صراع مصالح وأهداف متناقضة: داعش عمّق انقسامات الساسة السنّة في العراق

آخر تحديث 2017-05-03 00:00:00 - المصدر: نقاش

 الاحد الماضي صوّت البرلمان العراقي على قرار يقضي بمنع السياسيين العراقيين المشاركة في مؤتمرات خارج البلاد دون موافقة السلطات العراقية، وهو مثال حي على عمق الانقسامات السياسية السنية بين فريقين يتنافسون لحكم المحافظات السنية الخارجة لتوها من احتلال "داعش".

 

القرار في الحقيقة موجه ضد السياسيين السنّة، وجاء على خلفية انعقاد مؤتمرين للقوى السنية العراقية خارج البلاد بدعم دولي بهدف توحيد الأحزاب السنية، الأول عقد في جنيف في شباط (فبراير) الماضي، والثاني في انقرة في اذار (مارس)، ولكن المؤتمرين عمّقا الخلافات السنية التي كشفتها الاتهامات المتبادلة بالخيانة والعمل على تقسيم البلاد.

 

القرار الجديد يكشف الصراع بين خصمين لدودين الأول رئيس البرلمان سليم الجبوري ممثل الحزب الاسلامي، والثاني نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي رئيس كتلة "متحدون للإصلاح"، في سيناريو مشابه لإقالة وزير الدفاع خالد العبيدي القريب من النجيفي بضغط من الجبوري، فالقرار الأخير جاء أيضاً بدعم من الجبوري ضد خصمه النجيفي.

 

ظاهرة تفكك التحالفات السياسية هي إحدى نتائج احتلال "داعش" للمدن العراقية وشملت الأحزاب الشيعية والكردية أيضاً، ولكنها اشد بين الاحزاب السنية لان مدنهم نالت النصيب الاكبر من الدمار، وأنتجت تحالفات غير مدروسة بعضها مع الشيعة وأخرى مع الكرد وفريق ثالث يعوّل على الدعم الخارجي.

 

"الحزب الاسلامي" العراقي بزعامة رئيس البرلمان سليم الجبوري، وائتلاف "متحدون" بزعامة نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي، وجبهة "الحوار الوطني" بزعامة صالح المطلك، وحركة "الحل" بزعامة جمال الكربولي، وحزب "الوطنية" بزعامة نائب رئيس الجمهورية اياد علاوي هم الممثلون الاساسيون للسنة في العملية السياسية، اما مواقفهم السياسية تشير الى انهم أعداء لا حلفاء.

 

يتصارع "الحزب الاسلامي" ضد "متحدون" على النفوذ السياسي في الموصل، ويتصارع حزب "الوطنية" ومعه حركة "الحل" ضد "الحزب الاسلامي" على الانبار، بينما تتصارع جبهة "الحوار الوطني" و"الحزب الإسلامي" ضد حزب "الوطنية" في صلاح الدين.

 

ثلاثة فرق متصارعة

يقود رئيس البرلمان سليم الجبوري تحالفا سنيا واسعا استطاع إعادة هيبة الحزب التي خسرها في الانتخابات التشريعية الماضية في 2014 مقابل صعود غريمه أسامة النجيفي، ويستمد تحالف الجبوري قوته من تقاربه مع الأحزاب الشيعية وتحديدا مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ضد باقي القوى السنية.

 

اما الفريق الثاني فيضم كلا من نائب رئيس الجمهورية اسامة النجيفي زعيم ائتلاف "متحدون للاصلاح"، ومعه رجل الاعمال السني خميس الخنجر القادم بقوة الى واجهة السياسة بعدما كان يعمل خلف الكواليس، وهو ابرز داعمي رئيس الوزراء السابق اياد علاوي خلال فوزه في انتخابات عام 2010 بالمرتبة الأولى، ومعهما ايضا رئيس ائتلاف "العربية" صالح المطلك السياسي السني العلماني.

 

ويضم الفريق الثالث نواباً سنّة انشقوا عن التحالفات السنية الاساسية واعلنوا تبينهم مواقف القوى السياسية الشيعية، وأبرزهم النائبان عن الموصل احمد الجبوري وعبد الرحمن اللويزي، والنائب سعدون الدليمي عن الانبار، اضافة الى قوات عشائرية مسلحة شكلت تحت دعم الفصائل الشيعية في صلاح الدين والموصل والانبار.

 

ويضم هذا الفريق أيضاً هيئات وشخصيات ورجال دين سنّة بينها مؤسسة "الإسلام المحمدي" في بلدة حديثة في الانبار، ومفتي "اهل السنة والجماعة" في العراق رجل الدين السلفي مهدي الصميدعي، ورئيس "مجلس انقاذ الانبار" حميد الهايس، وهذه التشكيلات تسعى للمشاركة في الانتخابات المقبلة.

 

وما يجمع مواقف الفريق الثالث هو قربها للأحزاب الشيعية ضمن سياسة قديمة جديدة انتهجها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتقضي بشق صف القوى السنية عبر استمالة أطراف سنية ضعيفة موالية للحكومة وتقديمها للمجتمع الدولي على انها ممثل للقوى السنية في العراق.

 

وتحصل هذه القوى السنية على دعم مالي ومعنوي عبر مناصب مهمة وصلاحية تشكيل قوات عسكرية ضمن قوات "الحشد الشعبي"، ومثلا فان مفتي اهل السنة الصميدعي الذي لا يمتلك اعترافا بين الاوساط السنية بات يمتلك قوة مسلحة تضم آلاف المقاتلين.

