربية السنية الاخرى في المنطقة لمنع بروز تنظيم اخر يخلف تنظيم داعش.
وهذا الحل للمشكلة العراقية كان مطروح منذ الغزو الاميركي للعراق عام 2003 وحتى عند الاحتلال البريطاني للعراق في حقبة العشرينيات. حان الوقت ان نعطي فرصة له مرة اخرى. جميع البدائل الاخرى جربت وفشلت. الاذعان لهذا الحل ربما قد يساعد الرئيس ترامب بإرجاع العراق عظيم مرة اخرى.