دوائر الانتخاب أبرز الخلافات: الأحزاب العراقية الكبرى تريد قانوناً انتخابياً على مقاسها

آخر تحديث 2017-06-01 00:00:00 - المصدر: نقاش

 الخميس الماضي وفي آخر جلسة للبرلمان في فصله التشريعي الأول صوّت النواب على القراءة الأولى لقانون الانتخابات التشريعية، ولكن القضية لن تنتهي عند ذلك، فالقوانين تمر عبر آلية معقدة إذ يتطلب القانون قراءة ثانية بين النواب غالبا ما تشهد اعتراضات كثيرة، وفي المرحلة الأخيرة يتم التصويت على القانون.

 

وتنشغل الكتل السياسية العراقية منذ أسابيع في صياغة قوانين انتخابية جديدة لانتخابات مجالس المحافظات المحلية والبرلمانية في ظاهرة ليست غريبة على العملية السياسية في العراق بعد 2003، فالأحزاب تصوغ قانون انتخابات جديدا يناسب شعبيتها وتحالفاتها لضمان الحصول على اكبر عدد من الأصوات على حساب الأحزاب الصغيرة.

 

ثلاثة مقترحات معلنة قدمت لتعديل قانون الانتخابات التشريعية رقم (45) لسنة 2013، من قبل رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وكتلة "الأحرار" الجناح السياسي للتيار الصدري، والنائب المستقل التابع الى المرجعية الدينية في النجف عبد الهادي الحكيم، إضافة الى مقترحات سرية قدمتها كتل الى البرلمان لم يكشف عن مضمونها.

 

النائب عن كتلة "التحالف الوطني" عمار طعمة قال لـ"نقاش" ان "هناك مخاوف من تجاوز المواعيد الدستورية لاجراء الانتخابات ولهذا يجب الاسراع في تشريع قانون انتخابات جديد لمنع حصول فراغ قانوني ودستوري قد يفضي الى سيناريوهات خطيرة تضاف الى التحديات الامنية والاقتصادية".

 

طعمة الذي ينتمي الى حزب "الفضيلة" احد مكونات "التحالف الوطني" اكبر الكتل النيابية في البلاد، يقول ايضا إن "مقترحات عديدة قدمتها الكتل السياسية حول القانون الجديد، ولكن المهم تحقيق توزيع عادل لاصوات الناخبين بدلا من ضياعها كما حصل في قوانين الانتخابات السابقة".

 

وتتشابه مقترحات القوانين المقدمة من الكتل السياسية حول قانون الاقتراع على نحو كبير في عدد نواب البرلمان البالغ (328 نائباً)، وتوزيع عشرة مقاعد على الأقليات الدينية المسيحية والايزيديية والصابئة، والاّ يقل عمر المرشح عن (25) سنة، وان تكون هناك "كوتا" ثابتة للنساء لا تقل عن 25% من عدد نواب البرلمان.

 

ولكن الخلافات كبيرة في قضايا حساسة تعتبر عنصرا مهما في تحديد مسار الفائزين في الانتخابات، وأبرزها قضايا منع مزدوجي الجنسية من الترشيح في الانتخابات، وعدد الدوائر الانتخابية، وكيفية توزيع المقاعد، وطريقة العد والفرز وموعد إعلان نتائج الاقتراع.

 

احد أهم الانتقادات التي توجه إلى العملية الديمقراطية في العراق بعد 2003 هي عدد الدوائر الانتخابية، ففي اول عملية انتخابية جرت عام 2005 اتفقت الأحزاب العراقية على جعل العراق دائرة انتخابية واحدة وقائمة مغلقة لا يستطيع الناخب اختيار مرشح وإنما قائمة كاملة.

 

وتطور القانون بشكل محدود في انتخابات 2010 بعد انتقادات محلية ودولية، واتفقت الاحزاب على جعل العراق (18) دائرة انتخابية بدلا عن دائرة واحدة، اما نظام قوائم المرشحين فأصبحت نصف مفتوحة، ويستطيع الناخب انتخاب مرشح واحد ولكن في النهاية قد تذهب أصوات هذا المرشح الى مرشحين اخرين.

 

خلال الاسابيع القليلة الماضية عاد النقاش بين الاحزاب حول هذه القضية الحساسة، وطالبت كتلة "الاحرار" التابعة الى رجل الدين مقتدى الصدر بزيادة عدد الدوائر الانتخابية على مستوى البلدات الصغيرة في كل محافظة، بدلا من أن تكون المحافظة دائرة واحدة وفي عموم العراق (18) دائرة وفق عدد المحافظات.

