العراق/بغداد
منذ تأسيس الحزب الشيوعي في العراق عام 1934، وهو مطارد من قبل الحكومات والمجتمع لكونه أرتبط بفكرة اجتماعية سائدة وهي عدم الاعتراف بالله "الإلحاد"، لكنه بالمقابل، كون قاعدة جماهيرية كبيرة، وشهد انضمام اغلب فئات المجتمع له، وبات "صيحة" لدى الشباب الجامعيين في الستينيات والسبعينيات، وبات حزبا منافسا لحزب البعث، حيث أنقسم الشباب بين الحزبين، حتى بات "الشيوعي" محظورا، وبدأت حملة اعتقالات وإعدامات طالت قادته وعناصره، كما هو الحال مع حزب الدعوة الإسلامية، وذلك بعد وصول صدام حسين لرئاسة العراق.
شهد الحزب الشيوعي، فترات "نضال سرية" مهمة، وعانى من انتمى له الكثير من المطاردة والسجن، وحتى عائلات أفراده لم يسلموا، فقدم الحزب عشرات الآلاف "ضحايا" من أجل اكمال مسيرته في العراق، وخاصة في بعض مناطق الجنوب.
الإلحاد وحقوق العمال، صفتان تمكن الحزب من خلالهما كسب الشارع العراقي له، بالإضافة إلى أن هاتين الصفتين، أديتا بذات الوقت، إلى "انكساره".
النظرية الماركسية، كانت أساس الحزب وتدرس لقادته وعناصره، بالإضافة إلى أسماء كثيرة "فندت" وجود الخالق، لكنها لم تكن الأولوية، فبناء الحزب كان يهتم باليد العاملة وإنهاء الإقطاعية والاشتراكية، وهذه المفاهيم السياسية، هي المحرك الأول والدافع لجميع أعضاءه.
"تاج رأس" الحزب هو ماركس، صاحب النظرية الاقتصادية الأهم في العالم، وبالإضافة لها تفيده لوجود الخالق، هذا "التاج" الذي عرفت به كل الأحزاب الشيوعية في العالم، لم يعد له وجود في العراق، إذ أقدم الحزب مؤخرا على "استبداله"!.
شعبيا، أرتبط "الكفر" بالشيوعية، لكنه بالتالي حزب عريق ومن أقدم الأحزاب في البلد، وشارك بعد 2003 في العملية السياسية الجديدة، ونال مناصب تنفيذية ونواب في البرلمان، إلا أنه أختار أن يستبدل "رمزه" برمز جديد وهو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي ونجل المرجع الكبير محمد الصدر.
هذا التحول الكبير، الذي بدأ بقادة الحزب "الصغار" حتى وصل إلى أمينه العام وأعضاء لجنته المركزية، الذين زاروا اليوم الصدر في النجف، وأكدوا على أن "أمل المواطن العراقي اصبح معقوداً بـ"الصدر" في خضم تنامي الطائفية والفساد".
وعبروا عن تأييدهم لـ"مواقفه الأبوية العابرة للفئوية"، تحول "غريب" إذ يصبح رجل دين معمم "أب" للشيوعية!!!.
هل فكر الحزب الشيوعي بالشباب العراقيين الذين أعدموا لكونهم انتموا له؟ هل أبقى احتراما لكوادره من كبار السن، الذين قضوا أغلب حياتهم في معتقلات "الأمن العامة" وخرجوا في 2003؟ كل هؤلاء ضحوا بحياتهم من أجل أفكار الحزب ومعارضتها لنظام صدام والأحزاب الإسلامية الأخرى، كونهم آمنوا بـ"فكرة" كما آمن غيرهم بأفكار حزبه، هل ألغى الحزب كل هذه التضحيات من أجل "مكسب" بسيط؟!!.
كان الأجدر بقادة الحزب الشيوعي، أن يعلنوا استقالتهم ويؤسسوا حزبا "إسلاميا" جديدا ليتحالفوا من خلاله مع الصدر، هذه الخطوة ستكون أكثر "اتزانا" من إقحام حزب عريق بهذه "السلسلة من الألاعيب" التي هدفها المكاسب والمناصب فقط.
كيف سيواجه قادة الحزب، من أمنيه العام رائد فهمي ومفيد الجزائري وجاسم الحلفي، خاصة وأنهم معروفون بمدنيتهم ومسيرتهم الحزبية الطويلة، كيف سيواجهون كوادر الحزب؟ هل سيوفرون "تربة ومصلاية" في المقار، هل سيمنعون "المشروبات الكحولية" على غرار التيارات الإسلامية؟ خاصة وأن المدنيين وأغلب اعضاء الحزب الشيوعي، تظاهروا في شارع المتنبي، قبل سنوات عند صدور قرار بغلق الملاهي ومحال المشروبات، وعبروا بصورة علنية لرفضهم هذا القرار، كونه ينهي المظاهر المدنية في العاصمة، فهل سيطبقونه الآن بمحض إرادتهم؟!.
السؤال الأهم، ما هو التعريف الجديد للحزب الشيوعي العراقي؟.