نجح عدد من الاطفال في حي الزنجيلي، وسط الموصل القديمة، بالخروج من المنازل المهدمة، بعد ان قضت عوائلهم إثر المعارك التي تدور في الحي منذ أكثر من أسبوعين.
وبدا الايتام الصغار مذعورين، بحسب مسؤولين وشهود عيان هناك، وهم يبحثون عن ذويهم وسط الركام، إذ شهد الحي أعنف معركة منذ انطلاق العمليات العسكرية في الساحل الايمن.
وتمكنت القوات المشتركة، أمس، من تحرير حي الزنجيلي، بعد قتال شرس أدى الى مقتل 300 مدني، على يد تنظيم داعش أو بسبب القصف.
وقالت منظمة الأمم المتحدة، قبل يومين، أنها تلقت تقارير عن أن مسلحي "داعش"، قتلوا 231 مدنياً أثناء فرارهم من الموصل خلال الأسبوعين الماضيين. وتحدثت التقارير عن مقتل ما بين 50 إلى 80 شخصا في غارة جوية على حي الزنجيلي نهاية آذار الماضي.
ودافع داعش بشراسة عن الزنجيلي، الذي يعتبر المدخل الى المدينة القديمة، حيث معقله الاخير، ويتوقع المسؤولون المحليون معارك أكثر صعوبة عندما تتوغل القوات الى الجنوب في الازقة القديمة.
ويعتقد ان داعش يستعد لتنفيذ مجزرة جديدة في حي الشفاء، المحاذي للزنجيلي، اذ يتحصن المسلحون داخل عدد من المؤسسات الصحية، متحصنين بمئات المدنيين.
تحرير الزنجيلي
وأعلنت الشرطة الاتحادية، أمس السبت، عن تحرير حي الزنجيلي الواقع في الساحل الأيمن لمدينة الموصل، ويقول خلف الحديدي، عضو مجلس محافظة نينوى، ان "الزنجيلي أصبح تحت السيطرة، لكنْ هناك قناصون وعبوات ستتم معالجتها في الساعات المقبلة".
وأكد قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، أمس، مقتل مئات المسلحين في الزنجيلي، بينهم 49 قناصاً و22 انتحارياً.
وقال جودت ان "العمليات أسفرت عن تدمير 40 دراجة نارية و27 سلاح أحادية مضاد للطائرات، و40 عجلة مفخخة وتفكيك 16 منزلاً ملغماً".
وأضاف قائد الشرطة الاتحادية "تم تدمير مفرزة هاون 15 وتفجير 150 عبوة ناسفة والاستيلاء على 525 صاروخاً متنوعاً و4 معامل لتصنيع الصواريخ والعبوات الناسفة والمركبات و50 منظومة اتصالات لاسلكية".
ويؤكد الحديدي ان "معركة الزنجيلي كانت مكلفة جدا من الناحية الإنسانية، حيث استهدف داعش السكان بشكل مباشر".
واضاف المسؤول المحلي ان "معركة تحرير الحي هي الاعنف منذ الهجوم على ساحل الموصل الايمن، كما ان الضحايا هم الاكثر عدداً بعد القصف الخاطئ الذي حدث في 17 آذار الماضي".
وكانت (البنتاغون) قد اعترفت قبل أسبوعين، بمقتل 105 مدنيين في قصف خطأ بوسط الموصل قبل 3 أشهر.
ويشير الحديدي الى "وجود عدد كبير من الاطفال الذين فقدوا ذويهم في المعركة، بالاضافة الى النساء التي لاتعرف مصير أطفالها او بقية العائلة".
وتقول الأمم المتحدة إن 2174 مدنيا قد قتلوا و 1516 أصيبوا منذ بدء العمليات العسكرية لاستعادة الموصل.
ويؤكد مسؤولون محليون ان القوات العراقية بذلت خلال المعارك جهودا كبيرة لحماية المدنيين. ويؤكد الحديدي ان "داعش قصف السكان بالهاونات".
وكانت مصادر محلية قد أكدت مؤخرا، قيام مسلح أجنبي، بفتح النار بشكل عشوائي على سكان "الزنجيلي" اثناء عملية الفرار.