 

النائب عن كتلة "الاحرار" محمد جبار يقول لـ "نقاش" إن "الجميع يعلم بان هناك مشكلة في التمثيل الحقيقي للناخبين، لان مرشحا من البصرة يمكنه الترشيح في بغداد وبالعكس، وهذا الامر ينتج عنه نواباً لا يمثلون في الحقيقة تطلعات الناخبين".

 

ويضيف ان "تقسيم كل بلدة صغيرة داخل المحافظة الواحد الى دوائر انتخابية متعددة سينتج عنه مرشحون يمثلون جميع مناطق العراق دون استثناء، وسيتسنى للناخب اختيار من يعرفه جيدا من أبناء بلدته لا القادمين من خارج البلاد او خارج مدينته، وبالنتيجة فان المرشح سيسعى الى تمثيل أبناء بلدته وخدمتهم لأنه الأعرف بمشكلاتهم".

 

المشكلة التي تواجه هذا المقترح كما يقول نواب هو افتقار العراق إلى إحصاء سكاني رصين يمكن من خلاله معرفة عدد السكان في كل محافظة بما تضمه من بلدات صغيرة وقرى تقع في أقاصي الصحراء او الريف، وفشلت محاولة الحكومة العراقية لإجراء إحصاء سكاني عام 2010 لأسباب سياسية، ولكن النائب جبار يقول إن هذا العذر غير مقنع ويمكن إجراء الانتخابات بلا إحصاء سكاني اعتمادا على بيانات البطاقة التموينية لوزارة التجارة.

 

أما مقترح النائب المستقبل عبد الهادي الحكيم الممثل السياسي الرمزي للمرجعية الدينية الشيعية في النجف وعلى رأسها رجل الدين علي السيستاني، فيتضمن (17) دائرة انتخابية على عدد المحافظات العراقية على ان تكون للعاصمة بغداد دائرتان انتخابيتان في الكرخ والرصافة بدلا عن دائرة واحدة.

 

القضية الأكثر جدلاً في شأن الانتخابات العراقية هو موعد إعلان النتائج، اذ غالبا ما تستغرق مفوضية الانتخابات أربعة اسابيع قبل إعلان النتائج وهو ما يثير قلق كتل سياسية من حصول تلاعب في النتائج خلال هذه الفترة الطويلة.

 

مقترح كتلة "الأحرار" يتضمن ضرورة إعلان النتائج خلال خمسة أيام من موعد إجراء الانتخابات، بينما يتضمن مقترح النائب الحكيم أن يكون فرز أوراق الناخبين على مرحلتين الكتروني ويدوي من قبل موظفي مراكز الاقتراع على ان تعلن النتائج داخل مركز انتخابي في نهاية يوم الاقتراع، بينما لم يتطرق مقترح قانون رئيس الجمهورية لهذه القضية الحساسة.

 

المفاوضات متواصلة بين الكتل السياسية على محورين، الاول البحث عن تشكيل تحالفات سياسية، والثاني التوصل الى قانون انتخابات جديد، وقانون الانتخابات مرتبط بطبيعة التحالفات، فكلما تشكلت تحالفات كبيرة سيخرج قانون الانتخابات ليخدم القوى الكبيرة، وفقا للناشط المدني فارس عبد الكريم.

 

ويقول عبد الكريم لـ "نقاش" إن "الاحزاب الكبيرة متخاصمة فيما بينها في كل شيء تقريبا باستثناء قانون الانتخابات اذ أنها متفقة على إنتاج قانون جديد في كل انتخابات يناسب شعبيتها وتحالفاتها السياسية، وهم بالنتيجة يسعون بقوة لمنع الأحزاب والقوى الصغيرة من الحصول على مقاعد نيابية".

 

بلا شك الخلافات ستستمر وستكون أعمق كلما اقترب موعد الانتخابات، والشيء المؤكد ان الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون الأهم والأصعب في البلاد لكونها أول عملية انتخابية تجري بعد مرحلة تنظيم "داعش"، ولهذا فان الاقتراع المقبل سيرسم مستقبل البلاد بعد الانتهاء من التحديات العسكرية والتوجه نحو تحديات تحقيق الاستقرار السياسي والبناء والإعمار وهي ملفات لا تقل صعوبة عن الحرب.