"غادرت العراق ولم يغادرني".. يهود عراقيون يحكون قصصهم في المنفى

آخر تحديث 2017-06-17 00:00:00 - المصدر: الزمان برس

​ألقى تقرير نشره موقع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الضوء على حكايات وقصص بعض اليهود العرب في المنفى وخاصة العراقيين منهم الذين لم يستطيعوا التخلي عن هويتهم وواجهوا صعوبة في الإندماج مع المجتمع الإسرائيلي.

والحكايات التي استعرضها التقرير، تم جمعها ضمن مشروع "أصوات السفارديم" بقيادة أستاذ الدراسات الدينية والمدير التنفيذي للمشروع، هنري جرين. ومن بين بينها، قصة "ليندا منوحن" البالغة من العمر 67 عامًا، والتي وُلِدت في العراق وعاشت بها أعوامها الأولى، قبل أن يجبرها الاضطهاد والإيذاء على الهروب إلى إسرائيل.

وعملت ليندا مراسلة ببرامج التلفاز والراديو، ومحللة استخباراتية مع الشرطة الإسرائيلية، ومستشارة لعددٍ من الوزارات، معتمدة على اتقانها اللغة العربية، لكن تجاربها الأليمة في العراق آذتها إلى درجة تجنب الحديث عنها علنا طوال هذه المدة.

ونقل التقرير عن غرين الذي تحدث عن يهود السفارديم أو "اليهود العرب"، وكيف كانوا مندمجين في مجتمعاتهم حتى بداية أربعينيات القرن الماضي، حين بدأت أعمال التمييز ضد اليهود تزامنًا مع صعود المشروع الصهيوني، أنه "في الأعوام التي تلت إنشاء دولة إسرائيل، تعرض أكثر من 95% من يهود السفارديم للاعتداءات والصدمات، وتشتتوا في أنحاء العالم. ولم يحكِ أحد قصتهم".

وذكر المدير الإعلامي للمشروع، ديفيد لانجر، أن الشكل الذي صممه للمشروع، يتضمن التقاط صور فوتوغرافية ومقاطع مصورة للأشخاص بالأبيض والأسود، مبينا "يمكن المشروع الناس من حكي قصصهم وقصص آبائهم وأجدادهم. هدف المشروع الكبير هو إعادة سرد قصة الحضارة اليهودية بحيث تشمل حضارة اليهود السفارديم الثرية أيضا".

ويركز المشروع على يهود العراق، بتمويل من رجلي الأعمال اليهوديين العراقيين، الأخوين "دينيس وروبرت شاشا"، حيث اشترك الأخوان مع الصحافية "تامار مراد" في تحرير مجموعة من قصص حياة اليهود في العراق وهروبهم منها، في كتاب بعنوان "آخر يهود العراق" نُشر في 2008.

وكان عام 1941 هو بداية النهاية لتواجد الشعب اليهودي في العراق، إذ شهد أحداث "الفرهود" العنيفة التي استهدفت اليهود في بغداد في عيد الشفوعوت اليهودي، وشهِدت مقتل 180 يهوديًّا وجرح نحو ألف، وتدمير 900 من منازل اليهود.

ومع بدء حرب الاستقلال الإسرائيلية في 1947، بدأت الحكومة العراقية في استهداف اليهود بطردهم من الوظائف المدنية، واعتقال أعداد كبيرة منهم. واستهدفت التفجيرات معابد اليهود، وأعدم النظام في 1948 رجل أعمال يهودي شنقًا في ساحة عامة لإدانته ببيع الأسلحة لإسرائيل، رغم إعلانه معارضته للصهيونية.

تتذكر ليندا شعورها بالخوف في هذه الأثناء، خاصةً بعد استدعاء السلطات لوالد أحد أصدقائها من أجل استجوابه، فقط ليعود إلى عائلته جثة هامدة. ثم أعدمت الحكومة في 1969 تسعة يهود شنقًا في أحد ميادين بغداد العامة بتهمة التجسس لحساب إسرائيل.

في ذلك الوقت، لم يكن بإمكان اليهود مغادرة العراق قانونيا. ولم يوافق والد ليندا على الرحيل، إذ أن عمله بالمحاماة أورثه إيمانا بالقانون منعه من الهروب غير القانوني. لكن ليندا وأخاها لم ينصاعا لرغبات والديهما، واستعانا بمهربين قادوهما إلى إيران ومنها إلى إسرائيل، وبعدها بفترة قصيرة لحقت بهما الأم.

وتقول ليندا "لقد أحببت بغداد، وأهلي، والمناخ الكوزموبوليتاني، والطعام والأصوات والمناظر. لكنني علمت أن البقاء لم يعد ممكنا".

وفي عشية يوم الغفران في عام 1972، كان والدها في طريقه إلى المعبد حين ألقت السلطات العراقية القبض عليه، وكانت هذه آخر مرة شوهد فيها. ووثَّقت ليندا رحلة البحث عنه – التي لم تكلَّل بالنجاح- في فيلمها الوثائقي "ظلالٌ في بغداد".

وألقت "هآرتس" في تقريرها الضوء أيضا، على قصة التوأمين "هرتزل وبلفور حكاك" اللذين غادرا العراق في عامهما الثاني، وتحدثا إلى مشروع "أصوات السفارديم" عن صعوبات الهجرة والاندماج في المجتمع الإسرائيلي حيث يسكنان في شقتهما الصغيرة بالقدس بأحد الأحياء اليهودية المتطرفة.

ويقول الأخوان حكاك "حين جئنا، طُلب منَّا أن نخلع عنَّا عراقيتنا.. وصفت الكتب المدرسية القرى في أوروبا، ويهود الحالوتسم الأوائل، بينما خلت من أوصاف اليهود الشرقيين.. لكننا لم نقدر على خلع هويتنا، حتى مع وصولنا إلى إسرائيل في سن صغيرة جدًّا. فالهوية ليست شيئًا قابلًا للقص واللصق".

والأخوان حكاك شاعران، يكتبان عن الحياة في العراق، والتحديات التي واجهها الآباء والأجداد ممن لم يقدروا على التعبير عن أنفسهم. ويروي بلفور قصيدة له تتحدث عن هجرة جده إلى أرض إسرائيل. ومنفاه النفسي فيها، في أرض لم ينتم إليها منذ طفولته. ويقول في شعره:

"جدِّي ملك حزين

جاء إلى الدنيا في ثيابٍ مطرزة من حرير

وحين أرسلوه إلى منفاه       

تمزقت الثياب، وتبعثرت الجلالة

فقط حين مات، كفَّنوه بوشاح الصلاة

وشاح ورثه عن أبيه

يزدان بأحرف مقدسة زرقاء

وعلى الوشاح رأيت في مخيلتي خطوطًا ذهبية

تضيء بنورٍ رقيق

جدي مراد، ابن رافائيل حكاك".

وينهي بلفور حديثه قائلًا "الهوية مزيجٌ من المكان والزمان. إن اتصلت بالمكان فقط، تكون هويتك أفقية مسطحة. إن أراد شخص معرفة هويته، فسيجد الإجابة في محور الزمن الذي سبقه".

ويختم غرين قائد المشروع، بالقول "شيوخ اليهود العراقيين يموتون، وذكرياتهم تبهت. ومن هنا يستمد المشروع أهميته وعجالته".