ويستخدم مسلحو داعش السيناريو ذاته في حي الشفاء، اذ توجد مجموعة من المستشفيات يعتقد انهم يحتجزون عددا من المدنيين داخل السراديب.
ويصف المسؤول المحلي الاشتباكات هناك بأنها "عنيفة جدا"، ويتحدث عن ان "داعش يحتجز عددا من الاطباء، ولايريد خسارة المستشفيات ،لانه يستخدمها لعلاج جرحاه".
ويتحصن التنظيم في المؤسات الصحية، مستغلاً تريث القوات في ضرب البنايات الحكومية، حيث تعد تلك المستشفيات من أهم وأكبر المستشفيات في الموصل.
وكانت تقارير، كشفت عنها الامم المتحدة مؤخرا، قد أشارت الى ان مسلحي التنظيم قتلوا 27 شخصا كانوا يحاولون الفرار من حي الشفاء، بينهم 14 امرأة و5 أطفال. وأفادت تقارير أخرى بأن 163 مدنيا قتلوا بالقرب من مصنع للمشروبات الغازية في نفس المنطقة يوم الخميس الماضي. واكدت التقارير أن جثثهم ظلت ملقاة في الطريق لعدة أيام.
كما ذكرت تقارير أن التنظيم قتل 41 شخصا يوم السبت الماضي، بينما كانوا يحاولون الفرار من حي الشفاء باتجاه مواقع قوات الأمن العراقية.
مؤشرات خطيرة
ويعتقد خلف الحديدي ان "ما حدث في الزجيلي مؤشر خطير لما قد يحدث في المدينة القديمة، إذا لم يُستخدَم تكتيك جديد". ويؤكد ان "أزقة المدنية القديمة أضيق، ومبانيها أقدم من الزنجيلي".
وحاول مسلحو داعش في الزنجيلي منع تقدم القوات العراقية لعدة أيام، حيث يعد الحي مدخلاً مهماً للمدينة القديمة. وتقدر المصادر المحلية وجود 25 الف شخص يعيشون في الاحياء الثلاثة المحاذية للمدينة القديمة من الجانب الشمالي.
وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب، الاسبوع الماضي، تحرير حي الصحة، فيما لاتزال الفرقة 9 /جيش، تقاتل في حي الشفاء.
وشنت هذه التشكيلات، في 27 أيار الماضي، هجوما على الاحياء الثلاثة. ومع تصاعد المخاوف من وقوع ضحايا مدنيين، أجبرت القيادة العسكرية على تغيير خطتها، طالبة من سكان تلك الاحياء الخروج قبل يومين من بدء الهجوم.
وتقترب مسافة الاشتباكات في الموصل القديمة بين القوات المشتركة ومسلحي داعش، بمسافة عشرات الامتار فقط، فيما يتوقع وجود مدنيين يزيدون على الـ100 ألف.
وشكل الركام والسيارات المفخخة، التي انفجرت خلال الاسابيع الماضية، حائط صد طبيعياً بين الطرفين، بحسب نائب عن نينوى يقود فصيلا من الحشود العشائرية.
ويقول النائب أحمد الجبوري، امس، ان "الشرطة الاتحادية تراقب القناصين في المدينة القديمة، ولايستطيع أي شرطي ان يرفع رأسه، حيث سيتعرض لإطلاق نار فوري من مسافات بعيدة احيانا".
وطوّر داعش، خلال فترة احتلاله الموصل منذ 3 سنوات، اسلحة متنوعة، من بينها القناصات التي اصبح مدى بعضها يصل الى 6 كم.
ويقول النائب عن نينوى، الذي يشرف على قوة (فرسان الجبور)، "لايمكن الدخول الى المدينة القديمة، بسبب وجود المدنيين"، لافتا الى ان "مسافة الاشتباكات بين الجانبين تقترب في بعض المناطق الى 50 متراً فقط".
وتطوق الشرطة الاتحادية المدينة القديمة منذ 3 أشهر بشكل نصف دائرة من الجنوب والغرب. ويتعرض المدنيون الى الغرق والقنص، عند محاولتهم الهروب من الجانب الشرقي المطل على دجلة.
ويؤكد الجبوري ان "تحرير تلك الاحياء يحتاج الى عمليات نوعية، وقتال فردي، ولامجال لاستخدام المقذوفات الثقيلة".