العشوائيات وبيوت التجاوز ليست "ترفاً" اختارته العوائل العراقية لتسكن في مناطق تفتقر لكل مقومات الحياة حيث لا تتوفر مياه الشرب بطريقة صحيحة وصحية إلا عبر طرق بدائية تجعلها عرضة للتلوث الخطير، كما أن الكهرباء هي الأخرى لا تصل تلك المناطق إلا بل التجاوز عن خطوط نقل الطاقة، فضلاً عن عدم وجود صرف صحي.
وعلى الرغم من هذه المعيشة التعيسة والمهينة، إلا أن الحكومة المحلية في بغداد تهدد هذه العوائل المعدمة بـ"حملة عسكرية" في عملية أقل ما توصف به أنها "تهجير قسري رسمي"، فيما تتحدث أمانة بغداد عن 200 منطقة عشوائية يسكنها على أقل تقدير 200 ألف نسمة، بدورها تستعرض قيادة عمليات بغداد عضلاتها لـ"تهجير" تلك العوائل.
تقول أمانة بغداد على لسان المتحدث باسمها حكيم عبد الزهرة انها "مستمرة برفع التجاوزات سواء كانت اراض مخصصة للاستثمار او غيرها".
ويضيف "هناك مناطق عديدة فيها تجاوز على أراضي الموظفين وايضا على أملاك الدولة وهذا الأمر مرفوض، حيث ان عملية رفع التجاوز تشمل الكثير".
ويبين عبد الزهرة ان "الأمانة قامت برفع التجاوزات في مناطق عديدة الا انها ما زالت تعاني ايضا من مناطق اخرى لا سيما التي تتواجد فيها كثافة سكانية، وتم بناء منازل عليها من قبل المواطنين"، مشيراً الى ان "هناك تعاوناً كبيراً يجري بين الامانة وعمليات بغداد".
ويؤكد أن "في بغداد 200 منطقة تجاوز، يسكن أكثر من 2000 مواطن في كل منطقة منها، ما يعني ان هناك ما يقارب 200 ألف مواطن يسكن في التجاوز بشكل تقريبي".
ما تتحدث عنه أمانة بغداد يبدو وكأنه "تهديد خطير وكبير" لأمن البلاد والعباد ولابد من "اجتثاثه" خشية أن يتحول بقاؤه إلى "آفة تفتك باقتصاد البلد، هكذا يبدو الأمر حين تحاول أي جهة حكومية "تبرير فشل" الحكومات المتعاقبة في توفير أصبحت مقومات الحياة للمواطن العراقي!.
"التهديد الخطير" الذي كشفت عنه أمانة العاصمة، أثار حفيظة الحكومة المحلية لبغداد، وتحديداً عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد فاضل الشويلي، الذي "أزبد وأرعد" متوعداً المتجاوزين بـ"حملة عسكرية كبيرة" للقضاء على هذا "الخطر الداهم"!.
يقول الشويلي "رفع التجاوزات يحتاج الى جهد كبير لا يقتصر على النية فقط لأن هذه القضية باتت ضرورة ملحة".
ويهدد بأن "هناك مناطق للتجاوز لا يمكن رفعها الا بتواجد عسكري كبير، لان الموظفين المطالبين برفع التجاوزات يخشون على انفسهم".
ويشير إلى أن "التجاوز لا يقتصر على المناطق السكنية فقط بل ان هناك ارصفة وبساتين تحوّلت الى مقاهٍ وبشكل غريب"، داعيا الامانة "الى تحرك أكبر في السياق".
وعندما تتحدث الدوائر المدنية عن هذه "المخاطر الكارثية" فلابد للجهات الأمنية والعسكرية أن "تستعرض عضلاتها"، وهو ما فعلته قيادة عمليات بغداد على لسان "بطلها المغوار" العميد سعد معن الذي أكد أن "عمليات بغداد مستمرة وبالتنسيق مع امانة بغداد برفع التجاوزات".
ويرى أن "رفع التجاوزات شيء حضاري ويجب الاستمرار به، لأن هناك مناطق تعود لمواطنين ولا يستطيعون العودة لها بسبب التجاوز"، غير أنه "تناسى" أن الأكثر حضارية وتمدن هو توفير مسكن يليق بـ"البشر" للعوائل المتجاوزة قبل أن تقوم قيادته "الحكيمة" بتهجير هذه العوائل المعدمة من بيوت الصفيح والطين و"الجينكو"!.
يقول معن ان "فرقاً جوالة مشتركة بين الأمانة والعمليات هي من تذهب الى مناطق التجاوز وتجبر المتجاوزين على رفع اغراضهم وعودة المنطقة على حالتها الطبيعية".
ويعاني العراق أزمة في السكن تفاقمت حدتها بعد العام 2003، مما دفع الكثير من المواطنين إلى السكن في المباني الحكومية التي تعرضت للتخريب، إضافة إلى انتشار العشوائيات في غالبية المحافظات، في وقت يستمر إيجار المنازل والشقق بالارتفاع وبخاصة بعد سيطرة تنظيم داعش على العديد من المحافظات وما رافقها من عمليات نزوح جماعات إلى مناطق آمنة في البلاد.