 

التسوية السياسية ونظام الحكم

الموقف من "التسوية الوطنية" التي من المفترض ان ترسم السياسة الداخلية، وشكل نظام الحكم في البلاد، ومنظومة التحالفات لادارة المدن السنية في مرحلة بعد القضاء على "داعش"، هي ابرز القضايا التي تمثل نقاط الخلاف بين الفرق السنّية الثلاثة.

 

يؤيد رئيس البرلمان سليم الجبوري مشروع "التسوية الوطنية" التي أعلن عنها زعيم "التحالف الشيعي" عمار الحكيم مقابل تعديلات قدمها الى ممثل الامم المتحدة في العراق باعتبارها الراعية للمشروع.

 

ولكن النجيفي رفض تعديلات الجبوري وقدم بدوره ورقة جديدة تضمنت مطالب بإشراك سياسيين سنّة تتهمهم الأحزاب الشيعية بالإرهاب بينهم خميس الخنجر ووزير المالية السابق رافع العيساوي وشيوخ عشائر، وهذا الانقسام بات احد أسباب عرقلة مشروع "التسوية الوطنية".

 

ويقول النائب عن "اتحاد القوى العراقية (السنية) احمد المشهداني لـ "نقاش" إن "مقترحات القوى السنية التي قدمت بخصوص مشروع التسوية الوطنية قابلة للتفاوض مع باقي الكتل السياسية، ولكن اهم ملف يجب مناقشته هو استهداف شخصيات سنية لأسباب سياسية، ولهذا يجب تصحيح الامور والتحاور مع المعارضين من اجل انجاح المشروع".

 

ولكن الخلاف الجوهري بين الفريقين يكمن في رؤيتهما لنظام الحكم وادارة المحافظات السنية مستقبلا، فالنجيفي والخنجر يسعيان وبقوة الى تشكيل إقليم سني يضم الأنبار وصلاح الدين ونينوى بنفس سيناريو اقليم كردستان او تحويل هذه المحافظات الى اقاليم متعددة باعتباره حلا لإنهاء ازمة تهميش السنة في الحكم.

 

ويقول نائب رئيس الجمهورية زعيم ائتلاف "متحدون للإصلاح" في بيان رسمي "الأقاليم أمر دستوري وهذه الأقاليم لا تعتمد على القومية أو الدين أو الطائفة، بل هي حل دستوري يمكن أن يستجيب لحاجات المواطنين والعمل على تقوية وحدة البلد ومستقبله".

 

أما سليم الجبوري وحلفاؤه يرفضون مقترح الاقاليم ويفضلون البقاء على شكل الادارة الحالية للمحافظات مع اعطاء المزيد من الصلاحيات للحكومات المحلية، ولتحقيق ذلك فان افضل طريقة للوصول الى ذلك يكمن في التقارب من القوى الشيعية بدلا من معاداتها.

 

تعدد المرجعيات الدينية

حتى 2014 كان الخلاف السني محصورا في السياسة، ولكنه امتد مؤخرا الى المرجعيات الدينية السنية في تطور مثير يؤشر محنة المجتمع السني، وتتحمل الأحزاب الشيعية جزءا من هذه المشكلة.

 

مؤسسة "الوقف السني" احد ابرز المناصب الدينية في العراق، ومنذ عام 2003 تعاقب على ادارة الديوان شخصيات دينية توافقية بين القوى السياسية السنية، حتى قرر رئيس الوزراء حيدر العبادي في 2015 تعيين احد رجال الدين المثيرين للجدل في منصب الوقف السني، وهو عبد عبد اللطيف الهميم الذي عاش في الأردن بعد 2003 لاتهامه بقربه من نظام حكم الرئيس السابق صدام حسين.

 

ويعتبر الهميم شخصية سنّية بلا ارتباطات مع القوى السياسية السنية، ومع تسلمه منصبه الجديد بدأ يؤسس قاعدة جماهيرية ويطرح نفسه شخصية سياسية سنّية استعدادا للانتخابات المقبلة، ولكن "الحزب الإسلامي" وباقي القوى السنية بدأت بمعاداة الهميم وتجري منذ أيام حرب إعلامية شرسة بين الطرفين.

 

والى جانب مؤسسة "الوقف السني"، هناك ايضا مؤسسة "المجمع الفقهي العراقي" ويتزعمها احمد حسن الطه القريب من الحزب الاسلامي، ويتخذ من جامع ابو حنيفة النعمان في بغداد مقرا له، ومثلما يجب على منصب رئيس "الوقف الشيعي" ان ينال تأييد المرجعيات الشيعية في النجف، فان منصب رئيس الوقف السني يجب ان ينال تأييد المجمع الفقهي، وهو ما لم يحصل.

 

الانقسامات السنية بلا شك خطيرة في مرحلة بعد "داعش"، مدن الانبار وصلاح الدين والموصل التي خرجت لتوها من دمار هائل وتشريد الملايين من سكانها بحاجة الى وحدة قرار سني للإسراع في إعمارها وتجاوز اخطاء الماضي.

 

كما ان وحدة القوى السنية ستكون مفيدة للاحزاب الشيعية اذا ما أرادت تحقيق الاستقرار الشامل وانهاء شعور السنّة بالظلم والتهميش وما ينتجه من تنظيمات متطرفة بدأت مع فصائل مسلحة محلية مثل "الجيش الاسلامي" و"جيش المجاهدين" و"النقشبندية" ومن ثم تنظيم "القاعدة" وأخيرا "داعش".